قبل ساعات من اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله، اليوم الثلاثاء، أبلغ الوسطاء الأميركيون الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن إسرائيل رفضت كل المقترحات الأميركية، بما فيها إغراء إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، فتحوّل اجتماع القيادة إلى خطاب مباشر على الهواء، أعلن فيه عباس توقيع 15 اتفاقية دولية من أصل 66، لتفتح بذلك السلطة الباب أمام حرب دبلوماسية ضد إسرائيل، لا يعرف إن كانت ستستكمل لنهاياتها أم أنها ستكون وسيلة ضغط فلسطينية للعودة إلى المفاوضات.
وأبلغ الوسطاء الأميركيون عباس أن إسرائيل ترفض أمرين، الأول: أن تضع السلطة معايير لدفعة الأسرى البالغ عددهم 400 أسير، والذين كان يقترح وزير الخارجية جون كيري أن يتم إطلاق سراحهم في مايو/ أيار المقبل مقابل تمديد المفاوضات. ورفضت إسرائيل تدخل السلطة في المعايير، كما رفضت إطلاق سراح أسرى على "أيديهم دماء" أي من حوكموا على خلفية قتل إسرائيليين. أما الأمر الثاني، فهو أن إسرائيل لا تريد الحديث حتى عن وقف استيطان غير معلن. الرفض الإسرائيلي دفع عباس باتجاه الإعلان عن التوجه نحو الاعتراف الأممي.
وفي وقت ترفض فيه قيادات في حركة "فتح" أن يكون خطاب الرئيس وتوقيعه على الهواء مباشرة على 15 اتفاقية، لم تعلن القيادة الفلسطينية بعد ماهيتها، نوعاً من حرب عض الأصابع الدائرة بين القيادة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، تمنت قيادات حمساوية (وكان الأمر أشبه بالتلميح أكثر من التمني) أن لا تكون خطوة عباس ضمن صفقة جانبية أو "كواليس" تعقد في الخفاء، فيما رأى البعض أن من المبكر الحديث عن "إجهاض" المفاوضات فهي لم تكمل شهرها التاسع بعد، رغم جولات كيري الـ 39 المكوكية للأراضي الفلسطينية المحتلة حتى الآن.
وقال النائب عن حركة "فتح" جمال الطيراوي، لـ "العربي الجديد" "لقد أبلغ الأميركيون الرئيس عباس أن الموقف الإسرائيلي غير جاد بالتعاطي مع المقترحات التي قدمناها لهم"، مضيفا "أن انسحاب كيري خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدم مواصلته لجولته كان نتيجة هذا التعنت الإسرائيلي وإعلاناً عن فشل المفاوضات".
وتابع الطيراوي: "ما فعله الرئيس عباس سيربك الإسرائيليين ويضع الأميركيين امام مسؤولياتهم بأن إسرائيل تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات، وليس الفلسطينيين، لأن إسرائيل تصر أن يبقى الإطار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي في إطار حسن النوايا وليس في إطار بحث القضايا الجوهرية".
وفي السياق نفسه، الذي ذهب اليه عباس، حول نقل المعركة للساحات، أضاف الطيراوي وهو أسير محرر منذ نحو عام، بأن "ألموقف الإسرائيلي اليميني المتطرف معني بأخذ الفلسطيني إلى دوامة العنف، لكن لن نعطيهم المجال ومعركتنا معهم ستكون على الساحات الدولية".
من جهته، قال النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي، حسن يوسف، لـ"العربي الجديد" " إن "وقف المفاوضات ليس فقط مطلب حركة "حماس" بل مطلب غالبية القوى والأحزاب السياسية، التي ترفض مسار التسوية مع إسرائيل، لأن الأخيرة استغلت هذا المسار لتقتل وتعتقل الفلسطينيين وتستوطن المزيد من الأراضي وتعتدي على المسجد الأقصى". وألمح يوسف إلى أن خطوة عباس ليست نهائية وإنما نوع من التكتيك مع الجانب الإسرائيلي، وقال:" نخشى أن تكون هذه الخطوة ضمن صفقة، وأن يكون كل الحراك الذي تقوم به الرئاسة مجرد اتفاقيات جانبية اعتدنا عليها عبر المراحل السابقة".
وبعيدا عن تلميحات "حماس" أو مخاوفها، دعت قيادات حركة "فتح"، فور انتهاء خطاب الرئيس، الشارع الفلسطيني لتظاهرات حاشدة أمام مقر الرئاسة، من المتوقع أن تنظم غدا، بعدما نظم عشرات من أنصار حركة "فتح" وقفة مساندة ودعم للرئيس عباس أمام مقر الرئاسة "المقاطعة" مساء الثلاثاء.
وقال عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، زياد أبو عين، لـ "العربي الجديد" إن "الخطوة التالية بعد كلمة الرئيس محمود عباس في اجتماع القيادة الفلسطينية الليلة وتوقيعه على وثيقة الانضمام لخمس عشرة اتفاقية دولية، هو أن يتحرك الشارع الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه السياسية دعما ومساندة لقرارات القيادة". وأضاف "الخطوة التالية أيضا هي أن يوقع الرئيس على اتفاقيات جنيف الاربع التي بموجبها تصبح دولة فلسطين دولة تحت الاحتلال، ما يتطلب تحركاً دولياً فورياً لإنهاء هذا الاحتلال".
لكن لا أحد يعلم على ماذا وقع الرئيس بالضبط أمام الكاميرات، وإن كان ضمن هذه الاتفاقيات شيء يخص محكمة الجنايات الدولية والتي تعتبر اهم محكمة بالنسبة للفلسطينيين.
وقال خبير في القانون الدولي، اشترط عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، "حتى الآن الأمر ملتبس علينا، فليس واضحا لنا فحوى الوثيقة حتى يمكن الحديث عن الأثر الذي ستتركه، وأن كنت أرى في هذا التوقيع مجرد تلويح بالسيف ليس الا". وأضاف "أما الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية فيتطلب سلسلة من الاجراءات والخطوات قد تستغرق بضعة شهور قبل أن تتم الموافقة على انضمام أي دولة إليها".
ويبدو أن الجانب الفلسطيني غير معني في هذه المرحلة بالانضمام إلى هذه المحكمة كي لا توصد الابواب كليا أمام الجهود الاميركية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وهو ما بدا واضحا من كلمة الرئيس الفلسطيني في اجتماع القيادة الفلسطينية، وهو أمر تؤكده تصريحات نسبت إلى مسؤول فلسطيني، رفض الكشف عن هويته، قال فيها إن توقيع عباس على وثيقة الانضمام لخمس عشرة معاهدة دولية هي "خطوة تظاهرية" فقط، وربما تفتقد لأي قيمة حقيقية، بدليل عدم التصريح بكنه هذه الوثيقة.
وتجدر الإشارة الى أن المحكمة الجنائية الدولية رفضت، قبل عامين، طلباً فلسطينياً لبحث جرائم إسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، لأن الأراضي الفلسطينية ليست كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي، نشأت الأقطش، إلى القول إن "ما قام به الرئيس عباس الليلة، يأتي في إطار لعبة عض الأصابع، فإسرائيل ماضية في ابتزاز الفلسطينيين حتى آخر رمق، لكن جولة كيري لم تنته بعد، فهو سيعود يوم الأربعاء أي غدا".
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة الى أن مسؤولاً أميركياً، لم يكشف عن هويته، قال إن كيري ألغى زيارته المقررة الى رام الله، لكنه لم يحدد ان كان لن يزور أيضاً القدس المحتلة.