12 نوفمبر 2024
عن مزحةٍ اسمها ميريام كلينك
منذ بضع سنوات، لم أكن أعرف من هي ميريام كلينك، حتى ذكرها صديقٌ ذات يوم أمامي أثناء إقامتي في باريس، مذهولاً من جهلي بوجودها، فما كان مني إلا أن لجأت إلى العالم الافتراضي أستدرك قلّة اطلاعي، لأقع عليها واقفةً وسط حديقة منزلها، شاهرةً بندقية كلاشينكوف على ما أعتقد، وهي ترتدي مايوه يُبرز مفاتنها، وتنشد أغنيةً ما تدعو فيها اللبنانيين إلى وقف الاقتتال.
إلا أن "المزحة الذكورية" المدعوّة ميريام كلينك، كما يتداولها اللبنانيون، استمرّت تتفاقم وتكبر، ككرة ثلج، إلى أن وصلت أخيراً إلى مجلسنا النيابي، في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حيث وضع أحدُ النوّاب اسمها على بطاقة الاقتراع. ولو لم تكن ميريام كلينك ما هي عليه، أي حالة لبنانية بامتياز، لما بلغت ربما المجلس النيابي، هي التي استنكرت أن يتم التجريح بها على هذه الشاكلة، إذ برأيها، ما الذي يحول فعلاً دون ترشّحها للنيابة، أو تسلمها حقيبة وزارية حتى (تفضّل وزارة البيئة)؟
والحق يقال إن كلينك، لو كانت في أية بلادٍ غربية مثلا، لكانت حالةً اعتياديةً لفتاة جميلة تقوم بما ينبغي لجذب الأنظار إليها، والتحوّل إلى إحدى نجمات جماهير الشبكة العنكبوتية الكثيرات، ممن يتباهيْن بأعدادٍ مليونيةٍ من معجبيهن ومتابعيهن. لكن لا، فكلبها يدعى "زعيم"، وهي تملك آراء في السياسة، وفي قضايا البيئة والمرأة والفساد وأزمة النفايات والاحتباس الحراري... وهي لا تفوّت مناسبةً للتعبير عن إعجابها غير المشروط بالسيد حسن نصرالله، لأنه "رجل وقوي"، وبالرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب (شبّهها عديدون بزوجته)، كما أنها تحب الرئيس ميشال عون كثيراً، وفرحت بانتخابه أخيراً، هذا ناهيك عن تصاريحها الصحافية وتعليقاتها الفيسبوكية والتويترية المتعلقة بحال البلد وبالشعب اللبناني. أما رسالتها فهي الدعوة إلى تحرير الجسد "لأن هناك أموراً كثيرة أهم من التعرّي، لكن المجتمع لا ينظر إلا إلى جسد المرأة ومقوماتها الأنثوية"، والدليل أن المجتمع يحاسبها على حريتها بالتفكير واللبس والتعبير عن ذاتها.
وميريام كلينك التي لا توفّر جهداً للفت الأنظار إليها "عفوية"، حسبما تقول، وهذا برأيها كاف لتبرئتها من أي محاسبةٍ أو انتقاد، ومن أي تقييم لخطابها. عارضة الأزياء، ابنة عائلة ميسورة (أرستقراطية تقول مفاخرة) ولها "تاريخ"، فالجدّ هو من خبّأ الرئيس السابق، سليمان فرنجية، بعد ارتكابه مجزرة شهيرة (في بلدة مزيارة) وهرّبه إلى سورية، وهو الذي رأت بيار الجميل الجدّ منحنياً عليه، بعد إصابته بأزمة قلبية. وقد يكون هذا مما يجعلها تظنّ أن لها صلةً بالشأن العام، وما يمنحها تلك الرغبة بأن تكون موضوع أحاديثه. وبما أن الساحة اللبنانية فارغة تماماً من أي طرحٍ أو نقاش جادّ، وبما أن الطبقة السياسية تمارس خطاباً شبيهاً إلى حد ما بخطاب ميريام كلينك، فارغاً من أي معنى حقيقي، ومرتكزاً على الإثارة، يصبح شغلُ الإعلام الشاغل معرفة رد فعل عارضة الأزياء على ذكرها في مجلس النواب.
وعلى شاكلة لبنان اليوم، تجمع كلينك تناقضاتٍ، على سذاجتها وخلوّها من المعنى، تحوي معنىً ما. فهي المروّجة نفسها من خلال صور تمزج العري المثير، إنما في وضعيات جسدية لامرأة طفلة، وهي المنادية بحرية امتلاك المرأة جسدها، في حين أنها تعيش أسوأ أنواع الاستلاب، وهي المتعرّية المغوية، لكنها أيضاً المدافعة عن شرفها والكارهة للجنس أيّما كره.
في أغسطس/ آب 2013، روت كلينك أنها أطلقت النار على شاب وفتاة ضبطتهما في حديقة منزلها في وضعيةٍ حميمة، حيث كتبت على صفحتها على "فيسبوك"، بعربية دارجة مكتوبة بالحرف اللاتيني، تقريبا ما يلي:
"أطلقت رصاصة بالجوّ، فإذا بالرجل يشتم ويقول إنه لا يمتلك المال الكافي لقضاء الوقت مع الشابة في فندق... اضطررت إلى إبلاغ القوى الأمنية، فألقت القبض عليهما. ياااك... ما أقرفهما!".
