عريقات لـ "الجديد": المفاوضات ستفشل ومشعل وشلح مطّلعان عليها

10 فبراير 2014
+ الخط -

إنها عطلة نهاية الأسبوع في رام الله، لكن العمل في مكتب الدكتور صائب عريقات يجري كالعادة مثل أي يوم آخر؛ مساعدوه يحددون المواعيد ويطلعونه على آخر المستجدات، وعلى مكتبه تتناثر فناجين قهوة لاجتماعات لا تنتهي.

يتنقل عريقات بين مكتبه في حي متواضع بأريحا حيث مسقط رأسه وتسكن عائلته، وبين مكتب فاخر في مدينة رام الله حيث دائرة شؤون المفاوضات وفيه التقىت "الجديد" بمن يملك اسرار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية.

بدأ عريقات عمله محاضراً في العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، واستهل حياته السياسية عضواً في الوفد الفلسطيني المفاوض عام 1993، وهو اليوم يترأس دائرة المفاوضات ويعتبر كبير المفاوضين الفلسطينيين، اضافة الى أنه عضو في اللجنة المركزية لحركة "فتح".

عريقات مستاء من تناقل الصحافة العربية لما تنشره الصحافة الإسرائيلية، حيث أكد أن "الصحافة الإسرائيلية جزء من صنع القرار السياسي في إسرائيل، ونجحت في إثارة البلبلة ونشر الشائعات".

وعلى صعيد مقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فقد أكد عريقات "أن كيري لم يتقدم بأي شيء رسمي ومكتوب للقيادة الفلسطينية حتى اليوم.. وأنه لن يتم تمديد المفاوضات مع الإسرائيليين ولو لدقيقة واحدة بعد تاريخ 29 إبريل/ نيسان 2014". واسرائيل تفشل المفاوضات التي لم نتفق فيها على اي بند الى الآن.

وأوضح في خلال حواره مع "الجديد" أن "هناك هوة كبيرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأنه لم يتم التوافق على أي من قضايا الحل النهائي خلال اللقاءات مع الإسرائيليين التي امتدت من 29 يوليو/ تموز وحتى الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013".

وأضاف: "في حال فشل المفاوضات، فإن قرار القيادة الفلسطينية الذهاب إلى مؤسسات الأمم المتحدة جاهز، والأمر مسألة وقت ليس أكثر، لافتًا إلى أنه "يأخذ التهديدات ضد الرئيس عباس على محمل الجد" مؤكداً أن الفصائل الفلسطينية كلها، بما فيها حركتا "حماس" و"الجهاد"، تطّلع على تفاصيل سير المفاوضات.

وفي ما يلي نص المقابلة:

- ما هي آخر التطورات في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية؟

اليوم هو الثامن من فبراير/ شباط، وحتى هذه اللحظة، لم يقدّم الجانب الأميركي أي شيء رسمي. سمعتُ الكثير يقال هنا وهناك، فلسطينياً وإسرائيلياً وعربيّاً حول قبول أفكار كيري ورفض أفكار كيري. لكن ماذا نقبل وماذا نرفض، والرجل لم يقدم حتى هذه اللحظة ورقة رسمية تقول: إن هذا ما أطرحه.

المحادثات الجانبية مع الإسرائيليين توقفت منذ 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، ومنذ ذلك التاريخ، بدأ كيري يتحدث مع الرئيس محمود عباس وفريقه من جهة، ومع نتنياهو وفريقه من جهة ثانية. هذه المرحلة أسمّيها مرحلة استكشاف وبلورة ونقاش أفكار، ولكن حتى هذه اللحظة، لم يقدم كيري لنا أي شيء خطي ورسمي، لأنه في حالة تقديمه شيئاً خطيّاً ورسميّاً، فالقيادة الفلسطينية حينها ملتزمة بتقديمه إلى الأشقاء العرب في لجنة متابعة مبادرة السلام العربية برئاسة دولة قطر، ومشاركته مع الأردن ومصر وجميع الدول العربية. لكن حتى اللحظة، لم يُطرح على القيادة الفلسطينية شيء لتقدمه.

