في الدولة اللبنانية، يمارس وزراء ومسؤولون ومعنيون بملف اللاجئين السوريين، عنصرية مقنّعة أو حتى علنية. من دون أن تعني "العنصرية" هنا الدعوة إلى إحراق السوريين في مخيّمات نازية، أو إلى عزلهم في مغاور الطاعون أو السلّ. إلا أنّ التعامل مع الهاربين من الجحيم السوري على أنهم "قوارض" تنهش النسيج اللبناني وتقضم وظائفهم وتهدد بناهم التحتية، هو شكل من أشكال العنصرية. سبقت هذه الممارسات، الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". قبل عامين، كانت لا تزال الحرب في سورية لم تلامس الأرض اللبنانية بعد. لم تكن التنظيمات المتشددة قد دخلت جرود عرسال (عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية) ولا أقامت فيها، وكان يقتصر الأمر على قتال حزب الله في دمشق والقصَير. أي أنّ مبرّرات التعامل برهبة وحذر وخوف لم تكن موجودة أصلاً.
اليوم، آخر ما توصّل إليه وزراء في الحكومة اللبنانية، هو ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، حين قال إنّ "التعامل الصحيح مع ملف أزمة النازحين السوريين يبدأ بوقف استقبال المزيد منهم". بالنسبة لدرباس ورفاقه الوزراء في اللجنة الخاصة لمتابعة هذا الملف، "مَن هرب من الاشتباكات قد هرب ولا داعي لاستمرار فتح الحدود". مَن هرب قد هرب، ومن علق فليرحمه الله أو لتحمه قدرة قادر على الأرض السورية المتروكة لتنافس جزّارين اثنين، الأول اسمه جيش الأسد، والثاني "داعش" وأخواته.
تعدّ الوزارات المعنية بملف اللاجئين السوريين تقارير دورية عن أوضاعهم، لتطلق خلاصات ومشاريع قرارات تنسجم مع ما هو مطلوب تحقيقه سياسياً. وما هو مطلوب اليوم، توجيه الأصبع إلى مخيّمات اللجوء السورية والقول إنّ "الإرهاب يختبئ ويصنّع فيها". وبحسب أحد هذه التقارير، يفترض على الدولة اللبنانية أولاً ضبط حركة اللاجئين "مع العلم أن التدفق السوري تراجع في الشهرين الماضيين" بحسب التقرير الحكومي الذي يشير إلى دور جهاز الأمن العام والأجهزة الأمنية في الضغط على اللاجئين "لوقف تهديد الإرهاب" الذي يساهم بشكل أو بآخر، بحجة أو بدونها، في تسميم الأجواء ودفع اللاجئين، إما إلى القرف أو إلى التعاون مع مجموعات محسوبة على الإرهابيين. قبل هذا الإعلان الأخير، سبق لدرباس أن عمل على "إقامة مخيّمات تجريبية للنازحين السوريين".
بعد ثلاث سنوات على التهجير والتشرّد، وجدت الحكومة اللبنانية أخيراً أنّ ثمة ما يجب فعله في هذا الملف. فقررت إطلاق سياساتها التجريبية بوضع مشروع يفترض ان يضم 70 ألف لاجئ في مخيّمين، في العبودية (عند الحدود اللبنانية ــ السورية الشمالية) وعند معبر المصنع (على الحدود الشرقية). علّقت الحكومة إذاً مصير هؤلاء السبعين ألفاً على "التجريب"، من دون ضمانات ولا خطة واضحة. إلا أنّ هذا "التجريب" سرعان ما اصطدم بالوقائع الميدانية والأمنية، فأشارت تقارير صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية وقوى الأمن إلى الآتي: "لا قدرة لوجيستية وأمنية وفنية لإقامة أي تجمع عند الحدود الشمالية. أما عند المصنع، فثمة قدرة فنية لكنها بحاجة إلى مسح ميداني مباشر وإلى التنسيق مع الجهة السورية الرسمية". وأكد التقرير أنّ الموقع الأخير يمكن ان يستوعب كحدّ أقصى 10 آلاف لاجئ لا ثلاثين ألفاً كما كان يتصوّر "تجريبيو الدولة اللبنانية". عند هذا الحد انتهى حلم درباس ورفاقه. وبحسب ما يقول مطلّعون على سير هذه النقاشات "انطلق العمل على بلورة أفكار أخرى يُنصح بأن تكون بعيدة عن مبدأ التجريب".
