عامان على الاتفاق السياسي الليبي: عراقيل حفتر مستمرة

17 ديسمبر 2017
طموحات حفتر تُعرقل أي تسوية (عبدالله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

يصادف اليوم مرور عامين على الاتفاق السياسي الليبي، الذي وقّعته الأطراف الليبية في مدينة الصخيرات المغربية، بعد عام كامل من المفاوضات بينها من دون أن تصل ليبيا إلى برّ الأمان، بسبب عراقيل عدة، على رأسها الطموح العسكري والسياسي للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي ربما تؤول إليه كل العراقيل التي واجهت تنفيذ الاتفاق.

فبعد انحياز مجلس النواب، إثر العملية الانتخابية البرلمانية منتصف عام 2014، إلى جانب حفتر، اندلعت حرب ضروس في طرابلس بين قوات فجر ليبيا المناوئة لحفتر وبين قوات الزنتان الموالية لمجلس النواب، وحرب أخرى بين قوات حفتر ومجلس شورى بنغازي في بنغازي. ووسط انقسام سياسي أنتج حكومتين وبرلمانيين، انطلقت جلسات تفاوض سياسي برعاية الأمم المتحدة؛ للوصول إلى تسوية سياسية تعيد الوحدة السياسية للبلاد. وبعد جولات في عواصم عربية وأجنبية عدة اتفق فريقا الحوار الممثلان لمجلس النواب والمؤتمر الوطني العام وقتها على التوصّل إلى اتفاق سياسي تم التوقيع عليه في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015 في مدينة الصخيرات المغربية والإعلان عن حكومة وحدة وطنية.

وعلى الرغم من مشاركة فريق مجلس النواب في التوقيع على الاتفاق إلا أن الساعات الموالية وقتها غيّرت موقف النواب الداعمين لحفتر، وعلى رأسهم رئيس المجلس، عقيلة صالح. فبعد أن شرعن مجلس النواب "عملية الكرامة" وقائدها حفتر واعتبره قائداً عاماً للجيش تنبّه موالوه من النواب إلى منصبه المزعوم قائداً للجيش، إذا آلت صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بحكم مخرجات الاتفاق السياسي، فبدأت عملية التململ والرفض الضمني للاتفاق.

الفرقاء الليبيون خلال توقيع اتفاق الصخيرات (فاضل سينا/ فرانس برس) 



أولى تلك العمليات كانت من خلال رفض مجلس النواب أولى التشكيلات الحكومية التي قدمها رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، في فبراير/ شباط من العام الماضي، بحجة أنها تشكيلة موسّعة وعليه تقليصها، لترفض التشكيلة الثانية المقدمة بعد شهر تقريباً. وعلى الرغم من قيام نائب رئيس مجلس النواب، امحمد شعيب، صحبة 100 نائب، بمنح الثقة لحكومة الوفاق في فبراير/ شباط 2016، في أحد فنادق مدينة طبرق، بعد اتضاح موقف النواب الموالين لحفتر في الذهاب إلى عرقلة الحكومة، إلا أن رئاسة مجلس النواب أعلنت عن عدم منحها الثقة للحكومة وعدم الاعتراف بمخرجات الاتفاق السياسي إلا بعد تعديله وحذف المادة الثامنة منه.

وطيلة مسيرة إفشال مساعي تنفيذ الاتفاق السياسي كانت المادة الثامنة منه تُرافق أي مسعى لإفشاله. فالتصعيد العسكري من جانب حفتر الذي انتهى بالسيطرة على منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية والمهمة للعالم، بعد حروب عدة، وصولاً إلى قواعد عسكرية مهمة أيضاً في الجنوب الليبي؛ كقاعدة تمنهنت والجفرة، كانت الغاية من ورائه إقناع العالم بأنه الأقدر على قيادة الجيش، فضلاً عن فرض نفسه كرقم في المعادلة السياسية والعسكرية في البلاد.

لكن المسار السياسي المتغير في طرابلس فرض واقعاً جديداً بعد تغيّب المؤتمر الوطني العام في طرابلس وظهور المجلس الأعلى للدولة وبدء حكومة الوفاق ممارسة فعلية لأعمالها كمخرجين مهمين للاتفاق السياسي، بالتوازي مع انتصار سياسي وعسكري كبير حققته قوات البنيان المرصوص التابعة للمجلس الرئاسي على تنظيم "داعش" في سرت. وجعل ذلك الإصرار الدولي كبيراً على إنفاذ الحل السياسي في البلاد من خلال الاتفاق السياسي ورفض أي حل عسكري، لا سيما القادم من جهة حفتر.