 

- لماذا لا يعلن للشعب الفلسطيني ما الذي يجري داخل أروقة المفاوضات؟

كيري يمنع التصريحات. هو المتحدث الرسمي باسمنا الآن. وحسب الاتفاق، فهو الوحيد الذي يتحدث. لكن حتى أكون صادقاً، فهذا غير مطبق؛ نحن نتحدث والإسرائيليون يتحدثون.

- لكن الإعلام الفلسطيني، وكذلك الشعب، مصادرهم الرئيسية في كل ما يتعلق بالمفاوضات هي الإعلام الإسرائيلي، مثل النقاط التسع التي يقال إن كيري طرحها، إذ قرأها الشعب الفلسطيني على مواقع عبرية، وغيرها الكثير!

الحقيقة أن 95 في المئة من السلوك التفاوضي الإسرائيلي يجري خارج طاولة المفاوضات، وهناك نقطة نريد أن نتحدث فيها بصراحة؛ وهي أنه إذا أعلنت أي وسيلة إعلامية إسرائيلية أي خبر، فإننا نجد أنه سيكون العنوان الرئيسي لكل صحف العالم العربي، وكل الناطقين بالضاد يأخذونه، وكأنه من المسلّمات.

لكن لنفرض أن صائب عريقات قال "إن نتنياهو وافق على تقسيم القدس"، بينما هو لم يوافق، فلن تنشرها أي صحيفة إسرائيلية. غير أنه لو قال مسؤول إسرائيلي إن صائب عريقات تنازل عن هذا وذاك، لأصبح الخبر الرئيسي لكل الصحف العربية.

نحن أمام سلوك تفاوضي إسرائيلي امتهن كل شيء، وهم يهددوننا عندما نجلس معهم ويقولون لنا "إننا أمة حديث الإفك"، وبالتالي، أرجو من الجميع توخّي الدقة والحذر وعدم استقاء معلوماتهم من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي هي جزء لا يتجزأ من صناعة القرار في إسرائيل.

أما الحديث عن النقاط التي طرحها كيري، فإنه لم يجر الحديث في أي يوم من الأيام عن نقل أي فلسطيني من أراضي 48 إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ولن نسمح بذلك، ولم يتم الحديث عن تأجير أراضٍ أو عدم تأجير، ولم يجر الحديث عن أي من الصيغ التي أقرأها في الصحافة الإسرائيلية، التي هي عبارة عن بالونات اختبار، وعندما ينشرها أي صحافي، يصبح عملي أن أنفيها.

كيري هو المتحدث الرسمي باسم الجانب الفلسطيني الآن!

- لكن هذا بسبب غياب الرواية الفلسطينية؟

الرواية الفلسطينية موجودة، والدليل أنني أُجري لقاءً معك الآن، وهناك نكتة تقال عني، وهي أنني "بقي أن أظهر في قنوات الكرتون"! الموضوع أعمق من ذلك. صدقيني.

أقرأ وأضحك عندما أرى في أخبارهم "حسب مسؤول فلسطيني"، وهم يقرّون بذلك عندما يقولون: "مش فاتحين جمعية خيرية"، أي أنهم يستخدمون الإعلام.

 تخرج وسائل إسرائيلية بحملات تشويه مثل القول إن أمي يهودية، وزوجتي أميركية، أو تربطني علاقة جنسية مع تسيبي ليفني، أو زوجتي تاجرة أراض.. كل هذه التشويهات قرأتها في صحف عربية من دون أن يسألني أحد. عشرات الشائعات يوميّاً. إسرائيل تحاربنا وتحاول إضافة ضعف إلى ضعفنا، لكن هذا سلوك إسرائيلي متوقع، فماذا نتوقع من احتلال يقوم بجرائم حرب؟، أفهم أن هناك من هو ضد عملية السلام والمفاوضات، لكن لا يجوز أن تستخدم أدوات إسرائيلية ضدنا كأشخاص ومواطنين فلسطينيين نسعى لمقاومة إسرائيل القوية التي توظف العالم كله لخدمتها.