درباس كان آخر الداخلين على خطّ العنصرية والمطالبين بحتمية إقفال هذا الملف وإعادة السوريين إلى أرضهم ولو كان على حساب تهديدهم أو قتلهم. سبقته إلى ذلك قرارات صدرت عن وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق. في مايو/أيار الماضي، أصدر المشنوق قراراً ينص على "فقدان أي سوري صفته كلاجئ في حال دخل الأراضي السورية". أي أنّ أي لاجئ غير مسجّل لدى الدولة اللبنانية، بات عليه تسديد مبلغ 200 دولار لتجديد إقامته أو المرور على نقطة حدودية بين البلدين وثم العودة إلى لبنان تفادياً لدفع هذا المبلغ. لتعود وزارة الداخلية وتصدر إعفاءً عاماً من تسديد كل إقامات السوريين الموجودين في لبنان.
ممارسات الأمن العام
التضييق الأمني على اللاجئين لامس العنصرية أيضاً في قرارات وإجراءات الأمن العام اللبناني. فاحت هذه الرائحة من منع هذا الجهاز دخول اللاجئين الفلسطينيين من سورية، وتلاه قرار آخر يمنع اللاجئين السوريين العائدين إلى سورية من العودة إلى لبنان قبل مرور شهر كامل من الإقامة في الأراضي السورية. أي أنّ أي لاجئ أو عامل في لبنان، عَبَر الحدود إلى سورية، عليه البقاء فيها ثلاثين يوماً على الأقل حتى يُسمح له بالعودة إلى بيروت، من دون ان يكون لهذا القرار أي تفسير أو تبرير أو حتى مسوغ قانوني. كما استمرّ الأمن العام في التضييق على اللاجئين السوريين، تحديداً المحسوبين على المعارضة.
لم يكن حينها زمن "داعش" ولا "جبهة النصرة" قد حلّ، وكان المعارضون السوريون مؤيدون للجيش الحرّ أو التنسيقيات أو حتى المجلس الوطني السوري. شملت هذه الحملة التي لم تتوقف، مخرجين سينمائيين وكتاب وصحافيين، يتم استدعاؤهم إلى مراكز الأمن العام دورياً، كل أسبوع أو اثنين. لا يُحقّق معهم ولا يتّخذ بحقهم أي أجراء، فقط يُطلب منهم الحضور والجلوس لخمس أو ست ساعات، ثم يُطلب منهم الحضور بعد أسبوع. كأن هؤلاء لا يزالون في سورية، يُستدعون إلى فروع الأمن من دون سبب وبلا نتيجة أصلاً، فقط للقول لهم "نحن نتابع تحركاتكم ونعرف نواياكم". في السياق، تأخذ إجراءات الأجهزة الأمنية الأخرى، تحديداً في استخبارات الجيش وقوى الأمن الداخلي، منحى شاملاً في عنصريته وتعميم اتهام الإرهاب على كل السوريين، عمالاً ولاجئين.
في قرى جنوبية، اعتقلت القوى الأمنية 47 سورياً، أخلت سبيل ثلاثين منهم، وأبقت على 17 ولو أنه لم يثبت على أحدهم أي تهمة، بحسب ما يؤكد أحد الضباط المسؤولين عن التحقيق. إلا أنه ربما يجب إطالة فترة التوقيف والتحقيق كي لا تظهر القوى الأمنية في موقع المخطئ. حتى أنّ التوقيف باتت يستند على محتوى الأجهزة الخلوية، في إجراء استجدّ على ممارسات القوى الأمنية اللبنانية بحق لبنانيين وسوريين. العنصري الأكبر قد لا يستدعي كل ما سبق اتهام المسؤولين عنه بممارسة العنصرية، لكونها بقيت مبطّنة ولو أنها غير مبررة أيضاً. إلا أنّ وزير الخارجية، جبران باسيل، تربع على عرش "العنصرية الشرعية"، لا بل أنه في كثير من الأحيان قال "لا ضير ان يقولوا عنّا عنصريين، فنحن وطنيون".
