عمال المناجم في موريتانيا: التهميش يلخص واقعنا

30 مارس 2015
مناجم موريتانيا تدفن عمالها(فرانس برس)
+ الخط -
"أشرفت على الموت مرتين. فى الحادثة الأخيرة كاد رأسي ينفصل عن رقبتي، لكن بفضل العناية الإلهية نجوت بأعجوبة، يتحدث عديل ولد تاج الدين عن المخاطر التي تعرض لها بسبب عمله في "الشركة الوطنية للصناعة والمناجم أسنيم" في موريتانيا. يقول تاج الدين لـ "العربي الجديد": هناك أكثر من 4000 عامل، يرفضون العمل في ظل شروط سيئة، فالعديد من العمال، يتعرضون لمخاطر تنشقهم غبار طحن الحجارة وعزل خامات الحديد من الشوائب، وغيرها من الأمراض.


يضيف تاج الدين، يجد عمال المناجم صعوبة فى الحصول على إفادة تعرضهم لحادث عمل، فرئيس المصلحة المشرف على العمّال يقيّم الحوادث السنوية في مصلحته، فيفضل رشوة العامل بأيام من العطل، على أن يعطيه تلك الإفادة.

يقول القيادي النقابي محمد ولد الزقاني لـ"العربي الجديد": "إن الظروف التي يعمل بها عمال المناجم أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية، حيث الجبال مرتفعة الحرارة في مواسم الحر والباردة فى موسم البرد، وبالرغم من ذلك، فإن العمال يعملون لساعات طويلة، لكن غياب الاهتمام الرسمي، والمعاملة اللاإنسانية، جعلتهم يثورون في وجه أرباب العمل مرات عدة".

ويتابع، أن "شركة أسنيم" همّشت عمال قطاع الإنتاج، بالرغم من أنهم أنجزوا خلال العام المنصرم أكثر من ثلاثة عشر مليون طن من المعادن، وبإمكانهم إنتاج خمسة عشر مليون طن سنوياً لو أعطتهم الشركة ما يستحقون من تحفيز، غير أن الشركة لا تهتم بالعمال الحقيقيين".

موت سريع

يواجه عمال المناجم الموت السريع تحت تأثير المواد الخطرة والسامة، يقول العامل أ. س. م.، الذي يفضل عدم كشف اسمه: "قطعت ثلاثاً من أصابعي أثناء عملي فى قسم الصيانة في "شركة أسنيم"، ولم تبادر الشركة إلى منحي إفادة، وإنما منحني مديري إجازة وعدداً من الساعات الإضافية وتعويضاً مالياً لايكفي للمعالجة".

وبحسب العامل، فإن ظروف العمل القاهرة لا تقف عند هذا الحد، فهناك المئات من المتعاقدين، الذين يجلسون في بيوتهم من دون إعانة من الشركة، ولدى معظمهم أمراض خطيرة بسبب عملهم في ظروف قاسية قبل تقاعدهم.

من جهتها، تشير شركة "أسنيم" في منشوراتها ووثائقها إلى توفيرها حماية كاملة لعمالها، فضلاً عن مستوى أجور متميز، قياساً إلى مستوى الأجور في موريتانيا. كما توفر الشركة، حسب بياناتها، حماية صحية تامة عبر مستشفياتها، إضافة إلى خدمات اجتماعية أخرى كالسكن والمواد الأساسية بأسعار مخفضة للعمال.

في السنوات الخمس الماضية، ارتفع مستوى إنتاج الحديد فى موريتانيا بشكل غير مسبوق تزامناً مع الارتفاع القياسي في أسعاره، حيث قفز سعر الطن من 60 إلى 150 دولاراً. وقد دفع ذلك نقابات عمال المناجم فى موريتانيا إلى الضغط على إدارات شركات المعادن من أجل
صرف علاوة للإنتاج لصالح العمال. ومع أن "شركة أسنيم" استجابت للطلب فى العامين 2011 و2012، حيث صرفت للعمال نسبة 7% من الأرباح، إلا أنها رفضت ذلك فى العامين التاليين، حين انخفض مستوى الإنتاج عن المستويات الماضية، مع أن الإنتاج السنوي بلغ النسبة المطلوبة. هذا الواقع دفع العمال إلى إعلان الإضراب فى مايو/ أيار 2014، ما جعل الشركة توقع تحت ضغط الإضراب اتفاقاً يقضي بزيادة الأجور، غير أن الشركة عادت ورفضت تنفيذ بند زيادة الأجور بحجة انهيار أسعار الحديد عالمياً.

وفى 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، دخل عمال الشركة فى إضراب مفتوح أدى إلى توقف تصدير الحديد الموريتاني إلى الخارج، ولا يزال الإضراب مستمراً حتى اليوم، وسط تحذير عدد من المراقبين من تداعياته على الاقتصاد الموريتاني. يقول الخبير القانوني محمد ولد يحي إن ما قامت به الشركة خلال السنوات الماضية لجهة توفير خدمات صحية أو اجتماعية، جاء بعد نضال كبير من قبل العمال، وبالرغم من ذلك فإن الشركة عادت من جديد و نكثت بوعود قطعتها سابقاً، الأمر الذي يعد مخالفة قانونية صارخة.

ثروة مخفية
تعتبر مدينة زويرات ثروة موريتانيا المنجمية من الحديد، حيث يستخرج الحديد من جبال منطقة تيرس الزمور الواقعة شمال موريتانيا، تطورت هذه المدينة الى أن أصبحت من أهم المناطق في البلاد. ترتبط مدينة زويرات مع مدينة نواذيبو الساحلية بسكة حديدية تمتد لمسافة تصل إلى 650 كيلومترا تقريبا، أنشئت خصيصاً لنقل خامات الحديد من زويرات إلى ميناء التصدير في الأسواق الخارجية في نواذيبو عبر قطار يزيد طول عرباته عن 2500 متر. وبالرغم من ذلك، تعاني المدينة عزلة خانقة لافتقارها إلى طريق معبّد يربطها بالعاصمة نواكشوط، وعدم اتصالها بشبكة الطرق داخل البلاد، مما جعلها تعتمد بشكل رئيسي على القطار في نقل حاجياتها المختلفة، كما أن انفتاحها واتصالها المباشر مع المناطق الصحراوية جعلها تستفيد من كم هائل من البضائع الآتية من الجزائر، ومن المخيمات الصحراوية.


إقرأ أيضا: صبراً يا أمل

المساهمون