استمع إلى الملخص
- تسعى الحكومة المصرية لحشد الدعم العربي والأفريقي لتعزيز فرص العناني، رغم الانتقادات الواسعة على شبكات التواصل الاجتماعي التي ترفض ترشيحه بسبب صمته عن هدم الآثار.
- يرى بعض الخبراء أن فرص العناني قد تتأثر بسجل حكومته في إهدار التراث، بينما يعتقد آخرون أن التحالفات الدولية تلعب دوراً أكبر في تحديد النتائج.
بينما تحشد السلطة المصرية الدعم لمرشّحها خالد العناني، وزير السياحة والآثار السابق، لمنصب مدير عام "منظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة" (يونسكو)، برزت اعتراضاتٌ محلّية ضدّ ترشيح العناني الذي دشّن، خلال مسؤوليته عن الآثار، أكبر حملة ممنهجة لهدم التراث الإسلامي والإنساني في مصر، لا تزال مستمرّة إلى الآن، وأسفرت عن إزالة جبّانات تاريخية لإنشاء طُرُق وجسور علوية تتمدّد في شرايين القاهرة.
ويسعى وزير الخارجية والهجرة بدر عبد العاطي إلى توفير سبل الدعم والمساندة لحملة ترشيح العناني لإدارة "يونسكو"، والبناء على التأييد العربي والأفريقي الذي حظي به خلال القمّة العربية واجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي الأخيرَين.
وفي المقابل، تشهد شبكات التواصل الاجتماعي حملةً قوية ضدّ الترشيح؛ يقودها نشطاء وكتّاب ينتقدون صمت العناني عن استمرار الحملة ضدّ التراث، من دون أن تُفرز الحملة تحرّكاً على الأرض مضادّاً لتحرّكات النظام لحشد الدعم لمرشّحه. ويعتبر هؤلاء أنّ المرشّح المصري غير مؤهَّل لتولّي منصبٍ تتناقض مهامُه الرامية إلى صون التراث الإنساني وحمايته مع صمت العناني عن هدم العشرات من المباني الأثرية والتاريخية في مصر، وفي مقدّمتها "مدينة الموتى" و"مقابر الإمام الشافعي" و"السيّدة نفيسة" و"مستولدة محمّد علي".
ويُفنّد المنتقدون المزاعم الرسمية التي تدّعي أنّ الحكومة لم تُقْدم على الاعتداء أو هدم أيّ آثار مسجَّلة في منطقة آثار القاهرة أو غيرها من المحافظات، مستندين في ذلك إلى قرار صدر عن "المجلس الأعلى للآثار"، يعتبر منطقة الجبّانات بالإمام الشافعي منطقة أثرية، ما يحظر هدمها وفقاً للقانون رقم 117 لسنة 1983.
أصل الأزمة
تعود أزمة هدم المقابر التاريخية إلى عام 2021، لمّا كان العناني وزيراً للسياحة والآثار. حينها، أعلنت الحكومة عن خطط لتطوير محور صلاح سالم، ما أدّى إلى إزالة المدافن لإنشاء محاور مرورية جديدة تربط شرق وجنوب القاهرة عبر هذه الجبّانات التاريخية. ومع بداية الموجة الثانية من الهدم قبل أيام، وانتشار صور هدم قباب مقابر الإمام الشافعي شرقي القاهرة، أثار ذلك غضباً شديداً على شبكات التواصل الاجتماعي.
واكتفت وزارة الآثار بالزعم أنّ هذه القباب غير مسجّلة، في حين لم يُحرّك المرشّح المصري لمنصب المدير العام لـ"يونسكو" ساكناً تجاه هذه الإجراءات الحكومية، ما فسّره متابعون بأنّه يخشى سحب الدعم الرسمي المصري له، مع العلم أنّ إخفاقه في الوصول إلى المنصب، إذا ما حدث، سيكون الفشل الثالث لمصر في إيصال مرشّحها إلى إدارة "يونسكو" بعد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، الذي خسر قبل نحو 16 عاماً أمام وزيرة الخارجية البلغارية السابقة إيرينا باكوفا، بعد معركة انتخابية حُسمت في اللحظات الأخيرة بفارق صوتَين، ما دفع حسني لوصف ما حدث بأنّه "خيانة مطبوخة".
وفي عام 2017، رشّحت مصر وزيرة السكّان وشؤون الأسرة السابقة السفيرة السابقة مشيرة خطّاب لنفس المنصب؛ حيث كانت مرشّحة "الاتحاد الأفريقي" الذي أيّد رسمياً دخولها المنافسة. لكن هذه المحاولة مُنيت بالإخفاق هي الأُخرى بسبب تشتّت الأصوات بوجود عدّة مرشّحين عرب للمنصب، وعدم حصولها على جميع الأصوات الأفريقية الـ17 داخل "يونسكو"، وهو ما أدّى في النهاية إلى فوز الفرنسية أودري أزولاي بالمنصب.