أخيراً، إذا ما كان هناك ثمة صك براءة يُمنح لهذه "الطفلة" المقتربة من خمسينياتها (مواليد 1970)، فهو أنها تمثل، غصباً عنها، حالة الهزل واللامعنى التي تتخبّط فيها البلاد.
إلا أن "المزحة الذكورية" المدعوّة ميريام كلينك، كما يتداولها اللبنانيون، استمرّت تتفاقم وتكبر، ككرة ثلج، إلى أن وصلت أخيراً إلى مجلسنا النيابي، في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حيث وضع أحدُ النوّاب اسمها على بطاقة الاقتراع. ولو لم تكن ميريام كلينك ما هي عليه، أي حالة لبنانية بامتياز، لما بلغت ربما المجلس النيابي، هي التي استنكرت أن يتم التجريح بها على هذه الشاكلة، إذ برأيها، ما الذي يحول فعلاً دون ترشّحها للنيابة، أو تسلمها حقيبة وزارية حتى (تفضّل وزارة البيئة)؟
والحق يقال إن كلينك، لو كانت في أية بلادٍ غربية مثلا، لكانت حالةً اعتياديةً لفتاة جميلة تقوم بما ينبغي لجذب الأنظار إليها، والتحوّل إلى إحدى نجمات جماهير الشبكة العنكبوتية الكثيرات، ممن يتباهيْن بأعدادٍ مليونيةٍ من معجبيهن ومتابعيهن. لكن لا، فكلبها يدعى "زعيم"، وهي تملك آراء في السياسة، وفي قضايا البيئة والمرأة والفساد وأزمة النفايات والاحتباس الحراري... وهي لا تفوّت مناسبةً للتعبير عن إعجابها غير المشروط بالسيد حسن نصرالله، لأنه "رجل وقوي"، وبالرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب (شبّهها عديدون بزوجته)، كما أنها تحب الرئيس ميشال عون كثيراً، وفرحت بانتخابه أخيراً، هذا ناهيك عن تصاريحها الصحافية وتعليقاتها الفيسبوكية والتويترية المتعلقة بحال البلد وبالشعب اللبناني. أما رسالتها فهي الدعوة إلى تحرير الجسد "لأن هناك أموراً كثيرة أهم من التعرّي، لكن المجتمع لا ينظر إلا إلى جسد المرأة ومقوماتها الأنثوية"، والدليل أن المجتمع يحاسبها على حريتها بالتفكير واللبس والتعبير عن ذاتها.
وميريام كلينك التي لا توفّر جهداً للفت الأنظار إليها "عفوية"، حسبما تقول، وهذا برأيها كاف لتبرئتها من أي محاسبةٍ أو انتقاد، ومن أي تقييم لخطابها. عارضة الأزياء، ابنة عائلة ميسورة (أرستقراطية تقول مفاخرة) ولها "تاريخ"، فالجدّ هو من خبّأ الرئيس السابق، سليمان فرنجية، بعد ارتكابه مجزرة شهيرة (في بلدة مزيارة) وهرّبه إلى سورية، وهو الذي رأت بيار الجميل الجدّ منحنياً عليه، بعد إصابته بأزمة قلبية. وقد يكون هذا مما يجعلها تظنّ أن لها صلةً بالشأن العام، وما يمنحها تلك الرغبة بأن تكون موضوع أحاديثه. وبما أن الساحة اللبنانية فارغة تماماً من أي طرحٍ أو نقاش جادّ، وبما أن الطبقة السياسية تمارس خطاباً شبيهاً إلى حد ما بخطاب ميريام كلينك، فارغاً من أي معنى حقيقي، ومرتكزاً على الإثارة، يصبح شغلُ الإعلام الشاغل معرفة رد فعل عارضة الأزياء على ذكرها في مجلس النواب.
وعلى شاكلة لبنان اليوم، تجمع كلينك تناقضاتٍ، على سذاجتها وخلوّها من المعنى، تحوي معنىً ما. فهي المروّجة نفسها من خلال صور تمزج العري المثير، إنما في وضعيات جسدية لامرأة طفلة، وهي المنادية بحرية امتلاك المرأة جسدها، في حين أنها تعيش أسوأ أنواع الاستلاب، وهي المتعرّية المغوية، لكنها أيضاً المدافعة عن شرفها والكارهة للجنس أيّما كره.
في أغسطس/ آب 2013، روت كلينك أنها أطلقت النار على شاب وفتاة ضبطتهما في حديقة منزلها في وضعيةٍ حميمة، حيث كتبت على صفحتها على "فيسبوك"، بعربية دارجة مكتوبة بالحرف اللاتيني، تقريبا ما يلي:
"أطلقت رصاصة بالجوّ، فإذا بالرجل يشتم ويقول إنه لا يمتلك المال الكافي لقضاء الوقت مع الشابة في فندق... اضطررت إلى إبلاغ القوى الأمنية، فألقت القبض عليهما. ياااك... ما أقرفهما!".
أخيراً، إذا ما كان هناك ثمة صك براءة يُمنح لهذه "الطفلة" المقتربة من خمسينياتها (مواليد 1970)، فهو أنها تمثل، غصباً عنها، حالة الهزل واللامعنى التي تتخبّط فيها البلاد.