عجبي

03 يوليو 2015
كان العرب في معظمهم ضد الربيع العربي (فرانس برس)
+ الخط -
"حاسب من الأحزان وحاسب لها. حاسب على رقابيك من حبلها. راح تنتهي ولابد راح تنتهي. مش انتهت أحزان من قبلها؟"، هكذا كتب المبدع المصري الراحل صلاح جاهين قبل نحو أربعة عقود في رباعياته الشهيرة التي كان ينهي كل منها بلفظ معبر هو "عجبي".

باتت الأحزان طقساً عربياً بامتياز، لا يخلو بلد عربي من أحزانه الخاصة، ربما تتباين نوعية الأحزان لكن الحزن موجود. متفش ويتزايد، البعض يعبر عن حزنه بالكلام، وآخرون يلجؤون إلى الصمت، بينما يقرر البعض الانفجار.

يعيش العرب بين أزمات سياسية متكررة، ورغم اختلاف البلدان تتشابه الأحزان، ورغم ادعاء كل منهم أن بلاده تختلف عن بلاد الأشقاء، إلا أن الجميع يشتركون في نفس الهم الذي يورث الشقاء، ورغم تحجج البعض بأن الحضارة أو الثقافة أو المال في بلده تجعل أوضاعه مغايرة لما عليه الحال في بلاد أشقائه، إلا أن المحصلة تؤكد أن الجميع متشابهون، بنفس الطريقة يفكرون، وفي نفس الأزمات يدورون، وبنفس العقليات محكومون.

يقول صلاح جاهين في الرباعيات: "إيش تطلبي يا نفس فوق كل ده. حظك بيضحك وانتي متنكدة. ردت قالت لي النفس: قول للبشر. ما يبصوليش بعيون حزينة كده".

ظن البعض أن الربيع العربي سيخلصهم من مشكلات مزمنة لها علاقة بالقمع والديكتاتورية والاستبداد، وبدلا من توحّد الشعوب في مواجهة القمع، توحد الحكام في مواجهة الشعوب، وبدلا من تخليص الربيع للشعوب من إرث تاريخي طويل من الجهل والخوف والخضوع، تولى الحكام زيادة جرعة القمع وفرض المزيد من الخوف وأجبروا الشعوب على جرعة أكبر من الخضوع.

ومجددا يقول جاهين في الرباعيات: "طال انتظاري للربيع يرجع. والجو يدفا والزهور تطلع. عاد الربيع عرمرم شباب. إيه اللي خلاني ابتديت أفزع؟".

كان العرب في معظمهم ضد الربيع العربي عند انطلاقته، ثم تحول كثير منهم لاحقا للاعتراف به بعدما بات سببا في إقصاء عدد من الحكام المحنطين على مقاعدهم، لكن الغالبية العظمى انقلبت مجددا بعد أن تحول الربيع في معظم الدول التي شهدته إلى خريف بدعم من حكام آخرين يخشون على مقاعدهم من الثوار.

ولا شك أن تغير أفكار المواطنين تدعمه آلة جبارة، سياسية وأمنية وإعلامية، إلى جانب ظروف اقتصادية، لكنه بالأساس يعتمد أولا على عدم الإيمان بالفكرة، ومجرد انسياق وراء ما يروجه المنتصر، حتى ولو كان انتصاره وهميا أو مصطنعا أو مؤقتا.

ويعبر جاهين في الرباعيات أيضا عن هذا قائلا: لا تجبر الإنسان ولا تخيّره. يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره. اللي النهارده بيطلبه ويشتهيه. هو اللي بكره حيشتهي يغيّره... عجبي.

إقرأ أيضاً: بوصلة الهروب
المساهمون