عزوف الجزائريين عن الشراء ينسف "القرض الاستهلاكي"

25 اغسطس 2016
التقشف أرهق القدرات الشرائية للجزائريين (Getty)
+ الخط -
لا تكاد تخلو واجهة من واجهات محلات بيع الأدوات الكهرومنزلية أو الأثاث، أو مداخل المصارف في الجزائر، من اللافتات المروّجة للعروض المقدمة، في إطار "القروض الاستهلاكية" التي أطلقتها الحكومة مطلع العام الجاري لدعم المنتج المحلي، إلا أنه- حسب التجار- فإن الإقبال على اقتناء السلع من طرف الجزائريين لا يزال بعيدا عن تطلعاتهم.
يقول أحمد أوبريكة، وهو مالك محل لبيع الأدوات الأجهزة الكهرومنزلية في شارع "الحميز" المشهور في الجزائر، إنه متشائم من مستقبل هذا النوع من القروض، "فالقدرة الشرائية للمواطن تنهار يوما بعد يوم، حتى البيع بالتقسيط أصبح لا يغري الزبون". وأضاف لـ"العربي الجديد" أنه سيضطر إلى مراجعة الاتفاق الذي أبرمه مع البنك، حتى تتم مراجعة نسبة الفائدة.
من جانبه، أكد كمال بدر الدين، تاجر أثاث، أن عزوف المواطنين أصبح جليا، ففي الأسبوع الواحد يستقبل طلبا واحدا أو طلبين لاقتناء الأثاث عبر "القرض الاستهلاكي"، حتى عمليات الشراء العادية تقلصت، فالمواطن الجزائري أصبح يحسب ألف حساب قبل أن يشتري أي شيء، بفعل تدهور قدرته الشرائية وتراجع قيمة الدينار.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت، مطلع السنة الحالية، شروط الحصول على القروض الاستهلاكية، بعدما جمدت العمل بها عام 2009، للتحكم في الواردات وكذا مديونية العائلات، حيث حدّدت المنتجات الاستهلاكية المعنية بهذه القروض، كإجراء سيساعد المواطن الجزائري على تلبية احتياجاته، في ظل تراجع قدرته الشرائية بسبب تهاوي قيمة الدينار.
ومسّت هذه الشروط كل ما يُصنع أو يُركب في الجزائر من أجهزة إلكترونية كهرومنزلية، بالإضافة إلى الأثاث والهواتف الذكية والسيارات، على ألا يتعدى قسط السداد 30% من الدخل الصافي للشخص المدين شهريا، كما لا تتجاوز مدة 60 شهرا.
فيما تركت الحكومة الجزائرية تحديد نسبة الفوائد على القروض إلى البنوك الممولة لهذه الصيغة. هذه النقطة التي جعلت المواطنين يعزفون عن طلب قروض استهلاكية، حسب ما استقته "العربي الجديد" في جولة في شوارع العاصمة.
يقول محمد كبابي، وهو موظف في دائرة الضمان الاجتماعي، إنه لا يُعقل أن تكون نسبة الفائدة فوق 7% على الأجهزة والسلع المقتناة، بالتالي لا يمكن أن نحمي القدرة الشرائية للمواطن بتحويله إلى مستدين كبير.


من جانبها، أكدت نوال بلفار، والتي تشتغل في قطاع الاتصالات، أنها تنقلت هي زوجها عبر كافة البنوك المعتمدة بحثا عن عرض مغرٍ، إلا أنها اصطدمت بأرقام فوائد لا تقل عن 7%. وتضيف لـ"العربي الجديد"، وعلامة الحسرة بادية على ملامح وجهها، "حتى البنوك التي تصف نفسها بالإسلامية، وضعت شروطا تعجيزية على عروضها التي سوقتها على أنها قروض مرابحة".
وكان الجزائريون ينتظرون هذا النوع من القروض بشغف كبير، خاصة الطبقة ذات الدخل المتوسط، من أجل اقتناء سيارة، التي اشترطت فيها الحكومة أن تكون منتجة أو مركبة محليا، والتي تقتصر في الوقت الحالي على علامة واحدة هي لـ"رونو" الفرنسية.
إلا أن الأزمة التي يعيشها سوق السيارات، بالإضافة إلى نسبة الفائدة، جعلتا سعرها خارج مجال جيوب الجزائريين.
ويقول رياض مدني، موظف في شركة خاصة وأحد الجزائريين الذين خابت آمالهم في شراء أول سيارة له بعد أن تفاجأ بسعر السيارات، إنه أجّل حلمه إلى إشعار آخر.
ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن سعر السيارة "رونو سيمبل" التي وقع عليها اختياره، يبلغ حوالي 1.5 مليون دينار جزائري (حوالي 13 ألف دولار)، يضاف إلى ذلك نسبة الفائدة التي لا تقل عن 10% في البنوك الحكومية، وبين 12 و13% في البنوك الخاصة، دون احتساب الضريبة على اقتناء السيارات الجديدة التي وضعتها الحكومة الجزائرية.
كل ذلك يعني في نظر مدني، أنه سيشتري سيارة جزائرية الصنع أو التركيب من نوع فرنسي غير مرخص بيعه في فرنسا، بسعر سيارة ألمانية.
وكان خبراء مصرفيون في الجزائر قد توقعوا فشل "القروض الاستهلاكية" في إغراء الجزائريين، وفق الصيغة التي طرحتها الحكومة، في ظل تهاوي قيمة الدينار التي أثرت سلبا على قدرة المواطن الشرائية، إلا أنهم يؤكدون أن الحكومة مجبرة اليوم على التدخل مجددا لوضع ضوابط جديدة.
ويرى الخبير المصرفي والمستشار الحكومي، أمين بن صاولة، أن عزوف المواطنين كان منتظراً ومتوقعاً منذ البداية، ذلك لعدة عوامل، أولها نسب الفوائد، فكل قرض بنكي مرتبط بنسبة الفائدة مدى تأثيرها على سعر الشيء الممول، "فإذا كان جهاز كهرومنزلي مثلا سعره 50 ألف دينار (454 دولاراً) فإن سعره سيرتفع إلى حوالى 70 ألف دينار (636 دولاراً) بفعل احتساب نسبة الفائدة.
ويضيف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "الحديث عن الفوائد الربوية لم يعد ذا أولوية عند الجزائريين، بل المهم عندهم اليوم كيف يحافظون على قدرتهم الشرائية، فكل التخوفات حول الربا من عدمها زالت عند الجزائريين مقابل تخوفهم من انهيار بات وشيكا لقدرتهم الشرائية بفعل تهاوي قيمة الدينار".
من جانبه، أكد مدير مكتب الدراسات الاقتصادية "ايكو ايتود"، عمر شعبان، لـ"العربي الجديد" أن "انطلاقة القروض الاستهلاكية كانت عرجاء وفق دراسة لا تتماشى مع الواقع، حيث لم يتم مراعاة نسبة التضخم لا قيمة الدينار عند وضع آليات الاستفادة منه". وأضاف أنه إذا كانت الحكومة الجزائرية تسعى فعلا إلى حماية الإنتاج المحلي، فعليها إعفاء مثل هذه القروض من الرسوم الإضافية، حتى ينزل السعر المرجعي، بالتالي يكون القرض في متناول الجميع.

المساهمون