عراكات كرة السلّة اللبنانية: عنف النخبة

02 مارس 2015
لحظة انقضاض لاعب الرياضي على لاعب الحكمة (عن اليوتيوب)
+ الخط -

"يلّي حطّ هالراس عالرقبة هوّي بسّ بشيليها"، بهذا التعليق ندخل عالم مدرجات كرة السلة اللبنانية. اللعبة التي حقّقت إنجازات دولية للبنان أكثر من اللعبة الشعبية الأولى، "كرة القدم".

والخوض في الفروقات بين اللعبتين لا يخرج من إطار المتعارف عليه أساساً. لا مقارنة بين مدخول لاعبي السلة ولاعبي كرة القدم. لا مقارنة بين الدعم المادي للأولى على حساب الثانية. جماهيرياً تحظى السلّة بحشد مقبول مقارنة بأحجام جمهور الكرة... فباستثناء نادي النجمة الرياضي العريق، يكاد جمهور الكرة أن يختفي من الملاعب. 

جمهور السلّة في أغلبه يضمّ طلاب الجامعات الخاصّة وشرائح مختلفة من النخب. لا مضاضة في الخوض هنا بين الفروقات الاجتماعية التي تفصلهم عن جمهور الكرة الشعبية. لعبة السلّة تحتاج أساساً إلى إمكانات لا تتوفر بالمبدأ في لعبة القدم. إداريو كرة القدم أيضاً، من جهاز فني وغيره، هم أبناء اللعبة. هم ظاهرة اللاعب الفقير الذي تدرّج في اللعبة داخل الحَوَاري ثم الملعب وصولا إلى الإدارة. يحاولون طوال مدّة تدرّجهم هذه إلى إضفاء أو إسقاط مصطلحات لا تشبه اللعبة، ضمن محاولة نابعة من توقهم إلى القفز باللعبة إلى شكل جديد. شكل يطيح بما يشاع عنها بأنّها مصدر الحساسيات الطائفية والمذهبية والشغب. كلّ ذلك كي يستعيدوا بعضاً من الجماهير التي تركت المدرجات. فهم يحاولون، لكن "الصيت" أقوى. الصيت لكرة القدم والفعل في مكان آخر: إنّها مدرجات كرة السلّة.


يهرع إداريو الكرة إلى الاتحاد والإعلام في الآونة الأخيرة، لإصلاح المشكلات التي تشهدها ملاعبهم بين الفينة والأخرى. ترى الفرق تهرع في زيارات ودية متبادلة بغية رأب أيّ صدع جماهيري: "البلد ما بيحمل". هكذا تسري تلك الجملة بعد كل إشكال. شيئا فشيئا أصبح جمهور كرة القدم متقبّلاً لتلك الجمل السحرية.

طوال مدّة الأزمة السياسية اللبنانية أحسّ هذا الجمهور بفداحة خسارته. الأغلبية منه، ذات الإمكانات المتواضعة، كادت تفقد متنفسها الوحيد. إذ يبلغ سعر بطاقة الدخول "3.20" دولارات أميركية فقط. بأقلّ من أربعة دولارات يمكن أن تشاهد المباراة.

لكنة لاعبي كرة السلة لا تشبه لكنة لاعبي كرة القدم. تلك النزعة البرجوازية في الخطاب الإداري في أندية السلّة لا تشبه الخجل الذي يبديه لاعب كرة القدم، لا سيما الناشئين الذين يظهرون للمرة الأولى في الإعلام.

و"الطوشة" التي يفتعلها الإداريون في كرة السلة لا تشبه الإفلاس الإعلامي الذي تعاني منه كرة القدم. لكنّ الأكيد أنّ تلك النزعة الشوفينية التي تغلب على طباع إداريي ولاعبي السلّة، بعد الإشكال الأخير، بدت أشدّ عنفاً وأكثر بثّاً للكراهية بين الجمهور، من غيرها. 

يكفي أن يدخل أحدنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي أمس واليوم بعد العراك بين جمهوري فريقي الرياضي والحكمة. مسؤولو وناشطو الناديين أطلقوا حرباً ضروساً بعد مشهد رآه اللبنانيون كلّهم بعيونهم: لاعب من فريق الحكمة يضرب لاعباً آخر من فريق الرياضي، فلا ينتظر الأخير الحكم أو الاتحاد. بل يهمّ لاعب الرياضي علي محمود بضرب خصمه ويجيّش فريقه وجمهوره.

هنا ترى إداريي النادي الرياضي يطوّقون الشاشات دفاعاً عن لاعبهم. الفريق الآخر يدافع أيضاَ عن لاعبه. لا تنازل، ولا تراجع. خطابات عنيفة. تتفلت الأمور لترتدي صبغة طائفية. فلا يتحرك إداريّ من الناديين لردع ذلك. يتمسّكون بأخطائهم ويبدأون ببثّ كلام من قبيل: "لاعبينا ما بينطالوا"، "نحنا منكسّر روس"، يبادلها الطرف الآخر بجمل مثل: "ناطرينكن بملعبنا"، "دواعش كرة السلّة". تنتشر تلك الجمل على الشاشة لتحريض يكاد يفتك كليّاً بهدوء أيّام العطلة.

نستيقظ في اليوم التالي على سؤال أعمق من الواقع الحالي. سؤال يجرّنا إلى أصل تلك التركيبة اللئيمة للبلد، ويندثر تدريجياً. فقراء الكرة مشكلتهم منهم وفيهم. تنتهي بعصا الشرطة. أما المعنيون بكرة السلّة فمشكلتهم بحجم بلد. يديرون الإشكال الذي لا ينتهي إلا باتصالات الزعماء.

إشكال كرة السلّة النخبوي أشدّ عنفاً ومضاضة من مشاكل كرة القدم. لأنّه "عنف النخبة"، أو من يفترض أنّهم "النخبة". 

المساهمون