عافية صديقي: طبيبة "جهادية" أم ضحية؟

28 سبتمبر 2014
خلال تظاهرة تطالب بالافراج عن صديقي (أرشيفية/عاصف حسن/فرانس برس)
+ الخط -

يلقبها الباكستانيون بـ"بنت الأمة" ويعرفها العالم بأنها عالمة باكستانية في طب الأعصاب، وأسيرة لدى الولايات المتحدة الأميركية. إنها عافية صديقي، الطبيبة التي عاشت في الولايات المتحدة عقداً من حياتها. تعلمت هناك، ثم عادت إلى مسقط رأسها في كراتشي، واختفت في ظروف غامضة لخمس سنوات تقريباً قبل أن تعلن الشرطة الأفغانية اعتقالها في إقليم غزنه، وتُنقل لاحقاً إلى الولايات المتحدة.

وبينما تعتقد أسرة صديقي أن ابنتها كانت محتجزة منذ البداية لدى القوات الأميركية في أفغانستان إثر اعتقال الاستخبارات الباكستانية إياها في كراتشي، تقول واشنطن إن الطبيية اختفت عن أنظار الناس لأنها كانت ضمن قائمة المطلوبين إليها، وتدعي أنها كانت تعمل خلال فترة اختفائها (خمس سنوات) لصالح الجماعات المسلحة إلى حين سفرها إلى أفغانستان واعتقالها هناك في العام 2008.

ولدت صديقي في مدينة كراتشي في مارس/آذار العام 1972. والداها هما محمد صديقي الذي درس طب الأعصاب في بريطانيا، والناشطة الاجتماعية عصمت صديقي.

درست الثانوية في مدرسة "جلستان شاه لطيف" وتخرجت منها العام 1990. ثم سافرت إلى الولايات المتحدة والتحقت بجامعة "هيوستن"، في مدينة تكساس.

ولكن بعد ثلاثة فصول دراسية تركت الجامعة والتحقت بمعهد "ماساشوستس للتقنية" العام 1992. وفي العام 1995، بعدما حصلت على شهادة بكالوريوس، تزوجت بطبيب تخدير من  مدينة كراتشي، يُدعى أمجد خان.

واصلت صديقي دراستها بعد زواجها في جامعة "برينديز" بولاية ماساشوستس نفسها إلى أن حصلت على شهادة دكتوراه في علم الأعصاب العام 2001. وكانت معروفة أثناء دراستها بأنها ناشطة إسلامية، تقود حملات عديدة في المدن الأميركية من أجل الحصول على التبرعات لأفغانستان والشيشان والبوسنة. كما مُنحت شهادات فخرية كثيرة لمساهمتها في الأنشطة المختلفة.

في العام 2002، وبعد ثمانية أشهر من أحداث 11 سبتمبر/أيلول العام 2001، استجوب "مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي" (أف بي اي) صديقي وزوجها. وحقق معهما بشأن شراء الزوج عبر الانترنت نظارات للرؤية الليلية وكتباً عسكرية ودروعاً وغيرها. لكن خان، أكد أثناء التحقيق أنه اشترى تلك المعدات بهدف الصيد لا أكثر.

ومع مرور الوقت، تدهورت العلاقة الزوجية بين صديقي وزوجها، ووصل الأمر إلى وقوع الطلاق بينهما في أغسطس/آب العام 2002، بعد أيام من عودتهما إلى كراتشي. وبعد الطلاق ببضعة أيام رزقت عافية بولد ثانٍ، ليصبح عندها ولدان أحمد وسلمان، وبنت هي مريم.

زواج عافية الثاني

وعلى الرغم من نفي أسرة صديقي نبأ زواجها الثاني، إلا أن الاستخبارات الباكستانية والأميركية تؤكد أن عافية، تزوجت بعد طلاقها من خان بشخص آخر عاش في الكويت ولكنه من مواليد إقليم بلوشستان ويدعى علي عبد العزيز، المعروف بعمار البلوشي، وهو ابن شقيقة خالد الشيخ، الذي تقول الولايات المتحدة الأميركية إنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول.

ولد البلوشي، في إقليم بلوشستان عام 1977، ثم انتقل إلى الكويت وعاش هناك، إلا أنه استقر في دبي في العام 1998، وكان يعمل في شركة كمبيوترات.

وعاد إلى باكستان بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، واعتقلته الشرطة الباكستانية في 2003، ثم سلّم إلى الاستخبارات الأميركية، ونقل إلى سجن غوانتنامو، حيث اتهمته السلطات الأميركية بمساعدة تنظيم "القاعدة" مالياً.


اختفاء عافية

في نهاية العام 2002، سافرت صديقي إلى الولايات المتحدة بحثاً عن العمل الأكاديمي، إلا أنها عادت بعد عشرة أيام إلى باكستان بعدما فشلت في العثور على العمل هناك حسب ما يروي عنها زوجها الأول.

لكن الولايات المتحدة الأميركية تنفي ذلك وتقول إنها ذهبت إلى أميركا بسبب أنشطتها الجهادية، إذ فتحت صندوق بريد باسم مجيد خان، وهو أحد أعضاء تنظيم "القاعدة"، الذي اعتقل في باكستان في مارس/ آذار 2003، وانتقل إلى سجن غوانتنامو.

