عدالة كورونا وعنصرية خالتي قماشة

03 ابريل 2020

حياة الفهد.. طالبت بطرد الوافدين في الكويت إلى الصحراء

+ الخط -
كأن فيروس كورونا هب من كل رياح الأرض ليكشف ما في بيننا، نحن بني البشر، من أوبئة كامنة، ويعرّي ما في دواخلنا من أمراض وعلل مزمنة، ليس أبشعها داء العنصرية المستشري، وقد كشّر عن خلاياه المتفشية في خلاياهم البشرية، يتساوى في ذلك رئيس الدولة الأكثر تقدّماً وتقدمية في العالم، أقصد هنا دونالد ترامب، وهو يُصرّ على وصف الجائحة بـ"الفيروس الصيني"، مع ممثلة كويتية تطالب بطرد المقيمين من بلدها، لأنهم باتوا عالة على المجتمع، وعبئا على المستشفيات. 
نعم، صادم ما صدر عن حياة الفهد، عندما طالبت في مداخلةٍ هاتفية مع برنامج "أزمة وتعدّي"، المُذاع عبر فضائية "ATV" الكويتية، بترحيل الوافدين والمصابين بفيروس كورونا من غير الكويتيين إلى بلادهم. لاقت تفوّهات الممثلة النجمة استنكاراً واسعاً في الأوساط الكويتية، لأنها لا تعبّر عن الكويتي الذي تأبى أخلاقه وقيمه وشيمه بتاتا أي طرد للوافدين إلى البر (الصحراء)، كما صرخت حياة الفهد، قائلة بلهجة غاضبة: "إحنا ملينا خلاص، وما عندنا مستشفيات، وعلى شنو ديارهم ما تبيهم واحنا نبتلش فيهم .. إحنا وصلنا لمرحلة إننا ملّينا خلاص، اطلعهم واقطهم برا والله، واقطهم بالبرّ.. أكلوا الخير ولعبوا واستأنسوا بس يروحون (يخرجون)". الطريف في الموقف، على مرارته، أن ما كالته أم سوزان من غضب كان بسبب بيع أحد الوافدين الممثلة ذات يوم خيشة (كيس) بصل بنحو 12 ديناراً كويتياً، واصفة ما حدث بأنه كما شراء المخدّرات. سقطت "خالتي قماشة" في مستنقع العنصرية بهذا الهذيان الذي لا يليق بممثلةٍ قديرة، لها من الرصيد الفني، ومن المعجبين والمحبين، ما يكفي لجعلها إنسانة أولاً، تعي أن الفيروس الصغير لا يفرّق بين ضحاياه، يتساوى في ذلك الغني والفقير، المواطن والوافد.
إناء زعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، نضح كذلك بما فيه من فيض العنصرية، عندما دعا في كلمة متلفزة ألقاها من مقرّه في معراب، الحكومة اللبنانية إلى إغلاق المخيمات الفلسطينية والسورية، كإجراء احترازي لمنع تفشّي فيروس كورونا، وكأن مخيمات اللاجئين مصدر الوباء وتجب محاصرتها. لا يخفى، طبعاً، أن هذا القيح ليس جديدا على "الحكيم"، قائد القوات اللبنانية، اليمينية، صاحب التاريخ العنصري المليء بصفحات دموية لم يطوها النسيان بعد.
ألا يرى المرضى بداء العنصرية كيف أن الفيروس أقلّ عنصرية منهم، لا يُفرق في إصاباته بين عربي وأعجمي، بين أبيض وأسود، بين غني وفقير، بين فحمة وفرقد. أصاب رئيسي الوزراء في بريطانيا وكندا، بوريس جونسون وجاستن ترودو، وحجرهما في منزليهما. أصاب الفيروس وزراء في حكومات الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، ولم ينج منه خافيير سولانا الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وملك النرويج هارالد الخامس وزوجته. لم يفرّ من الإصابة بالفيروس العادل رؤوس الدولة في إيران، بدءاً من عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، محمد مير محمدي، إلى مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، ونائبة الرئيس لشؤون المرأة، معصومة ابتكار، ونائب وزير الصحة، إيرج حريرجي. ألم تر حياة الفهد أن الفيروس لا يجامل الممثلين، فأصاب الممثل الأميركي توم هانكس وزوجته الممثلة والمغنية ريتا ويلسون. ولا يداهن نجوم الرياضة، فضرب مدرب فريق أرسنال الإسباني ميكيل أرتيتا، ولاعب فريق تشلسي كالوم هادسون - أودوي، ولاعب فريق يوفنتوس الإيطالي، دانيال روغاني.
ليت الخالة حياة الفهد، بدلاً من "مسح تاريخها الفني بهذا التصريح" العنصري، سكتت، أو قالت ما قالته النجمة العالمية مادونا لما ظهرت عارية تمامًا، ربما في إشارة إلى تعرّي البشرية أمام فيروس تافه: "كورونا جعل الجميع متساوين، لا يهم كم أنت ثري، كم أنت مشهور، كم أنت مضحك أو مُبك، كم أنت ذكي، أين تعيش، كم عمرك .. هذا الفيروس جعلنا جميعًا متساوين".
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.