06 نوفمبر 2024
عن رسالة من عزّت الدوري
ثمّة قراءتان مختلفتان لرسالة زعيم حزب البعث، عزت الدوري، التي خص بها الكاتب حسن العلوي. يشعر القارئ عند مراجعتهما بمقدار التناقض الذي حملته الرسالة في مواجهة قضية إشكالية معقدة، كقضية العلاقة بين العراق وإيران. تنقل قراءة العلوي عن الدوري موقفاً تصالحياً مستجداً، لأن "إيران أمة وشعب وحضارة قدمت الكثير"، وهي أيضاً "دولة كبيرة وذات تأثير في المنطقة، وإن الأخوة والجيرة تفرض الاعتراف بالأخطاء المشتركة، واعتبار حرب الثماني سنوات من الماضي، والسعي إلى العمل المشترك". وبحسب العلوي، فإن الدافع لطلب الصلح مع إيران إدراك الحزب أن ليس في إمكان العراق شطب إيران من الخريطة، أو نقلها إلى قارة أخرى، وهي أيضاً لا تستطيع فعل ذلك تجاهه. ولذلك، يتطلع البعثيون إلى سلام دائم، يقوم على مبدأ نبذ الحرب، وعدم تدخل أحد البلدين في شؤون البلد الآخر.
هنا، يخطر في الذهن سؤال عما إذا كان البعثيون قد أدركوا حقاً أنهم خسرو كثيراً، كما خسر العراقيون معهم، وكذا الإيرانيون، عندما دخلوا في حربٍ طاحنةٍ ومريرةٍ، فيما كان بإمكانهم أن يشكلوا طرفاً في مشروع قومي ديمقراطي، يكون قادراً على لجم المشروع الإيراني العرقي المتعصب، وجعله ينكفئ داخل حدوده!. تفصح قراءة عضو القيادة القطرية، صلاح المختار، الرسالة عن إجابة سلبية، إذ تعرض موقفاً متشنجاً عن "أن النخب القومية الفارسية لا تفهم إلا لغة القوة". وتنقل تهديد الدوري لإيران "بين مواصلة الحرب على العراق، ما سيفضي حتماً إلى هزيمتها الحتمية، وبين السلم والتفاوض". وفي حالة رفض إيران سوف تتجدد الحرائق، "إذ ستعود "داعش" بوجه آخر، وستعود "القاعدة" بوجه آخر، وسيحمل السلاح كل المتضرّرين من الغزو الأميركي الإيراني، وسيستمر الصراع... وسنضطر أن نمد أيدينا إلى أعداء إيران داخل العراق، وفي وطننا الكبير وفي العالم وغيرهم، دفاعاً عن الأرض والشرف، ودفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن وجود شعبنا ووطننا، وستندم إيران.. إلخ".
هذا المقدار من التناقض في الموقف من إيران، ومقادير مثله في الموقف من قضايا أخرى، أقل أو أكثر أهمية، تضفي على الرسالة طابعاً إشكالياً لا يمكن أن يجعل منها بداية "بيريسترويكا/ إعادة بناء" شفافة وشاملة، يأمل بعضهم أن يقوم بها البعثيون، بعد أن أدركوا، بحسب قراءة العلوي، أن العالم تغير، وأن هذا التغيير يستدعي قراءة ما حدث ويحدث بعيون مفتوحة، وبلغةٍ جديدةٍ، بعدما ظلوا ينكرون حقائق الواقع الماثل ثلاثة عشر عاماً أو يزيد، ويرفضون مراجعة تجربة الحكم المليئة بالثقوب، والتي أودت بحركة البعث التي كانت يوماً ملء السمع والبصر، ومثلت، في مرحلة تاريخية صاعدة، عشناها في زمن جميل، تجسيداً لهموم الأمة وتطلعاتها.
مقدار آخر من التناقض، تحمله الرسالة البعثية، فهي تريد على الرغم من طابعها الإشكالي، أن تؤسس للتصالح في المنطقة، داعية إلى حالة سلم أهلي فيها، بعد أن دخلت المنطقة نفقاً مظلماً، لكنها لا توفر، في المقابل، رؤية جدية للداخل العراقي، وإنما تكتفي بالإعراب عن زهد الحزب بالسلطة، وتعهده بعدم اقترابه منها، وعدم المشاركة فيها عشرات السنين، وهو تعهدٌ لا قيمة اعتبارية له، لسبب بسيط، هو أن أية حركة سياسية لا تستطيع، ولا يحق لها قطعاً، أن تلزم أجيالاً قادمة بسياساتٍ قد يتجاوزها الزمن اللاحق، في ظل ظروفٍ جديدةٍ، تطرأ في حينها، كأن الحزب هنا يطوي شعار "العودة إلى السلطة" الذي رفعه طوال ثلاثة عشر عاماً، من دون أن يستطيع أن يبرّر مضمون الشعار، ويقنع به جماهيره.
