عباس يُثير اليمين الإسرائيلي: غضب معلن وفرح مدفون

28 سبتمبر 2014
عباس بعد خطابه أمام الجمعية العمومية (تيموثي غلوري/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن ردود الفعل الإسرائيلية المباشرة على خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مفاجئة بقدر ما كانت متوقعة بل ومنتظرة، خصوصاً أنها لم تخرج عن إطار الموقف الإسرائيلي المعلن منذ توقيع المصالحة الفلسطينية وانهيار مفاوضات الأشهر التسعة بسبب الاستيطان الإسرائيلي، ورفض حكومة الاحتلال تحرير أسرى الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو في الموعد الذي حددته تفاهمات المفاوضات، وهو 29 مارس/آذار الماضي.

وقد شكّل خطاب عباس بالنسبة لنتنياهو وأقطاب اليمين المتطرف، فرصة للترويج لمزاعمهم الدائمة بأنه لا شريك فلسطيني للمفاوضات؛ كلُّ ذلك لأن أبو مازن تجرأ ورمى في وجه إسرائيل والعالم حقيقة أنّ الاحتلال ارتكب جرائم حرب وإبادة مخططة ومقصودة.

وهكذا جاءت ردود الفعل الإسرائيلية (من أقطاب حكومة نتنياهو وزعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ) على خطاب عباس، لتعبر عن غضب إسرائيلي معلن، لكنه يخفي فرحاً مدفوناً لليمين الإسرائيلي، يقوم على أنّ أبو مازن وفر لهم سبباً لتبرير سياسة الرفض.

ولم يكن أسهل على إسرائيل من التباكي على المحرقة النازية، والادّعاء بأنّ أبو مازن من أشد منكري الـ"هولوكوست"، وأنّه لا يختلف عن الزعيم الفلسطيني المتهمة باغتياله ياسر عرفات. وبحسب المنطق الإسرائيلي، فإنه مثلما كان يجب أن يذهب عرفات كي يتسنى فرض إملاءات إسرائيل على الشعب الفلسطيني، فقد آن الأوان لأن يذهب أيضاً "أبو مازن" الذي تبين أنه "ذئب بلباس حمل وديع"، وهو التعبير الذي استخدمه دان مرغليت، في "يسرائيل هيوم".

ولم تخرج تحليلات الصحافة الإسرائيلية هي الأخرى عن المواقف الإسرائيلية الرسمية السائدة، والتي تحمل المسؤولية الأساسية للجانب الفلسطيني، وفي أقصى حالات النقد تتم المساواة بين "كذبة عباس" و"خدعة نتنياهو"، وفق تعبير ناحوم برنيع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم.

وذهب برنيع إلى القول إن نتنياهو كان بحاجة ماسة لمحمود عباس، ورقة توت يستر بها عورته السياسية ورفضه للسلام، اليوم سقطت ورقة التوت وظل نتنياهو عارياً. ورأى أن "وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان صادق في كلامه، حين يقول إنّ أبو مازن ليس شريكاً للسلام".

واعتبر المحلل الإسرائيلي أنّ أبو مازن "توقف عن كونه شريكاً للسلام منذ شهر فبراير/شباط الماضي، عندما أبلغ الأميركيين أنّه يئس من التوصل لاتفاق سلام وليس أمامه سوى خيارين: إما العودة للإرهاب، وهو ما يرفضه كلياً، أو شنّ حرب دبلوماسية عبر الأمم المتحدة، وهو ما يقوم به الآن، رغم أنف الولايات المتحدة".

وبحسب برنيع، فإن خطاب أبو مازن عكس عملياً واقعاً متغيراً، ولم يعد بالإمكان مواصلة الخدعة الإسرائيلية بالحديث عن دولتين، كما أن أوسلو أُسقطت من جدول الأعمال. وأضاف "عندما يتحدث نتنياهو أمام الجمعية العمومية عن حل الدولتين لن يصدقه أحد من الحاضرين، باستثناء أعضاء الوفد الإسرائيلي، وهناك شك في أن يصدقه هؤلاء أيضاً".

وعكس برنيع في مقاله رأي اليمين الإسرائيلي الذي فرح بتلقف خطاب أبو مازن، للإشارة إلى زعمهم بأنّ الرجل ليس شريكاً للمفاوضات، وأنه لا يوجد حالياً شريك فلسطيني للمفاوضات. وهو موقف تبناه أيضاً كل من دان مرجليت، في "يسرائيل هيوم"، وبن كاسبيت في "معاريف".

بدوره، عكس القنصل الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورون في مقالته في "يديعوت أحرونوت"، الموقف الذي يردّده ليبرمان، ومفاده أن أبو مازن يشن حرباً دبلوماسية ضدّ إسرائيل في العالم، فيما تشن حركة "حماس" حرباً في القطاع. واعتبر أن فكرة عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات مع إسرائيل باتت راسخة عند غالبية الجمهور الإسرائيلي، وبات على الاحتلال أن يواجه حقيقة جديدة تتمثل في كون أبو مازن يشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل، يفوق الخطر التكتيكي الذي تمثله صواريخ "حماس".

واقترح أورون لمواجهة "الخطر الاستراتيجي الجديد" إطلاق مبادرة سياسية "تقفز عن أبو مازن، مثلما يلتف على المفاوضات، وتراعي المصالح الأمنية الإسرائيلية لتشمل ترسيم حدود آمنة تضمن مستقبل وطابع إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام احتمال ترتيبات دائمة مع الفلسطينيين، ولكن فقط بعد ظهور قيادة فلسطينية مسؤولة".

في المقابل، اعتبرت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها اليوم، أن إسرائيل لا تملك رداً حقيقياً على خطاب عباس، الذي اعتبرته دليلاً على اليأس الذي أحاط بالجانب الفلسطيني.

وخلافاً للصحف الإسرائيلية الأخرى، تساءلت "هآرتس" في افتتاحيتها "ماذا توقعت إسرائيل ممن تركت على بابه 2200 قتيل؟ هل توقعت تهنئة بالعيد وبسنة سعيدة وحلوة بالعبرية؟ (شناه طوفا ومتوكاه)". وأضافت أن "إسرائيل اجتهدت، ومنذ تعيين عباس، للترويج بأنه ليس شريكاً لائقاً للمفاوضات؛ عبر القول إنه ضعيف للغاية تارة، أو "متطرف للغاية، أو لا يسيطر على "حماس"، أو على العكس من ذلك لأنّه شريك وَفيّ لحماس، تارة أخرى". واعتبرت أن "إسرائيل ليست في وضع يسمح لها بالتذمر أو الشكوى من خطاب عباس؛ فسياستها وفي مقدّمتها الاستخفاف المتواصل بمطالبه بوقف الاستيطان وتجميده، هي التي أوصلت عباس إلى خطابه الذي ألقاه أمام المجتمع الدولي".

وفي السياق نفسه، رأى شمعون شيفر في "يديعوت أحرونوت"، رغم إدانته خطاب عباس، أنّ الأخير يبقى الشريك الوحيد الذي يمكن لإسرائيل التفاوض معه اليوم.

المساهمون