باسيل، صهر رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، بحث قبل أشهر عن تحديد نسل اللاجئين السوريين في لبنان. قال ذلك في مؤتمر صحافي أمام الجميع، مطالباً بـ"إسقاط صفة النزوح عن أي نازح في حال أنجب ثلاثة أولاد". وبشّر باسيل أيضاً بمنع النازحين من ممارسة أمور "لا يحق لهم القيام بها أصلاً، كالتنقل والتعليم". ويبقى الأهم من كل هذا، مطالبة باسيل من سفراء أوروبيين وقف أي دعم أممي للهيئات الدولية المعنية بمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان. كان هدف باسيل دفع اللاجئين إلى مغادرة لبنان، فوجد في هذا الطلب مقدمة لتجويعهم ودفعهم إلى ترك مراكز نزوحهم والعودة إلى سورية، في حين أنّ سياسة مماثلة تضع اللاجئين وعائلاتهم في أحضان أي جهة تملك المال وتوزّعه عليهم، كالتنظيمات المتشددة تحديداً.
اليوم، آخر ما توصّل إليه وزراء في الحكومة اللبنانية، هو ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، حين قال إنّ "التعامل الصحيح مع ملف أزمة النازحين السوريين يبدأ بوقف استقبال المزيد منهم". بالنسبة لدرباس ورفاقه الوزراء في اللجنة الخاصة لمتابعة هذا الملف، "مَن هرب من الاشتباكات قد هرب ولا داعي لاستمرار فتح الحدود". مَن هرب قد هرب، ومن علق فليرحمه الله أو لتحمه قدرة قادر على الأرض السورية المتروكة لتنافس جزّارين اثنين، الأول اسمه جيش الأسد، والثاني "داعش" وأخواته.
تعدّ الوزارات المعنية بملف اللاجئين السوريين تقارير دورية عن أوضاعهم، لتطلق خلاصات ومشاريع قرارات تنسجم مع ما هو مطلوب تحقيقه سياسياً. وما هو مطلوب اليوم، توجيه الأصبع إلى مخيّمات اللجوء السورية والقول إنّ "الإرهاب يختبئ ويصنّع فيها". وبحسب أحد هذه التقارير، يفترض على الدولة اللبنانية أولاً ضبط حركة اللاجئين "مع العلم أن التدفق السوري تراجع في الشهرين الماضيين" بحسب التقرير الحكومي الذي يشير إلى دور جهاز الأمن العام والأجهزة الأمنية في الضغط على اللاجئين "لوقف تهديد الإرهاب" الذي يساهم بشكل أو بآخر، بحجة أو بدونها، في تسميم الأجواء ودفع اللاجئين، إما إلى القرف أو إلى التعاون مع مجموعات محسوبة على الإرهابيين. قبل هذا الإعلان الأخير، سبق لدرباس أن عمل على "إقامة مخيّمات تجريبية للنازحين السوريين".
بعد ثلاث سنوات على التهجير والتشرّد، وجدت الحكومة اللبنانية أخيراً أنّ ثمة ما يجب فعله في هذا الملف. فقررت إطلاق سياساتها التجريبية بوضع مشروع يفترض ان يضم 70 ألف لاجئ في مخيّمين، في العبودية (عند الحدود اللبنانية ــ السورية الشمالية) وعند معبر المصنع (على الحدود الشرقية). علّقت الحكومة إذاً مصير هؤلاء السبعين ألفاً على "التجريب"، من دون ضمانات ولا خطة واضحة. إلا أنّ هذا "التجريب" سرعان ما اصطدم بالوقائع الميدانية والأمنية، فأشارت تقارير صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية وقوى الأمن إلى الآتي: "لا قدرة لوجيستية وأمنية وفنية لإقامة أي تجمع عند الحدود الشمالية. أما عند المصنع، فثمة قدرة فنية لكنها بحاجة إلى مسح ميداني مباشر وإلى التنسيق مع الجهة السورية الرسمية". وأكد التقرير أنّ الموقع الأخير يمكن ان يستوعب كحدّ أقصى 10 آلاف لاجئ لا ثلاثين ألفاً كما كان يتصوّر "تجريبيو الدولة اللبنانية". عند هذا الحد انتهى حلم درباس ورفاقه. وبحسب ما يقول مطلّعون على سير هذه النقاشات "انطلق العمل على بلورة أفكار أخرى يُنصح بأن تكون بعيدة عن مبدأ التجريب".
درباس كان آخر الداخلين على خطّ العنصرية والمطالبين بحتمية إقفال هذا الملف وإعادة السوريين إلى أرضهم ولو كان على حساب تهديدهم أو قتلهم. سبقته إلى ذلك قرارات صدرت عن وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق. في مايو/أيار الماضي، أصدر المشنوق قراراً ينص على "فقدان أي سوري صفته كلاجئ في حال دخل الأراضي السورية". أي أنّ أي لاجئ غير مسجّل لدى الدولة اللبنانية، بات عليه تسديد مبلغ 200 دولار لتجديد إقامته أو المرور على نقطة حدودية بين البلدين وثم العودة إلى لبنان تفادياً لدفع هذا المبلغ. لتعود وزارة الداخلية وتصدر إعفاءً عاماً من تسديد كل إقامات السوريين الموجودين في لبنان.
