"هذا ممثل عظيم!!"... جملة يطلقها الجمهور على مجموعة مختارة من الممثلين، الذين بطبيعة الحال مثل كل شيء مميز، أقلية في الوسط الفني، وينالها الفنان عن استحقاق من خلال موهبة فذة وحضور غير عادي وذكاء فني. ونستطيع أن نسرد عدة أسماء لا يمكننا الاختلاف عليها أبداً، مثل نجيب الريحاني، محمود المليجي، أحمد زكي، شادية، سعاد حسني.
قدم كل من الأسماء السابقة مشواراً فنياً يستحق عليه اللقب، لكن المدهش هو أن تجد فناناً يطلق عليه البعض هذا اللقب، من دون أي من المقومات الثلاثة، أو في أحسن الفروض بموهبة لم يتم استغلالها، مثل الفنان محمود حميدة، الذي يعتبره الكثيرون فناناً عظيماً، على الرغم من أن المتابع لأعماله الفنية التي تزيد عن 50 عملاً لن يجد بينها 10 أدوار جيدة، في الحقيقة، ولا 5 أدوار عظيمة ليستحق اللقب.
بالتأكيد يشعر عشاق النجم - الذي أحبه على المستوى الشخصي - بالصدمة ولا يرغبون في إكمال هذا المقال مكتفين بسب كاتبه، فدعونا نناقش مجموعة أدوار الفنان محمود حميدة التي أداها خلال مشواره الفني الذي بدأ تليفزيونياً عام 1986 وسينمائياً عام 1989 بفيلم المساطيل للمخرج حسين كمال.
تنقسم أعمال محمود حميدة إلى ثلاث مجموعات، المجموعة المتميزة، ومجموعة نادية الجندي، ومجموعة أنا ممثل كبير:
المجموعة الأولى: المتميزة
تضم هذه المجموعة أفلام الباشا والإمبراطور وإنذار بالطاعة والمصير وبحب السيما وملك وكتابة والأبواب المغلقة. وكما نرى لا تزيد هذه المجموعة عن 7 أفلام، وقد تصل في أقصى تقدير إلى تسعة أفلام، إذا قرر البعض إضافة أفلام مثل احكي يا شهر زاد وفارس المدينة.
في الحقيقة حتى تلك الأفلام التسعة يبدو مستوى حميدة متبايناً تماماً فيما بينها، دور جيد في الإمبراطور أمام العملاق أحمد زكي، ودور أكثر من رائع في الباشا أمام نفس الممثل، لدرجة أنه تفوق عليه في بعض المشاهد، ودور مدهش في بحب السيما، وآخر جيد في الأبواب المغلقة، وأدوار جيدة في بقية العشرة.
يملك بلا شك موهبة مميزة، لكن هل تبقى كافية ليكون ممثلا عظيما، لو كانت الموهبة تكفي وحدها لما احتل المقدمة أنصاف المواهب.
المجموعة الثانية: نادية الجندي
لا أقصد بهذه المجموعة الأفلام التي لعبها حميدة فقط أمام نادية الجندي، ولكن أقصد كل ما ينتمى إلى تلك المدرسة الفنية الرخيصة التي لا ينكرها حميدة نفسه، ويقول إنها كانت مجرد "أكل عيش".
المثل الأقرب لهذا هو الفنان الراحل أحمد زكي الذي "أكل عيشاً" في أفلام مثل استاكوزا، لكنه قدم أضعاف ما قدمه من أفلام تجارية كفن حقيقي.
مجموعة نادية الجندي تضم أفلاماً مثل عصر القوة ودانتيلا واللعب مع الأشرار وامرأة هزت عرش مصر، ومجموعة أخرى من الأفلام التي تتجاهلها الذاكرة تلقائياً في محاولة استشفاء.
يفقد بطلنا الذكاء الفني، من يملك ذكاء فنياً لا يفعل بموهبته ما فعله حميدة، ولدينا عشرات الأمثلة على قيمة الذكاء الفني، يقف الفنان عمرو دياب على قمتهم.
المجموعة الثالثة: أنا ممثل كبير
محمود حميدة المولود عام 1953، والذي بدأ التمثيل من المسرح المدرسي ومسرح الجامعة، يملك ما لم يملكه غيره من الممثلين، وهي حالة عجيبة من البخل الفني. يدرك الفنان جيداً أن بعض الأعمال التي يقدمها أقل منه، ليست في مستوى مجموعة أفلام نادية الجندي، لكنها لا تستحق أن يبذل مجهوداً أو تحضيراً لها، فيقدم أداء متوسطاً لا يليق بموهبته. وتضم هذه المجموعة أفلاماً مثل: تلك الأيام، نوارة، يوم ما اتقابلنا، وقط وفار.
الفنان محمود حميدة يملك حضوراً ولا شك، لكنه وحده قادر على قتله عبر ذلك البخل الفني و"الاستسهال"، لدرجة أنه يشعرني أحياناً بأنه لا يحترم الكاميرا.
في النهاية، يبقى تقييم الممثلين خاضعا للذوق الشخصي، ومن حق كل متفرج أن يحب هذا ولا يحب هذا، بل ومن حقه أن يطلق ما شاء من الألقاب على من يحبهم من النجوم، لكن من دون أن يحاول فرضها على الآخرين.
محمود حميدة ممثل جيد، لكن تجربته السينمائية متوسطة القيمة، تضعه في نهاية طابور طويل يقف فيه نور الشريف ويحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي ومحمود عبد العزيز.
ربما لو تعاملنا معه على هذا الأساس لرأينا جديداً مع صاحب الموهبة الذي قرر أن يمثل من الوضع جالساً، لأننا لا نستحق.
(مصر)