عصا كم جونغ أون

26 ابريل 2017
+ الخط -
يصيبك الهلع، ويتملكك الذعر لو قابلته، لا تأمن عقابه المباغت غير المتكافئ للخطأ المرتكب، غير المتناسب مع الجرم المقترف. ليس خلوقاً هادئاً، لكنه قادرٌ على ما لا يتخيّله العقل السليم والفطرة السوية. ليس مجنوناً، إنّما هو قائد مطلق السلطات والصلاحيات، يتصرّف كما تتصرّف أنصاف الآلهة أو الآلهة.
إنه رئيس كوريا الشمالية، كم جونغ أون، الرجل الذي ورث العناد والعزلة والصلابة كابراً عن كابر، الجد كيم إيل سونغ والأب كم جونغ إيل، والحفيد كم جونغ أون.. وكأنك تشاهد فيلم الجزيرة للمخرج شريف عرفة، الجزيرة التي تتصف بالعزلة وصلابة قاطنيها وقوانينهم التي تختلف عن سائر العالم، ولا تعرف شيئاً عن دساتير الأسرة الدولية، ومواثيق الحقوق الإنسانية.
هو ليس فقط قائداً مارقاً متمرداً على الولايات المتحدة الأميركية التي طالما تطلب الخنوع والاستسلام والإقامة في بيت الطاعة الدولية، فلا تجد إلا النشوز والنفور، إنّما هو قائد امتلك أسباب قوة الانفصال والعزلة والتحدي وإعلان عدم الإذعان، لأنه يمتلك العصا الغليظة، عصا فتوات نجيب محفوظ، ففي الحارة المصرية وفي العلاقات الدولية، القوة خالقة الحق وحاميته، ومتى امتلكت أسباب القوة الصلبة ومقوماتها بات لك الحق في ممارسة ما يحلو لك ممارسته، وتستطيع أن تفسّر الإتفاقات الدولية والمواثيق العالمية والمعاهدات الإلزامية والبروتوكولات الكونية، كما يروق لك ويصب في مصلحتك، ولن يجرؤ أحد أن يفتح فمه، لأنّه يرى عصاك وقوتك ونبوتك. أما من اكتفى بالتوت ومفردات النعومة والخطابات الشعبوية الحنجورية التس تضحي أثراً بعد عين، أمام الضربات الجوية المباغتة، فلا يلومن إلا نفسه وكذبه عليها قبل أجهزته وشعبه!
عصا الولايات المتحدة وجزرتها لن ينفعا، ولن يعملا في كوريا الشمالية، لاختلاف الحالة وتعقّد المسألة وتعمّق الأزمة، ولأن الأقوياء يحترمون الأقوياء، فلا ينكسر إلا المنبطح المهزوم الذي سلّم زمام أمره لغيره، واعتمد على ما لا يجب الاعتماد عليه من مفرداتٍ غير ذاتية ومعطيات خارجية وتدخلات دولية.
في النهاية، لن يصح إلا الصحيح، وهو احترام العالم للقوي، على الرغم من كرهه وتمني فنائه وزواله، والاستهانة بالضعيف على الرغم من عدالة قضيته واستمرار عرى محبته وتقوية وشائج صداقته.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)