عباس ينقلب على نقابات الموظفين بعد استنفاد دورها

14 نوفمبر 2014
عباس يريد كسر عصا النقابات (عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -

تكشف قضية رئيس نقابة الموظفين العموميين في الضفة الغربية، بسام زكارنة، كيف يتم استخدام النقابات في الأراضي الفلسطينية كأوراق ضغط في يد السلطة التنفيذية، ثم يتم التخلّص منها بعد استنفادها مهمات معينة مطلوبة منها، كحصان كبر في السن أو أصيب في معركة.

ولم يتحرك المجلس التشريعي حيال قضية اعتقال زكارنة ونائبه، معين عينساوي، وعدد من أعضاء الهيئة الإدارية، إلا بعد ستة أيام من بدء القضية، إذ خرج الأمين العام للمجلس، إبراهيم خريشة، بتصريحات نارية ضد تغوّل السلطة التنفيذية على النقابات، وكان انتقاده صريحاً لها وللحكومة التي يمثلها رامي الحمدلله، فما كان من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلا أن أصدر في حقه أمراً بالاعتقال، فاعتصم خريشة في المجلس التشريعي وأمضى ليلة الأربعاء فيه.

وكانت الشرطة الفلسطينية قد اعتقلت في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، زكارنة وعينساوي، حتى لا يكون هناك إمكانية لأي تدخّل قانوني للإفراج عنهما، لا سيما أن نهاية الأسبوع تشهد عطلة رسمية للمحاكم والجهاز القضائي، وتم تجديد توقيفهما 15 يوماً على ذمة النيابة العامة، وبعد أربعة أيام اعتقل نقيب المهن الصحية، أسامة النجار، وأفرج عنه بعد يوم واحد، بعد أن هددت النقابات التي يرأسها بالإضراب المفتوح.

وجرى أولاً اعتقال زكارنة وعينساوي وبعدهما عضو النقابة، محمد حسين، فيما تم اعتقال خمسة من أعضاء الهيئة الإدارية وإطلاق سراحهم لاحقاً، كما أكدت النائب في المجلس التشريعي نجاة أبو بكر لـ"العربي الجديد".

أما عضو الهيئة الإدارية لنقابة الموظفين العموميين، زاهر الششتري، الذي استقال قبل أيام احتجاجاً على عدم أخذ الهيئة الإدارية موقفاً شجاعاً تجاه ما يجري، فأكد "أن هناك سبعة أعضاء من الهيئة الإدارية اعتقلوا، أبرزُهم محمد حسين وزاهي سوالمة وآخرون".

وجاء تَدخُّل المجلس التشريعي متأخراً، بعد ستة أيام على اعتقال زكارنة ورفاقه، ودعا لاعتصام مفتوح، بعد أن استنفدت كل الأطراف المساعي الدبلوماسية والوساطات والعلاقات الطيبة لحل الأزمة بين عباس والنقابات، فبات التشريعي ومؤسسات حقوقية أخرى مثل "الهيئة المستقلة" و"الحق"، في وضع حرج يجب فيه أن تأخذ موقفاً تجاه ما يجري.

وتكشف مصادر مطلعة أن الرئيس الفلسطيني كان له رد واحد على كل الوساطات التي تدخّلت للإفراج عن النقابيين وهي: "أنا من أغلقت الباب وأنا من يفتحه".

وتؤكد مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد"، أن "نقابة الموظفين العموميين كانت تُستخدم عبر إضراباتها الكبيرة التي كانت تدعو لها وتُلزم بها، نحو 113 ألف موظف في الوظيفة العمومية، لضرب الحكومة العاشرة، أي حكومة حماس، وهذا ما حصل، وبعدها ضرب حكومة سلام فياض".

وتشير المصادر إلى أن "النقيب زكارنة بدأ يتمرد وأصبح لا ينصاع لأوامر الرئاسة، لا سيما في دعوته إلى الإضراب ضد حكومة الحمدلله، الأمر الذي ترفضه الرئاسة الفلسطينية، لذا قرر عباس أن يلقّنه درساً، ويكسر عصا النقابات عبر اعتقال زكارنة ورفاقه، فجاء قرار الاعتقال، بذريعة أن النقابة العمومية غير قانونية".

