وقد أثبتت نتائج العدوان، واضطرار إسرائيل إلى القبول باقتراح وقف إطلاق النار الأممي، في 26 أغسطس/آب، وفقاً للمبادرة الأوروبية الأميركية، وليس باعتماد الورقة المصرية، أنّ الهدف المعلن لم يتحقق. غير أنّ نتنياهو أصرّ في مؤتمره الصحافي الذي عقده، في اليوم نفسه، على القول إن العدوان حقق أهدافه، وإن حركة "حماس" تلقت ضربة مؤلمة، نافياً أن يكون هدف العدوان هو الإطاحة بحركة "حماس" بشكل مباشر، مدعياً أن هناك متسعاً من الوقت لتحقيق ذلك.
ويعزز هذا الفشل الإسرائيلي، اعتقاد أكثر من 50 في المائة في إسرائيل في استطلاعات الرأي (استطلاع "هآرتس" في 28 أغسطس/آب الماضي على سبيل المثال) أن العدوان انتهى في أحسن حال بنتيجة التعادل. وقد اعتبر المحللون العسكريون، يومها، أن التعادل، بالنظر إلى ميزان القوى الذي ساد قبل وخلال العدوان، هو هزيمة لإسرائيل.
وبمناسبة مرور عام على العدوان انشغل المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، في الإجابة عن التساؤلات التالية: هل كان العدوان نتيجة عملية وخطة أعدتها "حماس" وكانت تخطط لتنفيذها، في مطلع يوليو/تموز، وسعت إسرائيل إلى استباقها وإحباطها، كما ادعى جهاز الشاباك لاحقاً. مشيراً إلى أنه (الشاباك) كان رفع مذكرة رسمية في هذا الخصوص للحكومة والجيش، في أبريل/نيسان من العام الماضي؟ أم أنه كان نتاج تدهور الأوضاع، خصوصاً بعد عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة قرب الخليل في يونيو/حزيران، ونتيجة قراءة خاطئة لدى الطرفين (حماس وإسرائيل) لتحركات ونوايا الطرف الآخر؟ بحسب تحليلات شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، التي يميل هرئيل إلى الأخذ بها. مع العلم بأن حرباً ضروساً دارت بعد العدوان مباشرة بين شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" من جهة، و"الشاباك" من جهة ثانية، بشأن المذكرة التي ادعى الأخير رفعها واتهم قادة جيش الاحتلال بتجاهلها، وهو ما جرّ في نهاية المطاف إلى شنّ العدوان في ظل عدم جاهزية إسرائيل.
وانسحبت هذه الحرب، أيضاً، على الصراعات التي دارت داخل "الكابينيت" الإسرائيلي، بعد ادعاء وزراء في "الكابينيت" والحكومة، عموماً، أن إدارة الحرب، تتم وسط إقصائهم عن معرفة الحقائق على الأرض، لا سيما في كل ما يتعلق بخطر الأنفاق الهجومية لـ"حماس" وقدرة الجيش على هدمها، ووجوب الاستعداد لها، لوجود تحذيرات حول وجود شبكة الأنفاق، دون أن تعمد حكومة الاحتلال جدياً إلى وضعها في سلم أولياتها القتالية؛ وهي اتهامات تجلت، خصوصاً بعدما تبين أن وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، كان يقوم بجولات ميدانية في مناطق تركيز قوات الاحتلال ويستقي المعلومات من الحاخام العسكري، الأمر الذي اعتبره وزير الأمن يعالون بأنه مخالف للأصول وبمثابة تجسس على الحكومة. لكن بينت رفض الاتهام، واعتبر ذلك جزءاً من عمله، بل أحد شروط العمل في ساعات الحرب، حتى يكون قادراً على فهم وتحليل مداخلات قادة جيش الاحتلال أمام "الكابينت" السياسي والأمني المصغر.
مكاسب المقاومة
لكن بمعزل عن هذه التساؤلات الإسرائيلية الداخلية التي جرى العرف في إسرائيل على تسميتها بحروب (اليهود الداخلية)، فإنه يمكن بعد عام على العدوان الإسرائيلي مواصلة تسجيل بعض العلامات الفارقة في أداء المقاومة الفلسطينية خلال العدوان، ومكاسب حققتها في غاية الأهمية.
تمكنت المقاومة الفلسطينية، خلال العدوان، من مفاجأة الاحتلال بعمليات عدة مهمة انحفرت في الوعي الفلسطيني، كما في الوعي الإسرائيلي، مع تداعيات مختلفة في كل جانب من هذه العمليات. وكانت عملية الهجوم عند كيبوتس صوفا عبر الأنفاق، في 17 يوليو/تموز، بعد نحو أسبوعين من بدء العدوان، ذات أثر كبير باعتبارها نجاحاً في نقل عناصر المقاومة، ولأول مرة وراء خطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتشكيل تهديد مباشر للمستوطنات الإسرائيلية على غلاف غزة. وهي العملية التي أدى تكرار مثيلاتها لاحقاً إلى ترسيخ الخوف وكسر الروح المعنوية في نفوس الإسرائيليين، مسببة عملية فرار جماعية من الكيبوتسات والمستوطنات الحدودية، تركت هذه المستوطنات فارغة إلا من بعض العناصر المدنية وقوات جيش الاحتلال نفسه.
