عن دير الزور وتهميشها
ابن الدير لا يمكن تعريفه أو اختصاره بكلمةٍ واحدة فهو مغرورٌ كصقر بادية، كريمٌ كحوض وادي الرافدين، قاسٍ كشمس عمودية، صافٍ كنهرٍ فراتٍ، وحضوره أحياناً خفيف ظلٍ كمطر صيفٍ، وأحياناً ثقيل ظلٍ كعاصفة رملية. تبقى رغم ذلك صفةٌ تميز أبناء هذه المحافظة ويشتركون بها. فالديري لا يمكن أن يكون ديرياً حقاً إذا لم يَزْوِر أو يُزْوَر.
الزَور في المعاجم يعني النظر بمؤخرة العين أما الزور عند أهل الدير فمختلف. فالديري عندما يزوِر ينظر للأمام بحدقتين متسعتين وجبينٍ مقطب ويخترق بنظرته الفضاء والبشر، وتعرضك لعينيه حينها يشابه تعرضك لإضاءة عالية لحافلة مسرعة.
تربيةٌ قاسية وبيئةٌ صحراوية وشمس صارخةٌ وحرٌّ وبردٌ متطرفان وقهرٌ وظلمٌ وإهمالٌ تتسرّب كلّها وتتفاعل وتُختزن في كيان أبناء هذه المحافظة منذ نعومة الأظفار، لتُترجم لاحقاً مزاجاً حادّاً يشعّ عبر العينين الواسعتين.
ولأن ابن الدير لا يملك السيطرة على أفكاره ومزاجه وعينيه، قد يزوِر حين يقرأ كتاباً، حين يتعرف على شخص جديد، حين يشتري ويبيع وخصوصاً عندما يتأمل ويتفكر أو يحدق في الأفق، دون أن يلاحظ نفسه ذلك. لذلك أمرٌ شائعٌ في الدير أن تحدث مشاحناتٌ سببها ظنّ أحدهم أن الآخر يزوِره.
"ليش تزوِر؟" "أنت ليش تزوِر؟" هكذا يبدأ الحديث مرات كثيرة بين أبناء المحافظة الشرقية، ونتيجة الحديث إما عداوة تطول أو تقصر وفي حالات أقلّ صداقة عمر.
إذا زوركَ ابن الدير، لا تخف حتى إن كان يقصد ذلك، بادره فقط بالحديث إن أتى لك، واطلب منه المساعدة لأي غرض حتى ولو كان مصطنعاً، وستجد شهامته تغلّبت.
أما إذا زورتك بنت الديرِ، فخف. فهي إذا زورتك تفحصاً واهتماماً خرقت قلبك وملكتك. وإذا زورتكَ غضباً استحالت ظاهرةً طبيعية عنيفة لن تستكين قبل أن تدمرك.
أبناء الدير تصرخ عيونهم وتتمرد في وجه ظروفٍ اختصتهم بالقسوة.
ففي وجه تهميش نظام البعث خمسين عاماً لهم، في وجه قمع واعتقال وقتل وتهجير، وفي وجه سرقات لجيش ولفصائل متناحرة يزورون.
في وجه تطرّف خنقهم، وفي وجه قصفٍ شارك فيه كل الحلفاء وكل الأعداء يزورون.
في وجه حصار لايزال مستمراً منذ عامين وضعهم على ضفتي موت يزورون.
في وجه تهميش كل الأطراف المتنازعة لوجودهم، وفي وجه غياب أي اهتمام بمصيرهم، لم يعودوا يملكون سوى ذاك الشعاع المنطلق من عينين بارزتين.
دير الزُّور هو اسم المحافظة الشرقية في سورية, إذا رأيت أحد أبنائها يزوِر فاعلم أنّ لا سلطة له على عينيه.