حفتر يرغب في الانفراد بقيادة المؤسسة العسكرية (جاك ديمارتون/ فرانس برس)


هذا الإصرار الدولي تجاه الاتفاق السياسي، وإن كان موحداً في الظاهر، لم يمنع أطرافاً فاعلة إقليمية وأجنبية من القيام في الخفاء بتقوية شوكة حفتر، كمصر والإمارات عربياً وفرنسا وروسيا دولياً. كما أن دولاً أخرى عربية وأجنبية أيضاً عملت على ترجيح كفة خصومه في طرابلس كتونس والجزائر عربياً وإيطاليا وبريطانيا دولياً. وفي خضم هذا الانقسام الدولي والعربي حيال الاتفاق طغى صوت السلاح في بنغازي والهلال النفطي والجنوب وسرت على أحاديث السياسيين الداعية إلى دعم الاتفاق السياسي وضرورة تطبيقه لإخراج البلاد من أزمتها المتصاعدة.


على طول مسار الأزمة يبدو أن الاتفاق السياسي أنتج انقساماً جديداً كان هذه المرة بين حفتر والسراج، فالأول يتخذ من مجلس النواب واجهة سياسية والثاني يركن إلى المجلس الأعلى للدولة ودعم دولي لا محدود، لتبدأ مساعٍ للجمع بين الرجلين، كان أولها في أبوظبي مطلع مايو/ أيار الماضي وثانيها في باريس في 25 من يوليو/ تموز الماضي الذي أعلن فيه لأول مرة قبول حفتر بالاتفاق السياسي وإمكانية الذهاب إلى انتخابات عامة كسبيل لإنتاج سلطة سياسية وعسكرية موحدة.

وإثر تولّي السياسي اللبناني، غسان سلامة، مهام المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا في أغسطس/ آب الماضي كانت أولى مهامه البناء على مخرجات اللقاءين بين حفتر والسراج، بالدعوة إلى تكوين لجنة صياغة موحدة لتعديل الاتفاق السياسي من مجلسي النواب والدولة للخروج بصياغة موحدة للاتفاق السياسي، بناء على جلسات جمعت بينهما في تونس ضمن خطة أممية أعلن عنها في العشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي.

لكن جلسات تعديل الاتفاق اصطدمت مجدداً بعرقلة حفتر ومنصبه العسكري، فبحسب التسريبات وقتها فإن مقترحات عدة قبل بها خصوم حفتر، بأن يكون مؤسسة الجيش، لكنها رفضت من قبله، إذ يصر أن يكون قائداً مطلقاً لا يشاركه أحد في صنع القرار العسكري.

وبالتوازي مع انهيار شعبيته في شرق البلاد والقلاقل التي يعانيها في صفوف قواته قبل حفتر بالخضوع لقيادة مدنية تتمثل في حكومة جديدة ورئيس جديد. لكن هذا القبول لم يدم، إذ فشل مجلس النواب في أن تكون له الأغلبية في الحكومة الجديدة التي ستمكّن حفتر من حرية التصرف العسكري، وانتهت مفاوضات تعديل الاتفاق السياسي إلى لا شيء.

لكن الخطة الأممية كانت تتوفر على بدائل لإنقاذ الوضع في البلاد، منها الدعوة إلى الانتخابات، وهي الخطوة التي أعلن عنها المبعوث الأممي سلامة من طرابلس في السادس من الشهر الجاري، رفقة رئيس مفوضية الانتخابات عماد السويح الذي أعلن عن بدء تسجيل الناخبين لعملية انتخابية جديدة ستجرى خلال العام المقبل. وعلى الرغم من قبول حفتر بمبدأ الانتخابات خلال لقائه السراج في باريس إلا أنه تراجع بسبب أوضاعه السيئة في الأوساط الشعبية والمحلية داخل البلاد التي لن تمكّنه من الفوز بأي منصب إذا انخرط في عملية الانتخابات، فقد هاجم مؤيدوه الأسبوع الماضي مقرات لمفوضية الانتخابات في بنغازي، كما أن أحد النواب المؤيدين له نقلت عنه مطالبته بنقل مقر المفوضية العليا للانتخابات من طرابلس إلى بنغازي شرطاً للقبول بالانتخابات.