يتواصل معرض الفنان التشكيلي المالي، عبد اللاي كوناتي في "غاليري 38" في الدار البيضاء، حتى 17 من نيسان/ أبريل الجاري، وذلك ضمن تظاهرة "أفريقيا بأحرف بارزة" التي تشهدها عدّة مدن مغربية حتى نهاية هذا الشهر.
كوناتي أحد الفنانين القلّة الذي كسروا طوق التجاهل والتغييب الذي يعيشه معظم مبدعي هذه البلاد المنسية إلا من الحروب والصراعات، ولا سيما في غرب ووسط أفريقيا. وربما يكون في خصوصيته داعياً لهذا التفوّق الذي حقّقه حضوره الفني في معارض عالمية أقيمت في أوروبا وأميركا، لكن المفارقة أن هذا هو المعرض الأول الذي يقام له في بلد عربي.
بإمكانيات فقيرة وظروف صعبة عاشها كوناتي في مدينة ديريه حيث ولد في مالي سنة 1953، لم يكن يجد ما يشتغل به؛ ليس ثمة كانفاس ولا ألوان ولا أي وسيلة يمكن بها أن يُخرج الأفكار البصرية التي تعتمل في رأسه.
وجد كوناتي الحلّ في أقمشة الثياب التقليدية التي ما زالت دارجة، فلجأ إلى الأقمشة المصبوغة أو الخام، والتي يتمّ غزلها ونسجها في مالي. بعد ذلك لجأ الفنان إلى صناعة مساحات كبيرة من هذه الأقمشة، وصَل بعضها إلى قطعة قماش بمساحة ملعب كرة قدم، واستخدم أصباغ الأقمشة المألوفة لتحويلها إلى قطع فنية.
بالنسبة إلى كوناتي، كانت القاعدة واضحة ومعقّدة في آن؛ دمج الجماليات المحلية بالموضوع العالمي ولفت الانتباه إلى اللامساواة بين شمال العالم المرفّه وجنوبه المفقر. فكانت أعماله تحمل رسائل كبيرة عن الديكتاتوريات التي تعيشها البلاد الأفريقية وتساهم في دعمها الأنظمة الاستعمارية القديمة. كما ذكّر بانتشار الإيدز في أفريقيا، والتصحّر، والاستغلال، والفقر. كانت أعماله وما زالت وسيلة فريدة للتعبير عن الموقف السياسي باستخدام الحرفة الأصيلة لفنان من أحد أكثر البلدان الأفريقية تعرّضاً للعنف.
وُصفت أعماله بأنها ليست نتاج اليأس بل الأمل، والرغبة في استكشاف الشرط الإنساني من خلال تعابير فنية ونقدية عميقة. تظهر المضامين التي تشغل كوناتي من خلال عناوين أعماله؛ ثمة عمل بطول سبعة أمتار من القماش نسجَه بنفسه وحمل عنوان "السلطة والدين"(2011)، والذي استكشف فيه مكانة المسيحية والإسلام داخل الحياة الثقافية والسياسية في بلاده. وأعاد إنتاج الرموز الدينية والسياسية على خلفية رمادية، يهيمن على القطعة رمز لطائر أسطوري يدخل في الحكايات والمرويات الشعبية في وسط وغرب أفريقيا، ويسيطر اللون الأسود على هذا العمل إذ يعتبر الفنان أن السياسة عادة ما تأخذ الدين إلى منطقة معتمة غامضة لكي يكون استغلاله ممكناً.
من أشهر أعمال كوناتي، الحائز على جوائز عالمية بارزة، "الرقص في الليل" (2009) و"السيمفونية الزرقاء" (2007)، لكن قبل ذلك كانت أعماله تحمل عناوين أكثر قرباً من أفريقيا وأقلّ أوروبية؛ منها: "تحية لصيادي ماندي" (1994) والذي جمع فيه كل رموز المجتمعات المجهولة في مالي، وكذلك عمل "بوسنيا، رواندا، أنغولا" (1995)، الذي قدّم من خلاله تفسيره لأوجه الشبه بين العنف في هذه البلاد.