عمري وحياتي.. والفرق بينهما

17 نوفمبر 2015
عين المريسة في بيروت (Getty)
+ الخط -
أخشى أن تنتهي حياتي قبل عمري على هذه الأرض. تتمحور حياتي حالياً حول هذا الهاجس المُستجد. لا أدري إذا كان وصفه بالمُستجد دقيقاً أم أنني نجحت أخيراً في توصيف الحالة النفسية التي أعيشها منذ سنوات.

أخشى أن ينتهي بي الحال كأحد جيراني البائسين. لم أعرف اسمه يوماً ولم أهتم. أراقبه أحياناً وهو يمشي قرب المنزل. أكاد أُقسم أنه يكبر شهراً كاملاً كل يوم. لا يتجاوز عمره الأربعين، هذا ما أعرفه عنه. لكنه يكاد يُشبه جدي في صورة قديمة التقطت قبل أن يُولد الجار.

يسير ببطء شديد من دون وجهة. يكرر ارتداء نفس الملابس مع تبدل الفصول. يبدو أحياناً أن ملابسه تكبر معه، حتى يخيّل إليك أن الجاكيت السوداء نفسها قد انحنت وليس ظهره فقط. يقف مع شباب المنطقة دون أن يبدو منتمياً إليهم. يجلس أحياناً قرب كراج تصليح السيارات. يمل سريعاً ويعود إلى المشي البطيء بصمت. تقول عيناه إن حياته انتهت على هذه الأرض، لكن عداد عمره ما زال ينبض دون حياة. يواصل السير دون هدف.

أذكره أثناء المرور في منطقة عين المريسة. هناك كانت العجوز الفقيرة قبل افتتاح المطعم الجديد وبقيت بعد إغلاقه. وهناك وجدها زوار المقهى الجديد، وستبقى بعد إقفاله. كيف يُمكن لأي استثمار أن يستمر في هذا البلد، أصلاً؟!

لم تقف السيدة يوماً للسيارات. اختارت الجلوس على الرصيف وعدم التلويح بالعلكة منذ اليوم الأول لحلولها على هذا الرصيف. تستثمر بالعلكة فقر حالها، لكن النظرة في عينيها تُخبرك أنها لا تتوقّع الكثير. من شدة البؤس تضع يدها على خدها. هي نفس اليد التي ترفع بها العلكة، بينما تضع الثانية في جيب ثوبها الشرعي. تنتظر انقضاء عمرها بعد أن نحتتها الحياة تمثالاً يبيع العلكة.

أراجع نفسي والنص، أندم على استخدام علامتي التعجب والاستفهام في الفقرة السابقة. تمنح العلامتان معاً المزيد من الحيوية للنص. هو نصٌ مُتعبٌ أصلاً، فما الفرق؟!

يُمكن للتعب أن يكون حيوياً بحجم الأحداث المُتسارعة التي تعكسها عين الجريح بعد الانفجار. أُدقق في الصورة المُرسلة عبر الهاتف للشاب الجريح المحمول على الأكف. يتحدث ذهوله الجامد عن قصة الانفجارين الأول والثاني.

ومع أن مفعول الحزام الناسف قد انتهى وسقط من سقط، لكن وهج التفجير بقي عالقاً. تقول نظرته إن حياته لم تنته بعد، أما عُمره فهو على وشك الانتهاء.

إنها سُخريةٌ قدريةٌ مُزعجة. فإما أن تبني حياةً مديدة ينهي عمرها انفجار، أو أن تعيش عمراً مديداً بلا حياة.


اقرأ أيضاً: حيدر... كيف سينام؟
المساهمون