ممارسات الأمن العام
التضييق الأمني على اللاجئين لامس العنصرية أيضاً في قرارات وإجراءات الأمن العام اللبناني. فاحت هذه الرائحة من منع هذا الجهاز دخول اللاجئين الفلسطينيين من سورية، وتلاه قرار آخر يمنع اللاجئين السوريين العائدين إلى سورية من العودة إلى لبنان قبل مرور شهر كامل من الإقامة في الأراضي السورية. أي أنّ أي لاجئ أو عامل في لبنان، عَبَر الحدود إلى سورية، عليه البقاء فيها ثلاثين يوماً على الأقل حتى يُسمح له بالعودة إلى بيروت، من دون ان يكون لهذا القرار أي تفسير أو تبرير أو حتى مسوغ قانوني. كما استمرّ الأمن العام في التضييق على اللاجئين السوريين، تحديداً المحسوبين على المعارضة.
لم يكن حينها زمن "داعش" ولا "جبهة النصرة" قد حلّ، وكان المعارضون السوريون مؤيدون للجيش الحرّ أو التنسيقيات أو حتى المجلس الوطني السوري. شملت هذه الحملة التي لم تتوقف، مخرجين سينمائيين وكتاب وصحافيين، يتم استدعاؤهم إلى مراكز الأمن العام دورياً، كل أسبوع أو اثنين. لا يُحقّق معهم ولا يتّخذ بحقهم أي أجراء، فقط يُطلب منهم الحضور والجلوس لخمس أو ست ساعات، ثم يُطلب منهم الحضور بعد أسبوع. كأن هؤلاء لا يزالون في سورية، يُستدعون إلى فروع الأمن من دون سبب وبلا نتيجة أصلاً، فقط للقول لهم "نحن نتابع تحركاتكم ونعرف نواياكم". في السياق، تأخذ إجراءات الأجهزة الأمنية الأخرى، تحديداً في استخبارات الجيش وقوى الأمن الداخلي، منحى شاملاً في عنصريته وتعميم اتهام الإرهاب على كل السوريين، عمالاً ولاجئين.
في قرى جنوبية، اعتقلت القوى الأمنية 47 سورياً، أخلت سبيل ثلاثين منهم، وأبقت على 17 ولو أنه لم يثبت على أحدهم أي تهمة، بحسب ما يؤكد أحد الضباط المسؤولين عن التحقيق. إلا أنه ربما يجب إطالة فترة التوقيف والتحقيق كي لا تظهر القوى الأمنية في موقع المخطئ. حتى أنّ التوقيف باتت يستند على محتوى الأجهزة الخلوية، في إجراء استجدّ على ممارسات القوى الأمنية اللبنانية بحق لبنانيين وسوريين. العنصري الأكبر قد لا يستدعي كل ما سبق اتهام المسؤولين عنه بممارسة العنصرية، لكونها بقيت مبطّنة ولو أنها غير مبررة أيضاً. إلا أنّ وزير الخارجية، جبران باسيل، تربع على عرش "العنصرية الشرعية"، لا بل أنه في كثير من الأحيان قال "لا ضير ان يقولوا عنّا عنصريين، فنحن وطنيون".
باسيل، صهر رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، بحث قبل أشهر عن تحديد نسل اللاجئين السوريين في لبنان. قال ذلك في مؤتمر صحافي أمام الجميع، مطالباً بـ"إسقاط صفة النزوح عن أي نازح في حال أنجب ثلاثة أولاد". وبشّر باسيل أيضاً بمنع النازحين من ممارسة أمور "لا يحق لهم القيام بها أصلاً، كالتنقل والتعليم". ويبقى الأهم من كل هذا، مطالبة باسيل من سفراء أوروبيين وقف أي دعم أممي للهيئات الدولية المعنية بمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان. كان هدف باسيل دفع اللاجئين إلى مغادرة لبنان، فوجد في هذا الطلب مقدمة لتجويعهم ودفعهم إلى ترك مراكز نزوحهم والعودة إلى سورية، في حين أنّ سياسة مماثلة تضع اللاجئين وعائلاتهم في أحضان أي جهة تملك المال وتوزّعه عليهم، كالتنظيمات المتشددة تحديداً.