الشعب السوري واحد... هتافنا الساذج أم حلنا الوحيد؟

14 مارس 2017
+ الخط -




واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد:

هتف بها المئات في مدينة الميادين الشرقية، وفي طريق العودة تفادى أبناء إحدى العشائر العبور بحارات عشيرة أخرى، اجتناباً لثأر قد يستيقظ من سبات.

هتف بها شباب وفتيات في مظاهرة طيارة بإحدى حارات دمشق القديمة، ليطاردوا من قبل بعض أبناء الحارة، ويتم تسليم من مسك منهم إلى أحد أقسى أجهزة الأمن.

هتف بها الكثيرون، تماماً قبل انقضاض الشبيحة وقوى الأمن والجيش والبراميل والكيماوي. هتف بها الكثيرون قبل أن يُصفّى مشعل تمو وأبو الفرات وغيرهما، وقبل أن تُغيّب رزان زيتونة وسميرة خليل وغيرهما في مناطق عملوا كل جهدهم لتنويرها ثم غزاها التعصب.

هتف بها الكثيرون قبل أن يصبح كثير من السوريين سرياناً وليس عرباً، وقبل أن تصبح عين العرب كوباني ثم عين الإسلام، وقبل أن يصبح هؤلاء عراعير، وأولئك نصيريين. هتف بها الكثيرون في مظاهرة لنصرة حلب في لايبزغ الألمانية، وبعدها مباشرة هتف أحدهم "الشيعة تطلع برا".

واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد؛ كان هتافنا الساذج، أمنيتنا التي أردنا لها أن تتحقق، دون أن يتاح لنا الوقت الكافي لإدراك تنوعنا الشديد ولتقدير حجم انتماءاتنا القبلية، المناطقية، الطائفية، والعرقية، والتي استُقطبت في الأعوام الستة السابقة.

سورية ذات العمر القصير لم تعرف ربما أي تفاعل صحي لمكوناتها. لهذا من الطبيعي أن تنفجر مشكلة الانتماء عند تنفّس هذه المكونات لأول مرة منذ عقود، وأن يتم استغلال هذه المشكلة من قبل القوى المحلية والإقليمية المتصارعة.

ومن الساذج كان ظننا لحظتها بأن لأطياف المجتمع السوري كلها نفس المشاكل التي خرج لأجلها الثائرون. لكن هل من بدائل واقعية عن هتافنا الساذج، عن تعايشنا ككتلة واحدة في دولة تحترم الجميع ضمن البقعة السورية؟

إن عودة كامل البقعة السورية للخضوع لسلطة النظام الحالي لا يزال أمراً مستبعداً، خصوصاً شمال وشرق البلاد، وإن حدث ذلك، فإن أي استقرار ستكون أداته حينها قبضة حديدية تضرب بشكل متحيز، وسيكون قنبلة موقوتة تنفجر بعد حين.

الأمر الذي يترك بديلاً وحيداً هو التقسيم. وهو الأخطر على كل أطياف المجتمع السوري، والفارق بينه وبين الفدرالية هو كونه سيبنى على أساسٍ طائفي وعرقي، يقف جداراً أمام كل فرصة لتصالح ويرسخ التطرف والعداوة ويؤهب لحروب لا تهدأ.

رغم عجزنا الحالي عن التأثير على مصير سورية يبقى لزاماً علينا التعلم من السنوات الأخيرة والتفكير بواقعية. إن استسلامنا لأحد انتماءاتنا الناقصة المبنية على خوف أو حقد، وسماحنا للنزاعات الإقليمية الطائفية والسياسية أن تُمارس من خلالنا، سيبقي بلادنا مشتعلة لسنين طويلة، وسيكلّفنا جميعاً أنهاراً من الدم.

لكلّ سوري الآن أن يتعصب لانتماء فنبقى غارقين، أو أن يبذل جهداً في "الاستعداد للتعايش مع الآخر". على ابن المدينة أن يقتنع مجدداً بضرورة الحياة مع ابن الريف، والسني مع العلوي، والعربي مع الكردي والمسلم مع المسيحي.

ولعل إحدى السبل لذلك هو الاحتكاك والعمل المشترك بين هذه المكونات، في هيئات مجتمع مدني ذات مشاريع جامعة غير مسيّسة، لن يسمح وضع الداخل بتشكلها حالياً وستبدأ غالباً في المهجر، وعلى نخب هؤلاء أن يبحثوا معاً عن الشكل الأمثل للدولة القادرة على التمثيل العادل لهذه الأطياف.

رغم بساطة هذا الرأي وفوقيته وكونه بديهياً لفئة ومستحيلاً لأخرى، يبقى غالباً هو الحل الأقل تكلفة للمشكلة السورية، حسب معطيات التاريخ. فلم تنته أية حربٍ أهليةٍ قبل قدوم جيلٍ مقتنعٍ بعبثية الانتقام، وبأن الانعزال ورفض الآخر لن يمنحه حياة هانئة أكثر، ولنا في التجربة اللبنانية عبرة.

"الشعب السوري واحد"... كان هتافاً ساذجاً قبل ست سنوات، ولكننا سنكون أكثر سذاجةً لو ظننا بعد كل ما خسرناه، أن الحل هو إقصاء الأطياف الأخرى أو الانعزال عنها، سنكون أكثر سذاجة إن لم نعمل جهدنا ونبحث عن طرقٍ كي نكون يوماً ما، جزءاً من شعبٍ سوري واحد، في سورية أفضل مما عهدناها، كلنا مواطنون فيها.

 

7BD4C013-56C4-4BD2-8ABC-2E18D8D92060
عبد الرافع مشوح

طبيب سوري مقيم في ألمانيا، مهتم بالأدب والفلسفة ومتابع للقضايا الإنسانية والسياسية المتعلقة بالمصير السوري.