- استياؤك من الإعلام العربي واضح؟

على العكس، أنا إنسان ديموقراطي، أحترم الإعلام القائم على المهنية والدقة والموضوعية، لكن الكذب والتشويه أمر صعب، الدقة ضرورية، وعدمها يؤدي إلى الانحطاط، وحرية الصحافة لا تعني نشر أنصاف الحقائق.

- إذًا، المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي استمرت من 29 يوليو/ تموز وحتى الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين. ألم يتم التوافق على أي من قضايا الحل النهائي؟

لقد تبين لنا وجود هوّة عميقة تفصلنا عن الإسرائيليين في قضايا القدس، والحدود، واللاجئين، والمستوطنات، والمياه، والأمن، والإفراج عن الأسرى.

- ألم يتم التوافق على أي قضية؟

لا. هناك هوة عميقة بيننا وبين الإسرائيليين في كل القضايا، ولم ينته أي ملف معهم.

- لكن كيري قال للقيادة الفلسطينية والمسؤولين الإسرائيليين: أرسلوا لي تعليقاتكم، وحتى تحفّظاتكم، خطيّاً؟

كيري لم يعطنا شيئاً مكتوباً ورسميّاً، وهذا سلوك تفاوضي للدول العظمى، لكنني قلت له: أنا لا أتعامل إلا مع شيء رسمي، وأنت لم تطرح أي شيء رسمي لأقول نعم أو لا.

ونحن أرسلنا لكيري أموراً خطية، حيث أرسل الرئيس محمود عباس رسالة خطية له في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2013، وفي الرابع من يناير/ كانون الثاني 2014، وأرسل أيضاً رسالة لأعضاء الرباعية سلمتُها لهم شخصيّاً، وزيرة الخارجية الاوروبية كاثرين أشتون والامين العام للامم المتحدة بان كي مون في ميونيخ في 31 يناير/ كانون الثاني 2014. وقد أكدنا في الرسائل أنه لا معنى لأن تكون فلسطين من دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، والقدس الشرقية هي ستة كيلومترات مربعة تشمل المسجد الأقصى والبلدة القديمة وكنيسة القيامة، والمصرارة، وغيرها، أي الحدود التي كانت قبل الاحتلال الإسرائيلي في الرابع من يونيو/ حزيران 1967 لمدينة القدس.

وقال ابو مازن في رسائله الثلاث للرئيس الأميركي باراك أوباما، ولوزير خارجيته كيري وللرباعية: لا معنى لأن تكون فلسطين من دون القدس الشرقية عاصمة لها. وأكد عدم قبوله الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، ليس لأننا ضد اليهودية، بل لأنّ ذلك معناه أن نقوم بتغيير تاريخنا وتراثنا ونغيّر قصتنا، ولن نفعل ذلك. نحن اعترفنا بدولة اسرائيل كما هي مسجلة في الأمم المتحدة تحت اسم دولة إسرائيل.

أما بالنسبة إلى اللاجئين، فقد قلنا إنه لم يجر تفويضنا من أي لاجئ للحديث عنه، أو نفاوض عنه. اللاجئ الفلسطيني أصبح كذلك بفعل ما قامت به إسرائيل وليس بفعل كارثة طبيعية، وبالتالي، عليها أن تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية كاملة، وعندما تقرّ إسرائيل بذلك، فسيتم حل قضية اللاجئين عبر آلية من الأمم المتحدة على أساس قرار 194 (العودة والتعويض).

