في انتخابات ديسمبر/كانون الأول المقبل الرئاسية، يدخل عبد القادر بن قرينة، رئيس "حركة البناء الوطني"، التي تنتمي إلى تيار الإخوان، السباق الانتخابي ممثلاً عن التيار الإسلامي، وفي مواجهة أربعة مرشحين آخرين يمثلون التيار "الوطني"، في صورة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وممثل عن التيار البومديني (نسبة الى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين)، رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، ورئيس الحكومة السابق التكنوقراطي عبد المجيد تبون، بالإضافة إلى المرشح الذي يصف نفسه بالديمقراطي، الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي. لكن المرشح الإسلامي، وحتى قبل انطلاق الحملات الرئاسية رسمياً (أمس الأحد)، خسر كتلةً هامة من الإسلاميين، إذ لم يحصل على دعم أيٍّ من أطراف الكتلة الإسلامية الفاعلة في الساحة السياسية، والتي توزعت خارج مربعه إلى خمسة اتجاهات، ليس من بينها ما يصب في رصيده.
ويمكن فهم غياب الدعم لبن قرينة بالعودة إلى سيرته، فهو من القيادات السابقة والمؤسسة لحركة المجتمع الإسلامي، والتي كانت تسمى "حماس"، تيمناً بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، قبل أن تصبح حركة "مجتمع السلم" بعد دستور عام 1996. وكان بن قرينة عضواً في المجلس الوطني الانتقالي الذي تأسس كبرلمانٍ مؤقت عام 1994، قبل أن يصبح وزيراً للسياحة في يونيو/حزيران 1997، ووزيراً في الحكومة التي عيّنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2002. في العام 2008، انشق بن قرينة عن حركة مجتمع السلم، وأسّس "جبهة التغيير" مع مجموعة من القيادات، ثم انشق مجدداً ليؤسس حركة البناء الوطني. في عام 2017، قاد هذا المرشح الإسلامي، تجربة وحدةٍ سياسية لم تنجح مع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، فأسس معهما كتلة نيابية موحدة، وهو ترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في إبريل/نيسان الماضي رافضاً الانسحاب على غرار باقي المرشحين، حتى جاء قرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بإلغاء الانتخابات في 11 مارس/آذار الماضي.
توضح هذه السيرة نقاط تباين بين عبد القادر بن قرينة وحزبه حركة البناء، وبين عددٍ من القوى الإسلامية. الحزبان الإسلاميان، حركة النهضة وجبهة الجزائر الجديدة، قررا التوجه الى دعم المرشح الرئاسي علي بن فليس، على حسابه، حيث حضر الأمين العام لـ"النهضة" يزيد بن عائشة حفل إعلان بن فليس برنامجه الانتخابي الرئاسي، في رسالة دعم سياسي واضح له، على الرغم من أن الحركة مرتبطة بمشروع وحدة اندماجية وكتلة نيابية مشتركة مع حركة البناء التي يقودها بن قرينة. كما حضر رئيس "جبهة الجزائر" الجديدة جمال بن عبد السلام الحفل ذاته دعماً لبن فليس، والذي يتقاطع معه الحزبان الإسلاميان ببعض المواقف السياسية. وجرى التقارب بينهم خلال المبادرات السياسية التي خاضتها قوى المعارضة. في المقابل، فضّل حزب إسلامي آخر هو حركة الإصلاح الوطني، إعلان دعم المرشح الرئاسي عبد المجيد تبون، الذي التقاه رئيس الحركة فيلالي غويني، معلناً أمام الصحافة قرار المجلس الوطني والهيئة القيادية للحزب تأييده.
كتلةٌ ثانية من القوى الإسلامية قررت التزام الحياد وعدم دعم أي مرشح، بسبب موقفها الرافض للمسار الانتخابي برمته، هي حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية والحزب المركزي لإخوان الجزائر، والتي كان المرشح عبد القادر بن قرينة أحد مؤسسيها وقيادييها وأحد وزرائها سابقاً، فرفضت دعمه، وأعلن رئيسها عبد الرزاق مقري أن الحركة لا تدعم أيّاً من المرشحين الخمسة للرئاسة، ناشراً بياناً توضيحياً، أكد فيه التزام الحركة قرار مجلس الشورى الذي حسم بذلك. ويعتبر مقري أن بن قرينة، بوصفه مرشحاً إسلامياً، لم يستشر أحداً حول ترشحه، ولم يطلب دعم الحركة، لا هو ولا المرشح الثاني من كتلة المعارضة علي بن فليس. وقال مقري عنهما إنهما "تقدما للاستحقاق بشكل انفرادي، ونحن لسنا ملزمين بقرارهما ما دام الترشح شخصياً"، وأوضح مقري أن "مشروع التوافق على مرشح المعارضة وفق مؤتمر السادس من يوليو/تموز كان مبنياً على التوافق، أما من يخالف ما تم الاتفاق عليه، فهذا لا يلزمنا".
جبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله، وهي واحدة من أبرز القوى الإسلامية في الجزائر، أعلنت من جهتها وقوفها على الحياد، وقررت عدم دعم المرشح الإسلامي، بسبب موقفها الرافض لإجراء الانتخابات الرئاسية دون وجود توافقات وطنية، وتمسكها بمقترح إطلاق مرحلة انتقالية. واللافت أن موقف جبهة جاب الله البعيد عن دعم بن قرينة، يأتي على الرغم من أن حزب بن قرينة (حركة البناء) يرتبط أيضاً بميثاق وحدة اندماجية مع جبهة العدالة وحركة النهضة منذ مارس/آذار 2017، ويشكل معها كتلة نيابية مشتركة منذ يوليو/تموز من العام ذاته.
ثمة كتلة أخرى من الإسلاميين تمثلها بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة منذ مارس/آذار 1992، لم تعلن عن موقفها من دعم أي مرشح، لكنها لا تميل لدعم بن قرينة بسبب خلافات تاريخية تعود الى أزمة التسعينيات. ولا تزال القيادات الممثلة للجبهة منقسمة أصلاً بين دعم خيار إجراء الانتخابات الرئاسية والدفاع عن ذلك، كالشيخ علي جدي وكمال قمازي، فيما تتبنى قيادات أخرى، كأحمد أحمد الزاوي، موقف الحراك الشعبي وتصف إجراء الانتخابات بالمسرحية السياسية.
تبقى الإشارة الى كتلة الإسلاميين التقليديين التي تمثلها الزوايا الدينية، والتي لا يتوقع أن تميل لصالح المرشح الإسلامي، بسبب فارق الرؤية السياسية بينها وبين قوى الإسلام السياسي الحركي، إضافة إلى وقوعها تحت سطوة وتوجيه السلطة، التي توظفها لخدمة خياراتها التي تبدو أقرب إلى المرشح تبون.
ويعزو الأمين العام السابق لحركة النهضة، الدكتور فاتح ربيعي، توجه الأحزاب الإسلامية إما إلى دعم بن فليس أو تبون، أو الحياد وعدم دعم المرشح الإسلامي، إلى عدم وجود أي تنسيق بين هذه القوى منذ فترة. ورأى ربيعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "من الطبيعي أن تتعدد المواقف مع تعدد الأحزاب، في ظلّ انعدام الحدّ الأدنى من التنسيق، خاصة في المسائل الكبرى، والتي لا تعدو اليوم كونها مجرد اجتهادٍ سياسي يخضع لحسابات حزبية، وللتموقعات السياسية حاضراً ومستقبلاً، ما يفسر التباين داخل التيار الإسلامي بمختلف مكوناته في كل استحقاق رئاسي شهدته البلاد منذ التسعينيات". واعتبر الأمين العام السابق لـ"النهضة"، أن "هذا التيار يعيش اليوم اضطراباً في المواقف أكثر من أي مرحلة سابقة بسبب ما عرفه من تشتت وانقسام واهتزاز المصداقية التي تمتع بها لعقود، ما أضعف قدرته على القيادة والتأطير". ووضع ربيعي إمكانية تحرر المبادرة الانتخابية لدى الوعاء الإسلامي والشباب "في الوقت الذي ازداد فيه منسوب الوعي لدى عموم الشعب الجزائري، بعيداً عن الأطر الحزبية التقليدية في عمومها، ومنها التيار الإسلامي".
هكذا، لا يحظى مرشح التيار الإسلامي عبد القادر بن قرينة بالإجماع داخل الحقل الإسلامي، وهو ما لا يمثل حالةً أولى داخل هذا التيار في ما له علاقة بالاستحقاقات الرئاسية. لكن الظروف والمعطيات الراهنة، التي خفتت فيها تأثيرات المؤسسة الحزبية على الكوادر، قد تفتح هامشاً للمبادرة الانتخابية لكوادر الأحزاب الإسلامية، حتى وإن كان التصويت في انتخابات الرئاسة لا يخضع لقاعدة التوجه الأيديولوجي هذه المرة.