وفي 30 مارس/ آذار 2003 غادرت صديقي، منزلها في كراتشي مع أولادها الثلاث وسافرت إلى إسلام آباد لزيارة عمها هناك، لكنها اختفت في الطريق قبل أن تصل إلى مطار كراتشي، واعتقلتها الاستخبارات الباكستانية لصالح نظيرتها الأميركية، التي نقلتها إلى قاعدة "باغرام" الجوية في أفغانستان كما تقول أسرة عافية ومحاموها.

وحسب عصمت، أم عافية، فإن الأسرة قد بدأت بعد عملية الاختطاف تبحث عن ابنتها وأولادها المفقودين، غير أن الاستخبارات الباكستانية منعت الأسرة من البحث وحذرتها من نتائج وخيمة، ولكنها على الرغم من ذلك ظلت تبحث عن ابنتها بين حين وآخر.

وفي حين كانت الأسرة تبحث عن ابنتها، أدرج "مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية" صديقي ضمن قائمة المطلوبين في 2004 باعتبارها شخصية خطيرة تعمل مع تنظم "القاعدة" ضد المصالح الأميركية.

كانت أسرة عافية تصرّ على أن ابنتها محتجزة لدى الولايات المتحدة على الرغم من النفي الأميركي المتكرر، إلا أن تحقيقاً أجرته صحافية بريطانية، تدعى إيفون رادلي، حول سجينة في باغرام تعرف بـ"سجينة رقم 650" بعدما قرأت عنها في الكتاب الذي ألّفه أحد سجناء "باغرام" الأفغاني، الحقوقي معظم بيك، بعنوان "المقاتل العدو"، توصلت من خلاله إلى أن السجينة طبيبة باكستانية تدعى عافية صديقي. وحينئذ بدأ الإعلام يهتم بالقضية.

لكن الولايات المتحدة الأميركية تنفي وبشكل قاطع أن عافية لم تكن في أي وقت من الأوقات في سجن أميركي قبل 2008. وهو ما تصرّ عليه الاستخبارات الأفغانية التي ترى أن صديقي كانت في باكستان خلال فترة اختفائها، حيث كانت تسكن في مدينة كويته غربي باكستان، وتعمل مع جماعات مسلحة قبل أن تسافر إلى مدينة غزنه الأفغانية في 14 أغسطس/آب 2008.

ويؤكد خان الرواية نفسها ويشير إلى أنه رأى بأم عينه عافية صديقي مرتين خلال فترة اختفائها في باكستان.

اعتقال عافية ومحاكمتها

أعلنت الشرطة الأفغانية، في 17 يوليو/ تموز 2008، أنها اعتقلت امرأة تحمل جنسية باكستانية ومعها ولد عمره 11 عاماً، كانا يعدّان لتنفيذ عملية انتحارية ضد مقر حاكم الإقليم، وكان بحوزتها خرائط ووثائق مهمة عن كيفية استخدام المواد الكميائية والمتفجرات وصنع القنابل.

ويضاف إلى ذلك وجود مواد كيميائية في الحقيبة التي كانت تحملها المرأة ساعة اعتقالها أمام مقر حاكم إقليم غزنه. وفي اليوم التالي وصل ضابطان أميركيان إلى إقليم غزنه لإجراء التحقيق معهما.

وبحسب الرواية الأميركية، فإن صديقي قفزت من وراء ستار الزنزانة قبل بدء التحقيق معها على الضابطين وانتزعت واحداً من سلاحهما ثم أطلقت النيران عليهما لكنها أخطأت التصويب.

ولكن الضابط الأميركي لم يخطئ حين أطلق النار على عافية فأصابها في صدرها ودخلت في غيبوبة كاملة. بعد إصابتها نقلت إلى قاعدة "باغرام" الجوية، التي تقع في شمال العاصمة الأفغانية كابول، وعولجت هناك لمدة أسبوعين، قبل أن يت نقلها إلى الولايات المتجدة لإجراء مزيد من التحقيق معها.

وفي بداية شهر أغسطس/آب عام 2008، شرعت السلطات الأميركية في محاكمة صديقي، واستمرت محاكمتها في أوقات متقطعة إلى حين ادانتها في سبتمبر/أيلول عام 2010 بجميع التهم الموجهة إليها ومنها الشروع في القتل والاعتداء المسلح على الضابط الأميركي والتخطيط لاستهداف أماكن حساسة في الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى الرغم من نفي فريق الدفاع عن صديقي التهم الموجهة إليها، إلا أن المحكمة الأميركية حكمت عليها بقضاء 86 عاماً في السجن. ومنذ ذلك الحين تمضي عقوبتها في سجن "تكساس".

أما أولادها الثلاثة، فيعيش اثنان منهما وهما أحمد (الذي عاد إلى بيته العام 2008) ومريم (التي عادت إلى بيتها العام 2010) مع أخت عافية فوزية وأمها عصمت في كراتشي. أما سلمان الصغير الذي كان عمره فقط ستة أشهرعند اعتقال عافية في كراتشي، فيُعتقد أنه توفي أثناء احتجاز أمه. ولا يزال من غير الواضح أين احتجز الأطفال عندما خطفوا من مدينة كراتشي مع والدتهم.

المساهمون