أما بالنسبة إلىلبقاء مستوطنين على أرض فلسطين، فلن يسمح ببقاء أي مستوطن، لأنه مجرم حرب، والاستيطان جريمة حرب.

وعندما يقول نتنياهو عنا إننا دولة عنصرية، فسنرد عليه بأننا في مؤتمر فتح السادس عام 2009، انتخبنا اثنين من اليهود في المجلس الثوري لحركة فتح هما إيلان هليفي، وأوري ديفيس. لسنا ضد اليهودية، بل نحن ضد المستوطنين، لأنّ تعريفهم بحسب وثيقة جنيف مجرمو حرب.

هناك هوة كبيرة تفصلنا عن الاسرائيليين في مختلف قضايا الحل النهائي ولم نتفق معهم على نقطة واحدة

- ماذا عن الممر الآمن بين الضفة وقطاع غزة؟

المطلوب ممرّ آمن بين غزة والضفة، على اعتبار أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية من دون أن يكون قطاع غزة جزءاً منها، والمياه تُحل وفقاّ للقانون الدولي.

رسائل الرئيس عباس غطّت القدس، واللاجئين، والحدود 1967، وسيادة فلسطينية كاملة، ونحن لا نمانع وجود قوات دولية على أراضينا، ففي كل مناطق الصراع هناك قوات دولية، الخطر الذي نتوقعه من الغرب، أي من جهة إسرائيل وليس من الشرق كما تقول إسرائيل، وذلك نظراً لتنامي التطرف في صفوفها، لا سيما الذين يفوزون في الانتخابات، وهذا ينبئ أن هذه الدولة تتجه نحو العنصرية والتطرف، ولذلك نحن نطالب بوجود قوات دولية على أرضنا، لأن من يجب أن يوفر له الأمن ليس دولة فيها 3000 دبابة، و2000 طيارة حربية، وسلاح نووي؛ بل الشعب الفلسطيني.

- تردد الكثير أيضاً عن تبادل للأراضي بين الفلسطينيين وإسرائيل في إطار الحل النهائي؟

نعم، لقد ورد في المحادثات، وهذا أمر شائع بين الدول، السعودية والأردن تبادلتا 29 ألف كيلومتر مربع عام 1965، وكذلك فعل العراق والأردن عام 1983، ودول غربية أخرى، لكن حتى يتم التبادل، يجب أن تكون الدول ذات سيادة كاملة، ونحن قلنا للأميركيين إنه عندما تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، نستطيع الحديث عن تبادل أراضٍ، لسنا ضد المبدأ، لكن لا نستطيع الحديث عنه قبل أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين على حدود الـ67. وكل ما يتم التوصل إليه مع كيري سيُعرض على استفتاء للشعب الفلسطيني، والشعب مخوّل الموافقة او الرفض.

- بما أن الوقت ينفد ولم يتم التوصل إلى شيء بعد، فهل بات تمديد المفاوضات أمراً مطروحاً؟

 المفاوضات التي اتفقنا مع كيري عليها، هي مفاوضات لمدة تسعة أشهر، تنتهي في 29 ابريل/ نيسان 2014، ولن نمدد يوماً إضافيّاً، على أن تشتمل هذه المفاوضات على حل شامل يطال كل قضايا الحل النهائي كاملة، فلا حلول انتقالية أو مرحلية. اتفقنا على أن نمتنع عن الذهاب إلى مؤسسات الأمم المتحدة لمدة تسعة أشهر، مقابل أن تفرج إسرائيل عن 104 أسرى، وهذا ثمن باهظ دفعناه، لكن أقول إنه ثمن مستحق، لأن الشعوب التي تحترم نفسها تخوض حروباً من أجل حرية أبنائها، وهذا معروف عبر التاريخ.

