وكان أخنوش في أكثر من محطة حزبية سابقة غير مكترث بالصراعات داخل حزبه، حتى أنه جمّد عضويته في الهيئة السياسية عام 2012، بدعوى رغبته في التفرّغ لقطاع الزراعة والصيد البحري، بموجب حقيبته الوزارية. يغلب على الرجل "تكنوقراطيته" أكثر من إيديولوجيته الحزبية، التي تستند إلى الليبرالية الاقتصادية. فهو رجل ميدان أظهر قدرات كبيرة في تدبير حقيبة الفلاحة، ما جعل الملك يرتاح إلى أدائه، ويصطحبه معه في العديد من جولاته الخارجية، خصوصاً في القارة الإفريقية، لتوقيع اتفاقيات الشراكة المرتبطة بهذا القطاع. كما ساهم أداء وزراء "الأحرار" في تدعيم موقف أخنوش، الذي بات زعيماً للحزب أخيراً، بعد استقالة وزير الخارجية في الحكومة المنتهية ولايتها، صلاح الدين مزوار.
وفي الوقت الذي قرر فيه حزبا "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" المشاركة في الحكومة التي يحاول بنكيران تشكيلها بعد نتائج الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، بدأت أنظار المتتبعين والرأي العام الداخلي تتجه نحو موقف حزب "الأحرار". وبعد اصطفاف "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" مع رئيس الحكومة المكلف في فريقه المرتقب، احتدمت التصريحات بين بنكيران وأخنوش، الذي لم يألف هذا النوع من الاصطدامات السياسية، باستثناء ما حدث له في الحكومة السابقة من اختلاف حول من يشرف على صندوق تمويل تنمية العالم القروي بالمغرب. وتمحورت التصريحات حول تأكيد بنكيران أنه هو رئيس الحكومة الفعلي، لا شخص آخر، في إشارة إلى أخنوش، الذي اشترط التخلي عن حزب "الاستقلال"، وهو ما رفضه زعيم "العدالة والتنمية" بشدة. كما أكد أكثر من قيادي في "العدالة والتنمية" على أنه ليس من حق أخنوش التصرف كأنه رئيس الحكومة، على الرغم أنه حلّ في المرتبة الرابعة في الانتخابات بـ37 مقعداً فقط، ما دفع بنكيران إلى وصف "الأحرار" بـ"الحزب المعطوب".
وقد تلقّى أخنوش باستياء تصريحات بنكيران بخصوص وضعية "الأحرار"، وأيضاً في موقفه بشأن عدم التفريط في حزب "الاستقلال"، لأن زعيمه حميد شباط رفض "الانقلاب" على الشرعية الانتخابية بالاصطفاف مع حزب "الأصالة والمعاصرة" في فكرة مراسلة الملك بعدم قبول بنكيران رئيساً للحكومة.
أخنوش لم يجد بداً أمام تصريحات بنكيران التي كشف فيها كواليس مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً موضوع شروط "الأحرار" لدخول الحكومة، ومنها التخلي عن "الاستقلال" ودخول حزب "الاتحاد الدستوري" رفقته للحكومة، إلا أن يهاجم بنكيران بالقول إن "طريقته في المفاوضات تسيء لمؤسسة رئيس الحكومة ولباقي الفرقاء السياسيين".
واعتبر أخنوش أن من الصعب قبول المشاركة في الحكومة في خضمّ تصريحات يدلي بها بنكيران تحط من قدر حلفائه المحتملين لتشكيل التحالف الحكومي، وتساءل في هذا الصدد "هل بهذا الخطاب السياسي سنستمر بالعمل معاً خلال 5 سنوات من أجل خدمة الوطن؟"، قبل أن يؤكد أنه يرفض إضاعة الوقت في "الكلام الفارغ".
وبعد "القطيعة السياسية" التي حدثت بينهما في الأيام الاخيرة، لاحت بوادر إذابة الجليد بين الرجلين، بعد لقاء بينهما في مؤتمر المناخ الذي عُقد أخيراً في مراكش، وأفاد بنكيران بأن اللقاء العابر لم يذب كل الجليد، ولكنه على الأقل مهد الطريق لمتابعة المشاورات الحكومية.
وبعد أن وصف بنكيران حزب "الأحرار" بالمعطوب، وأبدى رفضه الشديد لشروط أخنوش، عاد ليتحدث عن كفاءة وزراء الحزب، بدليل مرافقة عدد من وزرائه للعاهل المغربي في جولاته الحالية إلى العديد من بلدان القارة الإفريقية. قبل أن يؤكد "تشبثه" بتمثيل "الأحرار" في الحكومة المرتقبة.
وفهم المراقبون من عبارات "الغزل" التي أطلقها بنكيران إزاء أخنوش وحزبه، بعد فترة جمود وفتور بين الطرفين، أن رئيس الحكومة المكلف ينتظر فقط عودة زعيم "الأحرار" من جولته برفقة الملك في بعض الدول الإفريقية، ليستكمل معه المشاورات الحكومية، ممنياً النفس بأن يتخلى عن شرطه الخاص بالتخلي عن حزب "الاستقلال".