وجاءت المفاجأة الثانية التي لم يقل تأثيرها المعنوي على جنود الاحتلال عن الأولى، في عملية الإنزال البحري للمقاومة عند قاعدة زيكيم، مما زاد من حجم الإحباط الإسرائيلي، خصوصاً وأن قيادة الجيش الإسرائيلي كانت تعمل على إنهاء ملف الأنفاق دون نجاح لتواجه بعمليات إنزال بحرية وتخطي سلاح البحرية الإسرائيلية.
وقد رافق ذلك كله نفس طويل، وإطلاق متواصل للصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، مع تحسب إسرائيلي متواصل من التوغل البري عميقاً في القطاع خوفاً من تبعات ذلك، خصوصاً وأن معارك الشجاعية الأولى أسقطت في يوم واحد فقط 13 جندياً إسرائيلاً.
أما المفاجأة الثالثة فكانت في عدم قدرة جيش الاحتلال، لغاية الآن، من إغلاق "ملف الأنفاق الهجومية، على الرغم من تعهد وزير الأمن الإسرائيلي بحل هذا الملف خلال يومين، لكن العمل استغرق 14 يوماً، أُعلن في نهايته عن قصف الأنفاق، المعروفة، والتي حُددت بـ 32 نفقاً، دون أن يعني ذلك كشفاً كاملاً ونهائياً للأنفاق الهجومية كافة، التي حفرتها حماس.
إلا أن أكبر ما يمكن أن ينسب للمقاومة الفلسطينية في ظل الحصار الإسرائيلي المصري المزدوج عليها، تمثل في امتداد العدوان على 55 يوماً، من دون أن ينجح الاحتلال في تحقيق أي نصر عسكري مبين أو حسم المعركة لصالحه كلياً والقول بتحقيق الردع. وما يعزز هذا الاستنتاج هو عودة التحذيرات التي تكررت، في الأشهر الأخيرة، من عناصر عسكرية وأخرى سياسية مختلفة، بدءاً بوزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، الذي يواصل الدعوة لإعادة احتلال غزة، وعضو الكنيست الحالي، عومر بار ليف، وزعيم المعسكر الصهيوني، يتسحاق هرتسوغ، الذين يدعون إلى وجوب شن حرب جديدة على "حماس" في القطاع وإنهاء المهمة التي لم يكملها جيش الاحتلال في الصيف الماضي.
وإذا كان تقديرات هؤلاء تأتي من دوافع حزبية في تحديد عدم ترسيخ ردع إسرائيلي في العدوان، فإن موشيه أرنس، الليكودي ووزير الأمن السابق، يؤكد لسارة لايفوفيتش در في "معاريف"، وكذلك المستشرق، أيال سيزر، أن الحرب على غزة لم تحقق أهدافها، داعياً إلى وجوب إكمال المهمة والإطاحة بسلطة "حماس".
في المقابل، فإن إعلان القيادي في "حماس"، ورئيس الحكومة المقالة، إسماعيل هنية، أن حكومة إسرائيل أعلنت عبر قنوات اتصال غير مباشرة أنها لا تعتزم شن هجوم على قطاع غزة، مع ما سبق ذلك من حديث عن اتصالات قبل ثلاثة أسابيع أوشكت أن تتمخض عن اتفاق تهدئة طويل الأمد، يوحي بأن إسرائيل سلمت بسلطة "حماس" في قطاع غزة، لكن هذا يثير السؤال الأساسي حول مستقبل القطيعة بين قطاع غزة والضفة الغربية والفصل بينهما، وهل بات هذا الفصل وتكريسه، هو ما يراهن عليه الاحتلال حالياً، لمواجهة تحديات مقبلة، وفي مقدّمها المبادرة الفرنسية في مجلس الأمن الدولي في سبتمبر/أيلول المقبل؟
من جهة ثانية، عبّر جيش الاحتلال عن رفضه تقرير لجنة التحقيق الدولية في جرائم غزة، برئاسة الأميركية، ماري ديفيس، والذي اتهمه بارتكاب جرائم حرب، من خلال ترقية اثنين من ضباطه، كانا متورطين في جرائم العدوان على غزة، وهما العقيد غسان عليان ، قائد لواء جولاني الذي أصيب خلال معركة الشجاعية، إذ سيرقى إلى رتبة بريغدير جنرال، ويعين قائداً لضباط سلاح المشاة والمظليين.
أما الضابط الثاني، بحسب ما أورد موقع "معاريف"، أمس، فهو العقيد عوفير فينتور، قائد لواء جفعاتي، والذي سيرقى، أيضاً، إلى رتبة بريغدير جنرال، ويعين رئيس أركان قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤولة عن الضفة الغربية المحتلة. ويشكل القرار بترقية هذين الضابطين ردّاً إسرائيلياً على تقرير اللجنة الدولية، وصفعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: شبح "الجنائية" يرعب جنود الاحتلال: كبش فداء السياسيين!