- هل تتوقع توقيع اتفاقية الإطار التي طرحها كيري في مارس/ آذار؟

لا نعرف. قلت إننا لم نتسلم شيئاً مكتوباً من كيري حتى الآن، إلا إذا قدم شيئاً جديداً في مارس/ آذار، فبالتأكيد لن نفشله. نحن معنيون بإنجاح المفاوضات، وأكثر من سيخسرون من فشل كيري هم نحن.

- ما هي الخيارات في حال فشلت المفاوضات؟

القيادة الفلسطينية تعمل وفق إستراتيجية. لقد أقرّت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مجموعة من القرارات في حال أفشلت إسرائيل هذه المفاوضات، وهي تفشلها. فالذي يقيم عشرة آلاف وحدة استيطانية، ويقتل 41 فلسطينياً ويدمّر 219 بيتاً، ويكثّف حصار غزة، ويعتدي على المسجد الأقصى منذ 29 يوليو/ تموز حتى اليوم؛ معنيّ بتدمير جهود كيري. عندما تفعل إسرائيل ذلك، فسيكون معنا الحق بالذهاب إلى المؤسسات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية. والذي يخشى من محكمة جرائم الحرب، عليه ألّا يرتكب جرائم.

عندما تفعل إسرائيل ذلك، فسيكون معنا الحق بالذهاب إلى المؤسسات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية. والذي يخشى من محكمة جرائم الحرب، عليه ألا يرتكب جرائم.

- في اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح أخيراً، طالبت بالذهاب إلى الأمم المتحدة، وتم التصويت بالموافقة من الأغلبية، لكن الرئيس عباس صوّت ضدك؟

نعم هذا صحيح. لقد صوّت 13 من "مركزية فتح" مع الذهاب إلى الأمم المتحدة، وأربعة أصوات، بمن فيهم الرئيس عباس، كانوا ضد الذهاب إلى الأمم المتحدة، وهذا يعني أن حركة فتح حركة ديموقراطية وأن الشعب الفلسطيني لا يرى ولا يسمع بعين وأذن حاكمه. الرئيس محمود عباس قائم على السلطة وليس صاحبها. حركة فتح طرحت هذا الأمر وكان التصويت، وبعد ذلك تم التوافق على أن يذهب الأمر إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهناك تم تشكيل لجنة سياسية لبحث الموضوع.

وقال لي الرئيس: "هل أنت مستعد أن تذهب للمؤسسات الدولية وتتنازل عن 30 أسيراً سيطاق سراحهم في 29 آذار القادم؟ إذا تحملت المسؤولية الشخصية، فاذهب للمؤسسات الدولية".

- يعني أنكم لن تذهبوا للأمم المتحدة إلا بعد إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى؟

لدينا قرار بالذهاب إلى الأمم المتحدة بعد 29 إبريل/ نيسان 2014، والموضوع مسألة توقيت ليس أكثر.

- هل يزعج المفاوض الفلسطيني وجود فصائل فلسطينية تعارض المفاوضات وخصوصاً حماس؟

أنا أعرف تماماً أنّ من حق كل فلسطيني أن يعبر عن موقفه السياسي وفق الإجراءات القانونية الواجبة الاتباع. خلافي مع حركة حماس أننا عندما نختلف يجب ألا نلجأ إلى صناديق الرصاص، بل صناديق الاقتراع. الخلاف مع كل الحركات السياسية الفلسطينية مشروع، ولديهم الحق في رفض المفاوضات أو الموافقة عليها، ومعارضة قرارات الرئيس.

- لكن المراقب للشأن الفلسطيني لا يلحظ معارضة حقيقية على الأرض؟

لا. هناك معارضة حقيقية على الأرض، وتعكس نفسها. أنا أجتمع مع المعارضة الفلسطينية وأتحدث مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والأمين العام للجهاد الإسلامي رمضان شلح، وقيادة الجبهة الشعبية، والجبهة الديموقراطية، وأزوّدهم بتقارير حول سير المفاوضات، ولدي اجتماعات مع المؤسسات غير الحكومية الفلسطينية لأطلعها على سير المفاوضات. هذا حق الشعب الفلسطيني عليّ.

