علي مبروك.. رحيل قبل نزع أقنعة التقديس

20 مارس 2016
(1960 - 2016)
+ الخط -
"مساهمة في نزع أقنعة التقديس" هو العنوان الفرعي لكتاب "ما وراء تأسيس الأصول" للباحث المصري علي مبروك (1960 - 2016) الذي رحل صباح اليوم في القاهرة. لعل هذا العنوان يوجز المشروع الذي اشتغل عليه مبروك متنقلاً بين فضاءات الفلسفة والدين والتاريخ والسياسة.

مثل معاصريه، انطلق صاحب كتاب "أفكار مؤثّمة" من إشكالية استنبات الحداثة في البلاد العربية ودراسة الإعاقات التي حالت دون نجاح أية نهضة رغم المشاريع المطروحة منذ أكثر من قرنين. سرعان ما سيوظف مبروك دراسته الفلسفة، باعتبارها مشروعاً نقدياً متراكماً، لوضع مقولات الثقافة العربية تحت أضواء إعادة التفكير.

التفت صاحب كتاب "النبوة: من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ" في مرحلة أولى من مسيرته إلى الشروح، تلك المدوّنة الضخمة التي تشكّلت حول النصوص المؤسسة للحضارة الإسلامية، مبرزاً أن ثقافة الشرح و"تدبيج الحواشي" ظلّت مستمرة إلى اليوم في الدراسات التي تعرف بالإسلاميات، كاشفاً دائرية هذا التوجّه حيث يقول في كتاب "عن الإمامة والسياسة": "إن تاريخاً يكرّر أصلاً جاهزاً متحققاً هو لا شك تاريخ بلا غاية لأنه تاريخ بلا تجاوز".

سيذهب الحفر بمبروك إلى ما هو أبعد، إذ سيرى أن مفهوم الأصل نفسه في حاجة إلى إعادة نظر، حيث أن هذا المفهوم يتضمّن القول بالانصياع وقد مارس دوراً تاريخياً في جعل العقلية الإسلامية عقلية اتباعية ما ألغى كل طريق نحو الوصول إلى أفق نقدي (شرط من شروط الحداثة).

هكذا يصل مبروك من خلال الحفر في التاريخ إلى "الإشكالية الأم" حاضراً والتي خصّص لها كتاب "لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا" والذي يقدّم فيه معطيات إضافية عن السياق التاريخي العربي إذ يرى أن "دورة القرنين من الحداثة المجهضة في العالم العربي تكاد تنتهي بوضع سؤالها بين يدي جنرالات الحرب الأميركيين" ما يفضي في النهاية إلى تحويل الحداثة إلى دين يعاقب الخارجون عنه بعد تدجيج هذه الحداثة بالسلاح وعسكرتها. وهنا يربط مبروك بين هذه اللحظة وبين "استيقاظ" العرب على مدافع الحداثة نهاية القرن الثامن عشر (الجنرال) قبل أن يستبد بها الباشا ومن ثم يستمر "حضورها الهش" في تاريخنا.

هذا المسار الذي قطعه، في التراث الإسلامي وانعكاسه على الحاضر، جعل من مبروك أحد أبرز الأسماء التي نشطت في سياق مجابهة الأصولية والتطرّف الديني التي باتت مشغلاً رئيسياً للحياة الفكرية العربية، سرعان ما التصقت به توجّهات سياسية عامة للدول العربية، ومنها مصر التي بدت في سنواتها الأخيرة وقد حوّلت هذا الشاغل إلى موضوع حصري للتفكير، وهو ما تبيِّنه موجة الإصدارات الفكرية والمحاضرات.

في الحقيقة، ورغم أن صاحب "في لاهوت الاستبداد والعنف" كان ناقداً للرؤية العسكرية للحداثة بالقدر الذي انتقد به الرؤية الدينية للحكم، إلا أن الاهتمتام انصبّ في السنوات الأخيرة على النصف الثاني فحسب ضمن سياق معروف للمسار الذي اتخذته الأحداث في مصر.

لعل العودة إلى منجز مبروك نفسه يضعنا أمام عدم إمكانية الفصل بين النقدين، إذ يرى أن الجذر الغائر للاستبداد (العائق الأكبر أمام الحداثة) راقد في قلب التراث، بعباراته راقد في "اللاهوت"، ما يعني أن الاستبداد "يصبح ديناً يتعبّد الناس به الله. وهكذا يُحصِّن الاستبداد نفسه، بأن يجعل من نفسه جزءاً من الدين على نحو يكون فيه أي سعي إلى مناهضته والخروج عليه بمثابة خروج على الدين ذاته".

كتب مبروك ضد الاستبداد، غير أن الاستبداد - بحكم ما تتوفر له من أدوات - يعرف كيف يحجب فكرة ويضيء أخرى، وربما يسوقه في غير مواضعه، متشبّثاً بأقنعة التقديس التي تخفي عورته. 


اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد: سيرة معاصرة للتكفير

المساهمون