يروي الطاهر وطّار حادثةً طريفةً جرت خلال ملتقىً للرواية احتضنته إحدى المحافظات الجزائرية في الثمانينيات، بطلُها محافِظ المدينة الذي تقدّم إلى المنصّة لإلقاء كلمة افتتاحية، على جري العادة.
وبعد أن كرّر عباراتٍ اعتاد عليها في الملتقيات الاجتماعية والاقتصادية، تحدّث الرجل عن الرواية قائلاً إنها "مهمّة جدّاً في المسألة التنموية، مثلما يُؤكّد الأخ الرئيس الشاذلي بن جديد!" (رئيس الجزائر آنذاك).
كان الموقف أقرب إلى مشهدٍ من مسرحية عبثية. لكن - وعلى ما يروي وطّار - لم يُعلّق أحدٌ من الحضور المحسوب على الثقافة. بل إن كثيرين أخذوا يُصفّقون، ربّما حتى يمرّ الافتتاح بسلامٍ، ويبدأ النشاط الفعلي في غياب الرسميّين.
تعكس الحادثة واقعاً لا يزال مستمرّاً إلى اليوم؛ حيثُ يتصدّر المسؤولون جميعَ التظاهرات الثقافية، وإن كانوا لا يمتّون إلى الثقافة بصلة. ويبدو ألّا مفرّ من ذلك، بما أنّهم من يُوقّعون ظرف التظاهرة المالي، ثمّ يشترطون أن تُقام "تحت رعايتهم"، وهي العبارة التي تظهر في كلّ الملصقات واللافتات الخاصّة بالتظاهرة.
يحدث هذا في ظلّ غياب شبه تام للمبادرات المستقلّة، في مجتمعٍ يقول عنه الباحثون في علم الاجتماع إنه يفتقر إلى طبقة وسطى قد تحمل همّاً ثقافياً، وإلى بورجوازية قد تُموّل المشاريع.
هكذا، تبقى الثقافة رهينة التمويل الرسمي الذي لا يخلو من التوجيه السياسي والأيديولوجي. وكان هذا خيار الدولة منذ الاستقلال؛ حين عمدت إلى تأميم كلّ المسارح وصالات السينما الموروثة عن الاستعمار، واحتكرت صناعة الكتاب والسينما.
المؤسف أنه وبعد التراجع عن "النهج الاشتراكي" والحديث عن "تحرير المبادرات الفردية"، لم تتحرّك السلطة خطوةً واحدةً في هذا الاتجاه؛ فقد بقيت ثقافة "الريع" سيّدة الموقف، بل إن معظَم المؤسّسات "المستقلّة" لا يتحرّك إلّا إن حصلت مسبقاً على دعم مالي من المؤسّسة وعلى "رعاية سامية" لا تزال تُخيّم على أيّ نشاطٍ ثقافي مهما كان متواضعاً.