عنفٌ مبطّن يغفله الإحصاء والدراسات

19 يناير 2015
+ الخط -



تجتهد المنظمات الدولية وبرامج التمويل في إعداد دراسات إحصائية تزينها الأرقام والنسب والمعدلات. فالأرقام والأعداد بالنسبة للباحثين مصدر غنى لأبحاثهم. يركزون عليها ويجعلون منها مقدمات بارزة في تقاريرهم.

تتلقف الصحافة الأرقام، وتبرزها في العناوين. فكلما ارتفع الرقم وزادت النسب والمعدلات يصبح الموضوع مادة دسمة للإعلاميين. فموضوع العنف ضد النساء على سبيل المثال، هو مشروع دراسات وتقارير سنوية، تغزر وتفيض مع اقتراب موعد إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء من كل عام. وبناء على تلك الأرقام تصنف المجتمعات من الأعنف إلى الأقل عنفاً، وتوضع الخطط (التي لا تنفذ) الخمسية وأحياناً العشرية، للقضاء على العنف ضد النساء. عنوان فضفاض، يحمل الكثير من التمنيات.

ونتشغل الدراسات بتصنيف أنواع العنف ضد النساء. ويتسابق الأطباء والمستشارون النفسيون والعاملون في الحقل المجتمعي على تفصيل مفاعيل العنف المرتكب وانعكاساته على الحياة جمعاء، وكل ذلك بالاستناد إلى الأرقام والإحصاءات المستخلصة.

وتصبح القضية ذات شأن، وتعطى لها الأولوية في المتابعة، إذا كانت الأرقام والنسب مرتفعة. والعكس صحيح بالطبع. فإذا بينت التقارير بأن عدد النساء المضروبات قد ارتفع، يزداد تمويل برامج التدريب والتأهيل، التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني، لنصح السيدات المضروبات وإرشادهن. وإذا تبين أن الزيادة برزت في عدد النساء المتحرَّش بهن، عندها يتحول التمويل إلى برامج لتأهيل المعتدى عليهن، وهكذا.

لا نقلِّل من أهمية الأرقام والإحصاءات. لكن الوقوف عندها واعتبارها المرجع المحدد للتعامل مع قضايا المجتمعات، أثبت عدم جدواه. فكم هو عدد النساء اللواتي يتعرضن للعنف المبطن، عنف مخفي، في أماكن بعيدة، وفي بيوت لا يعرف ما يحصل بين جدرانها إلا ساكنيها فقط. عنف لا تطاله الإحصاءات ولا الإعلام، ولا يلحظه المحققون ولا معدّو التقارير. نسوة لا تشملهن عينات البحث، فأين هو موقعهن في الدراسات؟ وكيف تطالهن برامج التأهيل والمساعدة؟

قد يجدي أحياناً عرض قصص البعض منهن. فقصصهن أبلغ من الأرقام وأقوى من المعدلات والنسب. قصص حصلت، ويستمر حصولها. بعضها يطمرها التراب، وأخرى يلفّها النسيان بتواطؤ جماعي عام. فربما تكون قصصهن شواهد وأدلة على ما يجري. وقد يكون الكلام عبثاً، كمن يذرّي الحروف في الهواء.

دلالات
المساهمون