عن أيّ خير؟

19 ديسمبر 2015
بإمكانه تحقيق ثلاث أمنيات للعالم (توصيف مصطفى/فرانس برس)
+ الخط -

خرَجَ الماردُ من الفانوس. لم يأتِ أحدٌ لينفض الغبار عنه. لكنّه خرج. هكذا ومن دون سابق إنذار، ظهرَ إلى العالم. شاهده جميع البشر على الكوكب في وقت واحد. لم يختصر روحه إلى جزئيات لينشرها في مختلف بقاع الأرض. رأوه بكل ضخامته وصمتوا طويلاً. حتى القذائف هدأت في مخابئها وتوقف الموت. لا أرواح تصعدُ إلى السماء. هؤلاء الذين اعتادوا العدّ وقفوا مذهولين أمام هذا المشهد.

كانَ الماردُ قادراً على رؤية توقٍ إلى النجاة في عيون الجميع، في العالمَين الأول والثالث. لم يكن الأمر يتعلّق بحقوق إنسان أو طعام وشراب أو ثياب عصرية. بدا أنهم يرغبون في ولادة جديدة وأرض جديدة لا آثار حريق فيها. أخبرهم أن بإمكانه تحقيق ثلاث أمنيات للعالم فقط، شرط أن يتفقوا عليها جميعهم. وقال إنه سيتركهم لبعض الوقت على أن يعود إليهم في اليوم التالي ليستمع إلى أمنياتهم الثلاث.

رحلَ. ثلاثُ أمنيات فقط. كانت الأمهات تنظر إلى أطفالها. وبدت اللواتي أنجبن ثلاثة أطفال الأكثر ارتباكاً. حتى الآن لم يتفوّه أحدهم بكلمة واحدة. كانت عقولهم تعمل بصمت. تفوّق ونجاح وشهرة ومال وصحة. هذه خمس أمنيات لأم واحدة.

وفي العالم الثالث، كانوا يحلمون بالحياة. كلُّ واحد منهم يريد حياته هو. تلك التي خسرها، أو التي فشل في بنائها، أو التي يحلم بها. بل أرادوا حيوات. هل تكفي واحدة أصلاً؟ قد نحتاجُ حياة لترميم الماضي، وأخرى لبناء مستقبل، وأخريات للعيش. ماذا لو كان هناك واحدة للرقص فقط؟ في حياتنا لا نرقص إلا حين نفرغ من كل شيء، أو لنُخرج هذه الأشياء. وهذا تشويه للموسيقى والجسد حين يلتقيان.

كلّ واحد من البشر أرادَ خيره هو وأمنياته هو. لساعات طويلة، حافظوا على صمتهم مع ابتسامة هذه المرة. كأنّ المارد سيختار هذا دون ذاك وينقله إلى العالم الذي يريد. أيّ خير تحديداً؟ حين كان أحدهم يقول لسقراط: صباح الخير، يجيبه: "أعرف أننا في الصباح، لكن ما الذي تقصده بالخير؟ هل هو خيري أنا أو خيرك أنت أو خير كل الناس؟".

كان المارد يحثّهم على صياغة كلمات ثلاث، يمكن أن تؤمّن لهم حياةً مقبولة، أقله لا حروب فيها. وكان هذا بعيداً عنهم. المارد الموجود في داخل كلّ واحد منهم لم يخرج. أطفالي قبل أطفال الآخرين، وحياتي قبل حياتهم، ومصلحتي فوق مصلحة الآخرين.
في اليوم التالي، جاءَ الماردُ إليهم، وسألهم عن أمنياتهم الثلاث. تكلّم الجميع في وقت واحد، لكنّه أراد أن يستمع إلى الشخص الذي فوّضوه. نظروا إلى بعضهم بعضاً وعادوا إلى صمتهم. رحل. وخرجت القذائف من مخابئها.

اقرأ أيضاً: موت في الثلاجة
المساهمون