عملية القدس... إنها السياسة بعينها

20 نوفمبر 2014
منزل منفّذ عملية القدس بعدما هدمه الاحتلال (الأناضول)
+ الخط -
مَن يقول إن السياسة هي حصراً بناء فوقي، حجارته مصنوعة من حسابات باردة ومدروسة بعقلانية، هو مساهِم بالضرورة في بناء أسطورة لا تخدم سوى القوي والثري، أكان فرداً أو امبراطورية أو احتكار شركات مثلاً.

ولأن كل شيء هو سياسة في النهاية، فإنّ عمليةً كتلك التي نفّذها الشابان في القدس المحتلة قبل يومين، على أنقاض قرية دير ياسين في القدس المحتلة، سمِّها ما شئت، فدائية أو استشهادية أو انتحارية حتى، إنما هي السياسة بذاتها، أو بالأحرى السياسة الجديدة، إذ تعيد بلحظات، طرح كافة العناوين التي يجدر أن تُطرح في سياق القضية الفلسطينية، حتى أنه يمكن الانطلاق منها لتجاوز الإطار الجغرافي الفلسطيني، وتعميم الأسئلة على كل حالة استعمارية في القرن الواحد والعشرين: ماذا تبقّى لشعب مسحوق ومحتل ومستباح ومجرد من كل شيء، من أدوات ليقاوم بها؟ لا شيء إلا جسده وما تيسّر من بلطة أو سكين أو مسدس في حال كان محظوظاً ليقول للعالم إنه ليس لدينا ما نخسره في هذه الدنيا. لا أحزاب أو تنظيمات تحمل برنامجاً تحررياً قادرة على العمل في إطار "سياسي" نضالي، ولا حلفاء يمكنهم أن يكونوا فعلاً أصحاب نفوذ دولياً لإحداث توازن قوى ما في مفاوضات حقيقية، ليس كتلك السخيفة التي تخوضها بشكل موسمي سلطة رام الله. عملية القدس تنطلق من عجز السياسة بمفهومها الذي نتداوله، لتكرّس فهماً جديداً لها، بلا قفّازات مفاده أن القتل بأشكال بشعة يوازي القتل بأشكال حضارية.

عملية القدس تقول إنه طالما أن غالبية الإسرائيليين لا تريد حلاً سياسياً يعيد بعض الحقوق لأصحابها، فإنّ ذلك يعني موافقة على استمرار سياسة الاستيطان والقتل وسرقة الأراضي ودعم عصابات المستوطنين والتهويد والطرد والاعتقالات... والنتيجة المنطقية ستكون على شاكلة عملية القدس وعمليات الطعن والدهس... وما ذلك سوى ترجمة ميدانية لانحسار التيار المعادي للاحتلال وللصهيونية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، وهو ما يُترجَم "في السياسة"، زيادة في شعبية بنيامين نتنياهو وأضرابه.

أما ردود الأفعال العربية الإنسانوية التي أطنبتنا في انزعاجها إزاء "قتل المدنيين داخل دار عبادة"، فليس أمامها سوى تذكُّر أن هذا هو بالتحديد الكلام "الأنتي سياسي".
المساهمون