- إذًا، "حماس" على اطلاع دائم على سير المفاوضات؟

"حماس" جزء من الشعب الفلسطيني ولا نستطيع إقصاءها، وأنا أُطلع خالد مشعل على كل ما يجري. هذه تعليمات الرئيس.

- أظهر أكثر من مسؤول أردني رفيع في خطابات رسمية مخاوف من أن يفاجأ الأردن بأوسلو جديدة. ماذا تقول؟

الأردن صاحب مصلحة في الأمن والحدود واللاجئين والمياه والمقدسات، وبالتالي، نحن لدينا لجنة مشتركة مع الأردن. ولا نتسلم ورقة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، إلا بعد عرضها على الأردن، ولا نسلّم ورقة، إلا بعد عرضها على الأردن.

لدينا أعمق تنسيق مع الأردن ومصر، ولدينا لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، حيث يقوم الرئيس شخصيّاً بإطلاعهم وتسليم الأوراق لخالد العطية وزير خارجية قطر بصفته رئيس اللجنة، ولنبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية.

- زيارة مسؤول الملف العربي في منظمة التحرير عباس زكي للأردن الشهر الماضي كانت في إطار تطمينيّ للقيادة الأردنية، أليس كذلك؟

الأردن ليس بحاجة إلى تطمينات. الرئيس يلتقي الملك الاردني عبد الله الثاني دائماً، وأنا على اتصال دائم مع وزير الخارجية الاردنية ناصر جودة، ومع رئيس الديوان الأردني فايز الطراونة يومياً. الأردن صاحب مصلحة أكيدة، وهو على اطلاع تام على يحدث بيننا وبين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، هذه ملفاته كما قلت، لكن من يتفاوض عن القدس واللاجئين والحدود هو منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يوجد مبرر لأي مخاوف، والملك عبد الله حريص على إقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967.

- ماذا عن اتفاقية قناة البحرين لربط البحر الميت بالبحر الأحمر والتي تم توقيعها من قبل الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية في ديسمبر/ كانون الأول 2013، هل كنا طرفاً في هذه الاتفاقية منذ البداية؟ أم ذهبنا نزولاً عند رغبة الأردن كما قال أكثر من مصدر؟

نحن كنا طرفاً في هذه الاتفاقية، لأننا دولة مشاطئة، ولنا حدود في البحر الميت تصل إلى 37 كيلومتراً. توقيع هذا الاتفاق يعني اعترافاً رسميّاً إسرائيليّاً بأن فلسطين دولة مشاطئة، في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل أن نأخذ متراً واحداً على شاطئ البحر الميت حتى الآن، لكن عندما يجري توقيع مثل هذه الاتفاقية الدولية حول البحر الميت وتكون فلسطين طرفاً فيها، فسواء شاءت إسرائيل أم أبت، فقد تم إقرار أن فلسطين دولة مشاطئة للبحر الميت.

ولا نتسلم ورقة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، إلا بعد عرضها على الأردن، ولا نسلم ورقة، إلا بعد عرضها على الأردن.

- إلى أي مدى يعتبر موضوع المصالحة الفلسطينية عاملاً قويّاً في دعم المفاوض الفلسطيني؟

المصالحة لا علاقة لها بالمفاوضات، لكنها تعتبر أهم نقطة ارتكاز للشعب الفلسطيني، ومن دونها، نحن في مصيبة. الآن نتنياهو قد يضع خمس فرق عسكرية حتى يحافظ على هذا الانقسام، لأنه في كل خطاباته في العالم يقول "مع من أصنع السلام؟ مع الضفة أم غزة؟".

