عن "المخرب"

15 أكتوبر 2015
كيف تعاطى الإعلام العبري مع الأحداث في القدس؟(مواقع التواصل)
+ الخط -
كيف تعاطى الإعلام الإسرائيلي العبري مع الأحداث الأخيرة في القدس والداخل الفلسطيني؟ تعامل معها كما يتعامل الإعلام الإسرائيلي، هو فقط، مع كل حراك عربي بدءاً بالمظاهرات وانتهاء بالعمليات الاستشهادية.


أبدأ بشرح بعض المصطلحات هنا: الإعلام الإسرائيلي قد يكون عبرياً أو عربياً (من حيث اللغة والانتماء الظاهر أيضاً)، والإعلام الإسرائيلي العبري هو إعلام يرسم هوية قومية ودينية لجماعة كانت في شتات قبل أقل من سبعين عاماً.

ومن واجبات هذا الإعلام تعريف جمهوره بالعربي الذي يسكن بجواره، وإظهار الفروقات بين فئات ومركبات هذا المجتمع الذي يفصله بعيداً عن فلسطينيته، بحيث يكون بالنسبة له مسلماً أو مسيحياً أو درزياً أو بدوياً (نعم يستخدم الإعلام العبري سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد فيسميهم على هواه).

أما عن الأحداث الأخيرة، فظهر فيها أمران لا يمكن تجاهلهما: الحديث الدائم عن الحركة الإسلامية (الشمالية) على أنها المحرّض الأساس الذي يقف وراء كل حدث يتعلق بالقدس المحتلة، والحديث عن الفلسطيني كأنه حيوان متوحش لا أكثر.

لنبدأ بالحديث عن الحركة بدأ الأمر بإعلان "المرابطون" تنظيماً خارجاً على القانون، كان لا بد من ذكر الحركة الإسلامية على أنها أم هذا التنظيم، وهدفها إثارة الفوضى في القدس.

المرابطون يشيعون العنف والمشاكل ويعتدون على اليهود الذين لم يأتوا إلا لزيارة "جبل الهيكل"، ويعتمدون في هذا على "كذبة" أن الأقصى في خطر وأن الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى تقسيمه (يكاد أمر هذه "الكذبة" يذكر في كل نشرة إخبارية إسرائيلية).

هذا يعني أن الجانب الإسرائيلي لم يفعل أي شيء، بل وقع ضحية مجموعة من الإسلاميين المتطرفين الذين انطبع العنف في فطرتهم على ما يبدو (هكذا يصورونهم، أنا لم أضف أي شيء "من عندي").

هذا النوع من التغطية ليس موجهاً ضد الحركة فقط، عندما ترى أن كل ذاكر لله أصبح محل شك، وترى "روني دنييل" المحلل للشؤون العسكرية والأمنية في أخبار القناة الإسرائيلية الثانية يدّعي أن "ليس جميع المسلمين إرهابيين، لكن جميع الإرهابيين مسلمون"، ويتجاهل كل المجموعات التي تعيث فساداً في أنحاء العالم وتنتهج التطهير العرقي بينما تدين بعشرين ديانة، يتناسى النمور التاميلية ومجازرها ضد المسلمين، يتناسى الـ pkk الكردي الذي لا يمت للإسلام بصلة، ويتناسى آلاف المجرمين في أنحاء العالم الذين لا دين لهم أصلاً.

يصر هو وزملاؤه على أن الاسلام دين إرهاب، وأن التنظيم الذي يمثل هذا الإسلام في الداخل الفلسطيني هو الحركة الإسلامية (مع أن أي حركة لا يمكنها أن تمثل كافة المسلمين أبداً)، فتصبح كل محجبة وكل راكع لربه محل شك، كل هذا يصور المصلين في القدس على أنهم تنظيم يكاد يكون جيشاً ذا دراية وحنكة لا بد من طمسه قبل أن يخرج ليقتل كل ما هو أمامه.

أما عن تصوير الفلسطيني في نشرات الأخبار، فهو يترجم في المقابلة التي أجرتها القناة الإسرائيلية الثانية مع المستوطنة "ريبي ليف أوحيون"، والتي ادعت أن عشرة فلسطينيين "قفزوا" على سيارتها وبدأوا يضربونها، هكذا يصورهم الإعلام العبري، يظهرون من العدم (طبعاً فهم ليسوا أهل هذه البلاد!) ومن دون أي سبب، فطروا على العنف والقتل، ليس لديهم لغة بشرية يتكلمون بها، لا حاجة لسماع رأيهم، حتى لو ادعوا أنهم لم يفعلوا شيئاً، حتى لو ادعوا أن السكين التي معهم كان هدفها تقطيع تفاحة لا غير.

إنهم يقفزون على السيارة ويضربون من بداخلها ويحاولون شدها إلى الخارج لخطفها، ليسوا أكثر من وحوش شريرة. أما عن وجوههم فلا وجوه لهم، العربي الذي قتل ليس له اسم، اسمهم الموحد "ميحابيل" (مخرب)، لا حاجة لذكر اسمه فالاسم يضفي علينا شيئاً من صفات البشر.

ثم يأتي تمجيد ذلك الشرطي، الجندي أو المستوطن الذي أطلق النار بدقة وأردى "الميحابيل/المخرب"، لولا تنبههم وسرعة ردهم لكان هناك قتلى أو جرحى، إنه بطل تنبه إلى الخطر المحدق بسرعة.

أما عن القتل نفسه فغالباً يستخدم مصطلح أقرب ترجماته إلى العربية هو "السيطرة"، إنهم لا يقتلون الشخص إنما "يسيطرون عليه"، لا يطلقون النار على إنسان، كائن بشري إنما يطفئون جهازاً للتدمير.

لنجمع كل ما تحدثنا عنه حتى الآن، الفلسطيني هو مخلوق خطر يمكن أن يهاجم في أي لحظة بلا سبب محدد، ليس لديه اسم أو وجه، وقتله ليس كقتل بقية الناس. أما حامل السلاح فهو شخص تنبه للخطر وأوقفه بدقة أنقذت حياة الكثيرين.

الأمر مؤلم جداً من هنا.. حين تكون أنت المعني، حين تعلم أن الحديث عنك.
هنا يظهر التلفاز أمامك شخصاً يصورك على أنك وحش وأن قتلك كقتل الذبابة.

(فلسطين)
المساهمون