ويرى متابعون أن السلطات المصرية لم تعتبر بفشل المحاولتين السابقتين، وتجاهلت تهيئة الأجواء لتعزيز فرص مرشّح القاهرة، فيما يرى آخرون أنّ الحملة الشعبية القوية ضدّ خالد العناني سببها سجلّ حكومته في إهدار التراث والآثار، والتي أسفرت عن وقف الهدم في الجبّانات مؤقّتاً، غير أنّ الغريب هو موقف عناني الصامت نفسه، ما يُعزّز فرص منافسيه باستغلال هذه الحملة للقضاء على أيّ فرص له للفوز.
حدود التأثير
في حديثه إلى "العربي الجديد"، انتقد أستاذ القانون الدولي في "الجامعة الأميركية" بالقاهرة عبد الله الأشعل صمت العناني عن هدم الآثار، وعدم مطالبته بوقف هذه الأعمال واحترام التراث الإنساني، وآخرها هدم مستولدة محمد علي، من دون أن اكتراث بأيّ ردود فعل دولية أو محلّية تجاه هذه الجريمة.
مع ذلك، قلّل الأشعل من إمكانية تأثُّر فرص العناني في الفوز بالمنصب قائلاً إنّ هذا الأمر مرتبط بالتربيطات الدولية والتحالفات الانتخابية ورضا واشنطن وتل أبيب في المقام الأوّل، موضّحاً أنّ العناني، بعكس سابقيه، لم يتبنّ مواقف ضدّ "إسرائيل" أو يطالب بإحراق المؤلّفات الصهيونية كما فعل فاروق حسني، ما قد يُجنّبه الفيتو الصهيوني ويتيح لمصر مساحة للتحرّك وبناء تحالفات.
وأشار الأشعل إلى أنّ قدرة المرشّحين المنافسين، وخصوصاً الأوروبيّين الذين يتولّون هذا المنصب تاريخياً، تلعب دوراً مهمّاً، لأنّ الأوروبيّين يعتمدون على تقديم الدعم المالي لدول أفريقية وآسيوية مقابل التصويت لمرشّحيهم. من جهته، أوضح رئيس "دار الكتب والوثائق المصرية" الأسبق خالد فهمي أنّ تزامن ترشّح العناني لمنصب مدير عام "يونسكو" مع هدم السلطات المصرية عشرات المباني الأثرية ذات القيمة التاريخية يُضعف من فرصه في الفوز، في ظلّ المنافسة الشرسة التي يشهدها هذا المنصب الدولي.
لكن فهمي استدرك، في حديثه إلى "العربي الجديد"، بالتأكيد على ضرورة التفريق بين دعم الدولة المصرية لأحد أبنائها في أيّ مؤسّسة دولية، وبين موقفه من السياسات الحكومية. وأضاف أنّ حكومة مصطفى مدبولي، بممارساتها التي أزالت عدداً من الآثار التاريخية، لن تُعزّز من فرص العناني في الفوز، على الرغم من صدور قرارات تأييد محلّية وعربية وأفريقية.
حملة "مغرضة"
في المقابل، نفى أستاذ الآثار الإسلامية في "جامعة القاهرة" محمود مرسي أن يكون للحملة ضدّ ترشيح العناني أيّ تأثير على فرصه "القوية" في الفوز بالمنصب، معتبراً، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ هذه الفرص تستند إلى "السياسات المصرية المتوازنة" التي عزّزت العلاقات مع روسيا وحلفائها من جهة، ومع الولايات المتّحدة والمعسكر الغربي من جهة أُخرى.
واستنكر مرسي ما يتردّد عن قيام الحكومة المصرية بهدم الآثار والمباني التاريخية لإقامة محاور مرورية، معتبراً أنّ يد الهدم لم تمتدّ إلى أيّ مبنى أثري مسجّل، ومتسائلاً: أين هي الأدلّة أو الوثائق التي تؤكّد هدم أيّ من المباني الأثرية المسجلّة في القاهرة أو غيرها من المحافظات؟
واعتبر المتحدّث أنّ الحملة ضدّ ترشيح خالد العناني لا تستند إلّا إلى شائعات لا أساس لها من الصحّة، رغم دقّتها وتنظيمها ووقوف جهات وراءها للتأثير على فرصه في الفوز بالمنصب، مضيفاً أنّ "هذه الشائعات جزء من حروب الجيل الخامس، التي تُستخدم لتشويه سمعة المرشّحين وإضعاف موقفهم في المنافسات الدولية. ولكن على الرغم من هذه المحاولات، لا تزال فرص العناني قوية بفضل الدعم الذي حصل عليه من العديد من الدول".
وأعرب مرسي عن اعتقاده أنّ الحملة "تأتي في إطار محاولات مستمرّة لإضعاف الدور المصري على الساحة الدولية، لكنّها لن تنجح في تحقيق هذا الهدف، حيث ستواصل مصر دعم مرشّحها بكلّ السبل الممكنة، وستسعى لتعزيز موقعها في المؤسّسات الدولية، وعلى رأسها يونسكو، التي تُعتبر إحدى أهمّ المنظمات الدولية المعنية بالثقافة والتراث والتعليم"، مختتماً بالقول: "مصر، بفضل ثقلها الدبلوماسي والسياسي، قادرة على التأثير في التحالفات الدولية التي تُحدّد بشكل كبير نتائج المنافسات على المناصب الدولية، مثل منصب مدير عام يونسكو".