علامَ نقتتل ونقتسم، القدس والضفة وقطاع غزة مناطق محتلة، والمطلوب الآن تحقيق مصالحة وطنية، بالعودة إلى صناديق الاقتراع وإرادة الشعب الفلسطيني. "حماس" يجب أن تفهم أن فلسطين والقدس لن تكونا قرباناً يقدَّم في معابد التمحور السياسي في المنطقة، فلسطين والقدس أهم من كل عواصم العرب والمسلمين، وفلسطين هي القضية الأولى لكل عربي شريف.

- هل تتوقع حرباً عسكرية إسرائيلية قريبة على قطاع غزة؟

أنا أنظر لتهديدات نتنياهو بجدية عالية جدّاً، والاعتداءات على قطاع غزة مستمرة يومياً، سواء على صعيد الضربات العسكرية أم الحصار أم محاربة القطاع بالكهرباء والدواء، لذلك يجب أن نسرع في المصالحة.

- هل تضغط السعودية على القيادة الفلسطينية دبلوماسيّياً لإنجاز الاتفاق مع إسرائيل ومن ثم تستطيع أن تقوم بتحالفات في المنطقة ضد إيران؟

ليس صحيحاً. أنا أستغرب من أي أقوال تحاول المسّ بالمملكة العربية السعودية أو قطر. أثمّن عالياً ما تقوم به السعودية من أجل القضية الفلسطينية، فهي لم تبخل علينا بأي شيء، وبعيداً عن الصعيد المالي، حيث تفي السعودية دائماً بالتزاماتها المالية نحونا، فعلى الصعيد السياسي، وظّفت السعودية كل ثقلها لدعم القضية الفلسطينية، وكذلك كل دول مجلس التعاون الخليجي.

وهنا لا بد من ذكر قطر أيضاً، فعندما كنا نُعدّ للذهاب إلى الأمم المتحدة، وفّر لنا وزير الخارجية القطري خالد العطية أهم العقول القانونية في العالم، حيث اجتمعت بهم في سفارة قطر في لندن على مدار ثلاثة أيام، وقدموا كل ما يمكن تقديمه في شهر سبتمبر/ أيلول 2012 قبل ذهابنا إلى الأمم المتحدة.

الوزير العطية قاد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية خمس مرات في اجتماعاتها مع الوزير كيري منذ أن بدأت المفاوضات، ويطرحون مواقف داعمة لكل ثوابت القضية الفلسطينية من القدس واللاجئين والحدود ورفض المستوطنات.

- كل يوم نسمع تهديدات إسرائيلية جديدة ضد الرئيس محمود عباس. هل هي جزء من الضغط على القيادة الفلسطينية أم تهديدات جدية؟

لو جاءت "الأم تيريزا" رئيسة للشعب الفلسطيني، وجاء "مونتيسكو" رئيساً للبرلمان، و"توماس جفرسون" رئيساً للوزراء، وتمسّكوا بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين؛ لاعتبرتهم إسرائيل إرهابيين وغير شركاء. الأسطوانة المشروخة نفسها التي سمعناها ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات تتكرر ضد الرئيس محمود عباس اليوم، وأنا آخذ هذه التهديدات على محمل الجد.

بدأت وسأنتهي أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، لكن الآن لا أستطيع أن أستقيل وأترك المكتب. أنا بانتظار أن يعين الرئيس من يتسلم الملف بعدي.

- هل لا تزال مصرّاً على استقالتك كمسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية؟

استقالتي قائمة، أنا لا أسيّر أعمال المفاوضات، أنا قائم على عملي إلى أن يأتي بديل ليتسلم هذا الملف.

شعب فلسطين مليء بالكفاءات، ولديه أفضل مِن صائب عريقات، آن الأوان لأن أذهب في طريقي وأعود إلى مكاني الطبيعي كأكاديمي. بدأت وسأنتهي أستاذاً للعلوم السياسية في "جامعة النجاح الوطنية"، لكن الآن لا أستطيع أن أستقيل وأترك المكتب. أنا بانتظار أن يعيّن الرئيس من يتسلم الملف بعدي.