واصلت عجلة الإساءة لدستور 2014 الدوران، مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي لرئاسة الجمهورية المقرر أن يتم منتصف العام 2018، في ظل محاولات من جانب النظام المصري لعدم إجراء تلك الانتخابات، في ظل خشيته من تراجع كبير في شعبيته في الشارع المصري، وهو ما دفعه لتحريك ما يسمى بالأذرع الإعلامية لتمهيد الشارع لتعديلات دستورية، تشمل زيادة مدة الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات حالياً.
وجاءت آخر التأكيدات من جانب وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي، اللواء يحيى الكدواني، في مجلس النواب، والذي شدد، في تصريحات صحافية، على موافقة غالبية أعضاء البرلمان على مقترح تعديل الدستور حال تقديمه إلى المجلس، مؤكداً، في الوقت ذاته، ضرورة "مدّ فترة الرئيس لعامين آخرين لتصبح 6 سنوات، لعدم وجود شخص مؤهل لقيادة مصر في الوقت الحالي، يمكن الثقة به لتولّي زمام الأمور غير الرئيس عبد الفتاح السيسي"، بحسب تعبيره. وأضاف الكدواني "أؤيد الفكرة، فهي منطقية ولها أسباب وجيهة، لأن الدولة لا تستطيع تحمل نفقات إجراء انتخابات رئاسية كل 4 سنوات، في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها والأعباء الكبيرة التي تتحملها، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية التي تعيشها واستمرار مواجهة العناصر الإرهابية". واعتبر أنه "سيتم استغلال أحداث الانتخابات في إثارة القلاقل، ونحن في غنى عن هذا كله". ورأى "ضرورة إعطاء الفرصة كاملة للرئيس عبد الفتاح السيسي لاستكمال مشروعه، خصوصاً أنه يعمل على قدم وساق، وما يأخذ 3 سنوات من مشاريع طرق وأنفاق ينفذه في سنة واحدة، فهناك إنجازات كثيرة نريد أن يتممها بالفعل، منها العاصمة الإدارية الجديدة".
المبررات التي ساقها الكدواني، صاحب الخلفية العسكرية، جاءت مطابقة لما صرحت به مصادر سياسية مصرية مقربة من دوائر صناعة القرار منذ عدة أشهر لـ"العربي الجديد"، مؤكدة أن هذه المبررات يتم التجهيز لها في إطار حملة إعلامية ضخمة سيقودها الإعلاميون الأبرز على الساحة للتمهيد لتعديل الدستور وإطالة مدة الرئاسة. "العربي الجديد" عادت وتحدثت إلى تلك المصادر، في ظل تزايد الهجوم الإعلامي على دستور 2014 من جانب محسوبين على النظام الحالي، والتي جزمت بدورها بعدم إجراء انتخابات رئاسية في 2018 وفق ما هو مقرر بنص الدستور المصري، الذي حدد مدة رئاسة الجمهورية. وقالت المصادر إن "مسألة إطالة مدة الرئيس متخذ قرار بشأنها منذ السنة الأولى لولاية السيسي التي بدأت منتصف 2014"، مضيفة "كان الأمر يحتاج إلى وقت لتعديله، وخصوصاً أن السيسي وقيادات المجلس العسكري كانوا مجبرين على القبول بدستور 2014 وكذلك القبول بمشاركة عدد ممن شاركوا في ثورة 25 يناير في صياغته". وتابعت المصادر أن "السيسي كان في لحظة ضعف بعد إزاحته للرئيس محمد مرسي، وكان في حاجة لإقناع القوى الغربية أن ما قام به ليس انقلاباً لذلك قبِل بالدكتور محمد البرادعي وغيره معه في المشهد، لأنه يدرك جيداً أهمية تلك الخطوة بالنسبة إلى الغرب"، مشيرة إلى أنه "بعدما شعر بتمكّنه بدأ بالتخلص من هؤلاء الواحد تلو الآخر، وبات الدور على الدستور الذي يرى أن به الكثير من القيود". واستدلت المصادر على حديثها بتصريحات سابقة للمستشار الإعلامي للرئيس المؤقت، عدلي منصور، أحمد المسلماني، والتي قال فيها إن الدستور يجب تعديله لزيادة مدة ولاية الرئيس حتى يستطيع مواجهة التحديات والأوضاع السياسية غير المستقرة، متابعة أن لجنة الخمسين، التي وضعت الدستور، لم تكن لديها رؤية استراتيجية للمستقبل بشأن مدة الرئاسة، وهو الموقف الذي عبّر عنه في ديسمبر/ كانون الأول 2014، أي بعد فوز السيسي بأشهر قليلة.
ملاحقة المرشحين المحتملين
خطوات السيسي لمنع إجراء انتخابات الرئاسة المقبلة لم تقتصر على التحركات الخاصة بتعديل الدستور فقط، لكنها امتدت للإطاحة بأي شخصية تملك حظوظاً جيدة للمنافسة في حال مواجهته في الانتخابات. وكان من أبرز الوجوه المستشار هشام جنينة الذي أصدر قانوناً للإطاحة به من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، وملاحقته بأحكام قضائية من شأنها سلب حقه السياسي بالترشح للانتخابات، والفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، والمرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2012 والذي حصل وقتها على نحو 12 مليون صوت في جولة الإعادة التي حسمها مرسي، وهو الآخر طاولته يد السيسي، بمنعه من العودة إلى مصر، وتحريك الآلة الإعلامية لشن هجوم حاد عليه، وصل إلى نشر تقارير صحافية مذيّلة بأسماء صحافيين مقربين من النظام، كان بينهم رئيس تحرير صحيفة "الدستور"، محمد الباز، الذي أكد أن شفيق مصاب بمرض الزهايمر وصحته في تدهور مستمر.
تمهيد قضائي
خشية السيسي من تراجع شعبيته في الشارع المصري، دفعته أيضاً لتأميم القضاء، من خلال قانون الهيئات القضائية الذي سمح له بالتدخل في تعيين رؤساء الهيئات القضائية، في محاولة لمنع المستشار أنس عمارة، المعروف بقربه من المستشار حسام الغرياني، من الوصول إلى منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، بصفته أقدم نواب رئيس محكمة النقض. كما استبعد السيسي أيضاً نائب رئيس محكمة القضاء الإداري، المستشار يحيى الدكروري، الذي كان يستعد لتولي منصب رئاسة المحكمة بصفته أقدم نواب الرئيس. في مقابل ذلك، يرى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، أن تعديل الدستور في الوقت الراهن مخالف لكل معاني الديمقراطية. وأضاف، في تصريحات خاصة، إن "هذه الخطوة ستكون ضد مبدأ الانتخابات الحرة وضد إرادة الناس". وتابع "ما يحدث يمثل وصاية على المواطنين. من الضروري إتاحة الفرصة لإجراء انتخابات الرئاسة في 2018"، مشدداً على أن "ما يحدث لا يليق بنظام سياسي يزعم أنه امتداد لـ25 يناير". وكان رئيس لجنة الخمسين التي وضعت دستور 2014، عمرو موسى، أكد، في بيان رسمي أخيراً، رفضه محاولات المساس بالدستور، مطالباً بتفعيل مواده أولاً قبل الحديث عن تعديله.