عن تمديد "الطوارئ" في تونس

04 اغسطس 2015

حشد من التونسيين يندد بالإرهاب بعد جريمة سوسة (أ.ف.ب)

+ الخط -
تم في تونس تمديد حالة الطوارئ شهرين، وهو قرار أثار حفيظة حركة النهضة التي لم تُستشر فيه. وبقطع النظر عن الخلافات الجزئية بين حزبي نداء تونس وحركة النهضة، فالمؤكد أنهما متفقان حول اعتبار المسألة الأمنية في مقدمة أولويات الحكومة، حيث سبق لحكومة الترويكا أن مددت حالة طوارئ فترات طويلة. وعلى الرغم من الاعتراضات التي قدمتها أطراف عديدة ضد الساتر الترابي على كامل الحدود المشتركة مع ليبيا، إلا أن حركة النهضة أيدت الإجراء ودعمته. وقد سبق لرئيس الحكومة، الحبيب الصيد، أن أكد ل "العربي الجديد" إيمانه بأهمية هذا الساتر وبجدواه، من الجانب الأمني، على الرغم من الأصوات المنتقدة. 
كانت المؤشرات تدل، منذ البداية، على أن تونس ستحكم فترات، وإن متقطعة، تحت قانون حكم الطوارئ، فالحكومة والأجهزة الأمنية تخشى من أسلوب المباغتة الذي تعتمده التنظيمات المسلحة. ولهذا السبب، أصبحت أكثر حرصا على استثمار ما تسمح به القوانين للأمنيين في الظروف الاستثنائية، خصوصاً بعد التصويت على قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي استمر الجدل حوله فترة طويلة. فهذا القانون يوفر غطاء مهما وحساساً للأمنيين، ويقلص من حجم الفراغات التي كانوا يشكون منها في عملياتهم السابقة.
وخلافا لما روجته بعض الأوساط، علاقة الجزائر بتونس جيدة، هذا ما أكده لـ "العربي الجديد" مسؤولون تونسيون وجزائريون. فما صرح به الرئيس الفرنسي السابق، نيقولا ساركوزي، في زيارته تونس أزعج الجزائريين، لكن السفير الجزائري اعتبر أن ردود شخصيات تونسية عليه كانت كافية لطي الصفحة. الأهم أن التنسيق الأمني بين البلدين لا يزال متواصلا بنسق تصاعدي وفعال.
كذلك تراجعت حدة الانتقادات الموجهة ضد الساتر الترابي مع ليبيا، حيث عملت الحكومة التونسية على التقليل من حجم مخاوف الليبيين الذين ذهب بهم الظن إلى أن تونس تنوي تغيير الخط الحدودي منفردة، وتنوي الاستحواذ على جزء من الأراضي الليبية، وبناء حاجز سيكون شبيها بجدار برلين، غير أن اتصالات تمت أقنعت أوساطا ليبية عديدة بخلاف ذلك، ما ساعد على الاستمرار في بناء الثقة بين الطرفين. وكان من ثمرات ذلك أن تسلمت تونس، أخيراً، ثمانية تونسيين متهمين بالإرهاب.
وتعتقد الحكومة التونسية أن انخراط تركيا في الحرب الدائرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية يساعد على تقليص المخاطر التي تهدد تونس. فحملة الأتراك من شأنها أن تطور حجم التعاون الأمني مع أنقرة، إذ لا تزال تونس تعاني من توجه جزء من شبابها نحو بلاد الشام، بالتوجه نحو اسطنبول، ومنها إلى داخل سورية. وعليه، سيخلق تضييق الخناق على تنظيم الدولة داخل تركيا صعوبات إضافية أمام شبكات تهريب التونسيين نحو سورية، وسيدفع الأتراك إلى تسليم كثيرين من هؤلاء، كما سيرفع الغطاء عن شبكات فعالة وقوية.
من جهة أخرى، تستعد تونس لقطف الثمرات الأولى من الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة، ووحّد بين وجهات نظر الفصائل المسلحة في مالي. وسيكون من نتائج هذا الإنجاز المهم الحد من مخاطر التنظيمات الإرهابية على الجزائر وتونس وليبيا، ما من شأنه أن يساعد التونسيين على تعزيز أمنهم الاستراتيجي.
وإذ تتمسك تونس برفض أي شكل من التدخل العسكري في الشأن الليبي، فإن الاستعدادات الجارية لتوجيه ضربات عسكرية نحو مواقع داعش في عمق التراب الليبي، بتنسيق بريطاني أميركي، وبمشاركة فرنسا وإيطاليا، وإذا حصل ذلك فإنه سيربك مجموعات التونسيين المسلحين، ويستنزف طاقاتهم، وقد يفقدهم كثيرين من عناصرهم.
هذا هو الإطار العام الذي يجب أن يوضع فيه قرار تمديد حالة الطوارئ في تونس، أما الوجه الآخر للقرار فيتعلق بمخاطر حصول انتهاكات لحقوق الإنسان، بحجة مواجهة الإرهاب. وتلك قصة أخرى، على المجتمع المدني التونسي أن يتصدى لها بكل وعي وجدية.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس