عادت ترجمات الأعمال المسرحية للألماني برتولت بريشت (1898 - 1956) للواجهة من جديد، عبر طبعتين لمختارات من أعماله؛ شملت المختارات الأولى "طبول في الحرب" و"حياة جالليو"، ومؤخراً "الأم شجاعة" و"السيد بنتيلا وخادمه ماتي"، وكان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الجهة التي تكفلت بإعادة الطبع، ضمن سلسلة "من المسرح العالمي"، العدد الأخير، وبترجمة عبدالرحمن بدويّ (1917 - 2002).
ومع صدور الطبعة الجديدة من هذه الترجمات، تعود إشكالية ترجمة بدوي للمسرح الألماني، والتي شملت أعمال شيلر، غوته، وبريشت، حيث أثير حول هذه الترجمات، وخاصة أعمال "بريشت" من الإشادة بنفس القدر الذي أثير حولها من النقد من قبل مترجمين لا يقلون دربة وحرفة عن بدوي.
في مسرحية "السيد بنتيلا وخادمه ماتي"، التي أعيد طبعها مؤخراً، يقول بريشت إنها "مسرحية شعبية تستمد شكلها الملحمي من مغامرات الملاحم القديمة"، ويُقال إن بريشت كتبها متأثراً بدور "شارلي شابلن" الذي لعب دور المليونير في فيلم "أضواء المدينة".
وبسبب حساسية هذا العمل اضطر مترجم آخر للعمل، هو المصري عبد الغفار مكاوي إلى إيراد عشرات التوجيهات إلى من يريد تمثيل العمل في العربيّة، منها: "ينبغي أن يصون نفسه من أسلوب الأداء التقليدي... ولغته يجب أن تكون ذات إيقاع موسيقي لطيف".
ترجم بدوي العمل للمرة الأولى سنة 1978، وسيقع العمل بيد المترجم والمختص بالمسرح السوري نبيل حفار(1945)، ومع السمعة الطيبة لبدوي كمترجم موسوعي يتصدى لأعمال كبيرة إلّا أن حفّار يجد أنَّ أسلوبه في العربية "جاف مقعر وغير مسرحيّ، يترجم غوته كما يترجم بريشت، بالأسلوب نفسه، كما أن لغة شخصيات النص في ترجماته تنطق جميعها بمستوى واحد، دون أن يأخذ بعين الاعتبار الانتماءات الاجتماعية والثقافية للشخصيات خلال تبادلها للحوار"، بسبب ذلك كلّه يرى حفّار "أنَّ أيّاً من هذه الترجمات - التي قام بها بدوي - لم يرَ النور على خشبات المسارح العربيّة".
ليس هذا العمل (السيد بنتيلا وخادمه ماتي) وحسب، إذ فكّر المخرج التونسي، المنصف الصايم، مرة بإخراج "حياة غاليلو غالييه" كنموذج من المسرح الجدلي لبريشت، لكن بعد طول نظر في ترجمة بدوي صرف النظر نهائياً عنها، وترجم النص لعرضه عن الفرنسية". والرواية هنا ما زالت لحفّار.
ترجم بدوي نحو عشرين عملاً مسرحياً عن الألمانية، شكلت ترجماته حاجزاً للمخرجين، وعلامات استفهام عند مترجمين آخرين، أخذوا عليه "لغته المقعرة"، وفي أحيان أخرى إيراده للمعاني على ما لم تكن عليه في الألمانيّة، وكانت هذه الأعمال تحمل السخرية، التي لم تتناسب وطريقة عمل بدوي في الترجمة.
في 1968 أراد المسرح القومي في القاهرة تقديم مسرحية بريشت "دائرة الطباشير القوقازية" بالتعاون إخراجياً بين سعد أردش، وكورت فيت من مسرح "البرلينر إنسامبل" اعتماداً على ترجمة عبد الرحمن بدوي.
لكن، بعد مرور فترة على البروفات لاحظ كلاهما أن نص بدوي لا يُمكّن الممثلين من تجسيد الحالات المطلوبة منهم، بالإضافة إلى أن بنية الجملة تربكهم عند النطق في كثير من الحالات". طلبا المساعدة من الشاعر صلاح جاهين الذي وجد نفسه مضطراً لتقديم ترجمة جديدة، ولكن عن الترجمة الإنجليزية، هذه الحادثة أيضاً برواية حفّار.
من الجهة الأخرى، لا يبدو الأمر مقتصراً على الترجمة في مسرحيات بريشت، بل لعل له نصيباً في لغة المسرحيات نفسها، فالفرقة التي أسسها بريشت "برلينر إنسامبل" كانت تصرّ على أداء الأعمال باللغة الألمانية في باريس مع توفير بعض الترجمات، ربما لأن الموضوع لا يتعلق بالترجمة بقدر ما يتعلق باللغة الألمانية وبشعرية اللغة المسرحية عند بريشت.