يبقى السؤال الأكبر الذي تثيره القراءات المختلفة لرسالة الدوري، وهو: لماذا لا يتصالح البعثيون أولاً مع أنفسهم، ومع جماهيرهم، في مؤتمرات تراجع مسيرة الحزب في السلطة، وتشخص الأخطاء والخطايا التي ارتكبت، وخصوصاً بعد (الانقلاب) الذي قاده صدام حسين، وراح ضحيته عشرات من كوادر الحزب، وأن يتقدموا بالاعتذار إلى الشعب العراقي عما ارتكبوه؟
أيضاً، أن تحتاج الرسالة مزيداً من النقاش، لكن مقالة ظهرت في شبكة البصرة، لسان الحزب، تريد أن تقطع قول كل خطيب، إذ حذّرت "من أن يظهر لنا شخص، ويناقشنا في قرارات الرفيق عزت إبراهيم،.. لأن قرارات القادة لا تناقش، والبعثيون هم قادة الأمة"!
انتهى التحذير كما ورد.. نقطة.. إلى رأس سطر جديد.
هنا، يخطر في الذهن سؤال عما إذا كان البعثيون قد أدركوا حقاً أنهم خسرو كثيراً، كما خسر العراقيون معهم، وكذا الإيرانيون، عندما دخلوا في حربٍ طاحنةٍ ومريرةٍ، فيما كان بإمكانهم أن يشكلوا طرفاً في مشروع قومي ديمقراطي، يكون قادراً على لجم المشروع الإيراني العرقي المتعصب، وجعله ينكفئ داخل حدوده!. تفصح قراءة عضو القيادة القطرية، صلاح المختار، الرسالة عن إجابة سلبية، إذ تعرض موقفاً متشنجاً عن "أن النخب القومية الفارسية لا تفهم إلا لغة القوة". وتنقل تهديد الدوري لإيران "بين مواصلة الحرب على العراق، ما سيفضي حتماً إلى هزيمتها الحتمية، وبين السلم والتفاوض". وفي حالة رفض إيران سوف تتجدد الحرائق، "إذ ستعود "داعش" بوجه آخر، وستعود "القاعدة" بوجه آخر، وسيحمل السلاح كل المتضرّرين من الغزو الأميركي الإيراني، وسيستمر الصراع... وسنضطر أن نمد أيدينا إلى أعداء إيران داخل العراق، وفي وطننا الكبير وفي العالم وغيرهم، دفاعاً عن الأرض والشرف، ودفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن وجود شعبنا ووطننا، وستندم إيران.. إلخ".
هذا المقدار من التناقض في الموقف من إيران، ومقادير مثله في الموقف من قضايا أخرى، أقل أو أكثر أهمية، تضفي على الرسالة طابعاً إشكالياً لا يمكن أن يجعل منها بداية "بيريسترويكا/ إعادة بناء" شفافة وشاملة، يأمل بعضهم أن يقوم بها البعثيون، بعد أن أدركوا، بحسب قراءة العلوي، أن العالم تغير، وأن هذا التغيير يستدعي قراءة ما حدث ويحدث بعيون مفتوحة، وبلغةٍ جديدةٍ، بعدما ظلوا ينكرون حقائق الواقع الماثل ثلاثة عشر عاماً أو يزيد، ويرفضون مراجعة تجربة الحكم المليئة بالثقوب، والتي أودت بحركة البعث التي كانت يوماً ملء السمع والبصر، ومثلت، في مرحلة تاريخية صاعدة، عشناها في زمن جميل، تجسيداً لهموم الأمة وتطلعاتها.
مقدار آخر من التناقض، تحمله الرسالة البعثية، فهي تريد على الرغم من طابعها الإشكالي، أن تؤسس للتصالح في المنطقة، داعية إلى حالة سلم أهلي فيها، بعد أن دخلت المنطقة نفقاً مظلماً، لكنها لا توفر، في المقابل، رؤية جدية للداخل العراقي، وإنما تكتفي بالإعراب عن زهد الحزب بالسلطة، وتعهده بعدم اقترابه منها، وعدم المشاركة فيها عشرات السنين، وهو تعهدٌ لا قيمة اعتبارية له، لسبب بسيط، هو أن أية حركة سياسية لا تستطيع، ولا يحق لها قطعاً، أن تلزم أجيالاً قادمة بسياساتٍ قد يتجاوزها الزمن اللاحق، في ظل ظروفٍ جديدةٍ، تطرأ في حينها، كأن الحزب هنا يطوي شعار "العودة إلى السلطة" الذي رفعه طوال ثلاثة عشر عاماً، من دون أن يستطيع أن يبرّر مضمون الشعار، ويقنع به جماهيره.
يبقى السؤال الأكبر الذي تثيره القراءات المختلفة لرسالة الدوري، وهو: لماذا لا يتصالح البعثيون أولاً مع أنفسهم، ومع جماهيرهم، في مؤتمرات تراجع مسيرة الحزب في السلطة، وتشخص الأخطاء والخطايا التي ارتكبت، وخصوصاً بعد (الانقلاب) الذي قاده صدام حسين، وراح ضحيته عشرات من كوادر الحزب، وأن يتقدموا بالاعتذار إلى الشعب العراقي عما ارتكبوه؟
أيضاً، أن تحتاج الرسالة مزيداً من النقاش، لكن مقالة ظهرت في شبكة البصرة، لسان الحزب، تريد أن تقطع قول كل خطيب، إذ حذّرت "من أن يظهر لنا شخص، ويناقشنا في قرارات الرفيق عزت إبراهيم،.. لأن قرارات القادة لا تناقش، والبعثيون هم قادة الأمة"!
انتهى التحذير كما ورد.. نقطة.. إلى رأس سطر جديد.