ويقول مصدر مسؤول في المجلس التشريعي، اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "زكارنة شعر أخيراً أنه قوي وله سلطة في البلد عبر نقابة الموظفين العموميين، وأصبحت دعوته إلى الإضراب تشكّل تهديداً لحكومة الحمدلله".

ويؤكد المصدر أن "اعتقال زكارنة ورفاقه، وأمر التوقيف في حق خريشة، "هي رسائل لأكثر من طرف قد يجرؤ على الخروج عن طاعة عباس، سواء النقابات أو غيرها، وتحديداً المجلس الثوري، لأن زكارنة وخريشة أعضاء في هذا المجلس".

وتعلّق النائب، نجاة أبو بكر، على هذا الأمر بالقول: "المجلس الثوري هو برلمان حركة فتح، ولا يجوز الاعتداء عليه".

وترى أن "التوقيت الحالي غير مناسب إطلاقاً لمثل هذه الأمور"، داعية "من يضع معلومات خاطئة أمام الرئيس الفلسطيني، إلى التراجع، لأن هذه المعلومات تخدم أهدافهم الشخصية وأهداف الاحتلال الذي يسعى إلى خلق احتدام فلسطيني داخلي".

أبو بكر، التي كانت تعتصم مع عدد آخر من النواب في خيمة الاعتصام في المجلس التشريعي، تقول لـ"العربي الجديد": "نحن مع العمل النقابي، وضد التعدي عليه من أي قوة أو مؤسسة سواء الرئاسة أو الحكومة، لأن القانون كفل الحريات الشخصية والعمل النقابي".

ويعكس الوضع الحالي تماماً، الشخصنة سواء في النقابات أو مؤسسة الرئاسة، إذ لم تشهد محاكمات زكارنة أي وجود للموظفين الذين كان يتكلم باسمهم، وفي اليوم التالي لاعتقاله كان الموظفون الفلسطينيون يقبضون رواتبهم من الصراف الآلي وكأن شيئاً لم يكن، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام على عمق العلاقة النقابية بين رئيس النقابة وقاعدته من الموظفين، وعلاقة النقابات ببعضها بعضاً.

من ناحية أخرى جاء الاعتقال بأمر سياسي من عباس، ومن دون سابق إنذار، إذ وجّهت النيابة لزكارنة ورفاقه، تُهم التهاون في الواجبات الوظيفية، وتشكيل جمعية غير مرخّصة، والتحريض على الإضراب.

ويُعلّق الخبير القانوني، ماجد العاروري، لـ"العربي الجديد"، على اتهام نقابة الموظفين العموميين بأنها غير قانونية، بالتساؤل "عن سبب توقيع الحكومة لاتفاقيات مع هذه النقابات إذا كانت غير قانونية؟".

كما يشير الى أن نَظر محكمة العدل العليا في قضايا كانت نقابة الموظفين العموميين طرفاً فيها، وإصدارها قراراً في هذه القضايا، "يعني إقراراً بقانونية نقابات الموظفين وشرعيتها، فلو كانت هذه المحاكم قد أعلنت في حينه أن هذه النقابات غير مختصة، لكانت أفقدتها شرعيتها في ذلك الوقت، الأمر الذي لم يحدث".

ويوضح العاروري أنه "لا يوجد نص قانوني يحدد إجراءات الترخيص، بل إن القانون الأساسي الفلسطيني أعطى الحق في تشكيل النقابات، أما التحريض عبر الدعوة إلى الإضراب، فهو لا يعتبر تحريضاً، لأن الإضراب حق مكفول بالقانون الأساسي الفلسطيني ولا يُشكّل تهمة".

هذا الكلام يؤكد أن الخلافات بين النقابات وعباس لا تتعلق بالقانون، وإنما تدخل في باب المناكفات السياسية وكسر شوكة النقابات التي استُنفد دورها.