عن الكساسبة وآخرين

06 فبراير 2015
ليس من المنطق أن تتعاطف مع إنسان وتتجاهل آخر(الأناضول)
+ الخط -

لا تملك إلا أن تتعاطف مع أم الطيار الأردني معاذ الكساسبة ووالده، لا يمكنك تخيل حجم صدمتهما فور معرفة خبر مقتله، لن تستطيع أن تدرك قدر الحزن الممزوج بقلة الحيلة التي تعيشها تلك الأسرة المكلومة.

ربما بالنسبة لعائلة الشاب الأردني، لو أن ابنها قتل فور سقوط طائرته لكان وقع المصيبة أخف وطأة، سيصيبها الحزن وربما الغضب، لكن فاجعة قتله محروقاً بتلك الطريقة السينمائية البشعة لا يمكن نسيانها ولا تجاوز آثارها النفسية.

في المقابل، لا يمكنك إغفال أصوات زاعقة ترى أن الطيار قتل عقاباً له على قصف أبرياء، بينهم أطفال وعجائز ونساء، انتهت حياتهم فجأة جراء قذائف طائرته الحربية في "الرقة".

لو كنت إنساناً سوياً، فلا يمكنك أن تفرق بين أحزان أسرة الكساسبة، وأحزان أسر أخرى قتلتها قذائف الكساسبة، ولا يمكنك أن تغضب لمقتل الطيار الأردني، ولا تغضب لمقتل أطفال ونساء سقطت فوق رؤوسهم بلا ذنب ارتكبوه، قذائفه.

من الملوم إذن؟ لماذا يموت الشاب بتلك الطريقة المأساوية، ويتداول العالم خبر مقتله وصور وفيديو تنظيم الدولة الإسلامية المعد خصيصا لنشر الواقعة، ولا يتداول أخبار مقتل هؤلاء الذين يسقطون يوميا قتلى بقذائف طائرات التحالف الدولي الذي يدعي مطاردة عناصر التنظيم المتطرف؟

من حقك كإنسان أن تعلن غضبك على التنظيم لوحشية ما يفعله، ومن واجبك كإنسان أن تغضب على التحالف لوحشية ما يفعله، عليك أن تنكر على كل التنظيمات والجماعات المتشددة قيامها بقتل البشر حول العالم، كما أن عليك في الوقت ذاته أن تنكر على الدول الكبرى سكوتها أو تواطؤها، أو ربما مشاركتها في قتل آلاف البشر حول العالم.

ليس من المنطق السوي في شيء أن تتعاطف مع إنسان وتتجاهل آخر، وليس من الطبيعي أن ترى من يقتلهم تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة أو "بوكو حرام" ضحايا أبرياء، ولا تنظر بالطريقة نفسها إلى من يقتلهم بشار الأسد في سورية، أو قتلتهم وتقتلهم أميركا في أفغانستان والعراق واليمن وغيرها، أو يقتلهم النظام الصيني في "شنجيانج" أو يقتلهم المتطرفون المسيحيون في أفريقيا الوسطى، أو يقتلهم المتطرفون في بورما، وغيرها الكثير.

لو أنك غاضب تجاه حرق الكساسبة، وهذا حقك، فما هو موقفك تجاه حرق معتصمي "رابعة" داخل المستشفى الميداني، وما هو موقفك تجاه من تحرقهم براميل النظام السوري المتفجرة، ومن تحرقهم الحرب المشتعلة في العراق، ومن يحترقون جراء الصراع الأهلي المدعوم من الخارج في اليمن.

لا شك في أن ما فعله تنظيم الدولة بالكساسبة إجرام وحشي، لكن الكارثة أن العالم من حولنا بات غابة مليئة بالوحوش.
المساهمون