تنتظر عائلة المسنّ المقدسي، أيوب شماسنة، من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، مصيراً مجهولاً بعد تسلمها أمس الإثنين، تحذيراً نهائياً من عرّاب الاستيطان اليهودي آرييه كينغ، والذي اقتحم محيط المنزل بصورة استفزازية ومن دون حراسة، متحدياً مشاعر المواطنين في الحي ومشاعر عائلة شماسنة.
العائلة باتت قاب قوسين أو أدنى من التشريد من منزلها الذي استقرت فيه عام 1964، بعد سنوات طويلة من اللجوء، حين هجّرت من قرية قطنة شمال غربي القدس، ثم استقرت في البيت المتواضع في المنطقة المعروفة بـ "كبانية أم هارون" التي يدعي كينغ أن يهوداً امتلكوها قبل عام 1948، قبل أن تنتقل ملكية البيت إلى حارس الأملاك الأردني وقتها، ومنه إلى حارس الأملاك الإسرائيلي، بعد سقوط القدس عام 1967.
ويقطن في المنزل المكوّن من غرفتين، الحاج أيوب شماسنة (82 عاماً) وزوجته، وابنهما محمد وزوجته وأولاده، بحيث يؤوي البيت عشرة أشخاص في مساحة لا تتجاوز 65 متراً مربعاً.
أكثر من عشرين عاماً والمسنّ شماسنة يخوض نزاعاً قضائياً مع المستوطنين الذين انتهى بهم الأمر بالتوجه إلى إدارة "حارس أملاك الغائبين" عام 2011، ثم إلى المحكمة، من أجل إخلاء عائلة شماسنة بدعوى انتهاء عقد الإيجار عام 2008، ولم يُشر إلى أن العائلة كانت تدفع الإيجار حتى بعد ذلك العام.
وفي المقابل، ردت عائلة شماسنة بأنها تعيش في المنزل منذ عام 1964 وهي محمية بعقود الإيجار بعد الاحتلال، وقدمت الوثائق التي تثبت قيامها بدفع الأجرة في عقد عام 1977، وإثباتات إقامتها فيه منذ عام 1972، لكنها لم تستطع إثبات الإقامة قبل عام 1968.
ورفضت المحكمة المركزية ومحكمة الصلح الإسرائيليتين، ادعاء عائلة شماسنة بالحماية، وقبلت ادعاء حارس أملاك الغائبين، في حين رفضت العليا هي الأخرى التماس العائلة الفلسطينية، وأمهلتها في حينه حتى الأول من مارس/آذار الجاري لإخلاء المنزل.
عضو لجنة أهالي حي الشيخ جراح، هاشم بدر، أوضح لـ "العربي الجديد" أن مساحة الحي الغربي المسمّى "كبانية أم هارون"، تبلغ نحو سبعة دونمات، وقبل النكبة كان يعيش فيه عرب ويهود، وبعد عام 1948 هاجر اليهود إلى القدس الغربية وأصبح تحت سلطة "حارس الأملاك الإسرائيلي"، إذ تم تأجيره لعائلات فلسطينية بأجرة رمزية، بموجب عقود سنوية، وذلك ما بين النكبة (1948) والنكسة (1967).
وأوضح بدر أنه في عام 1970 تنبه إلى ذلك "القيّم العام - حارس أملاك الغائبين"، وقام بعمل (عقود محمية) للسكان، وأصبحت الأجرة سنوية، وخلال السنوات الماضية، وبطرق الخداع، تمّ سحب الحماية من عدد من سكان الحي، وكان ذلك بطريقتين، الأولى يستغل فيها بساطة كبار السن الذين لا يجيدون قراءة اللغة العبرية، ويدّعي أنهم سيقومون بترميم الحي، وبالتالي وقع بعضهم عقوداً لا تحمي صاحبها، والطريقة الثانية عن طريق تراكم الإيجار لسنوات كثيرة.
يقول خبير الاستيطان، أحمد صب لبن لـ "العربي الجديد" إن "القضية لا تقف عند عائلة شماسنة، إذ توجد ست عائلات أخرى تقطن المنطقة، مهددة هي الأخرى بالطرد والترحيل، فيما توجد ثمانية مخططات هيكلية تتداول في اللجنة المحلية واللوائية في بلدية القدس وتستهدف بناء 326 وحدة سكنية".
والمخططات هي 110 وحدات استيطانية على أرض فندق شبرد، تم الحصول على التراخيص اللازمة والنهائية لـ 20 وحدة منها، و200 وحدة في منطقة الصديق شمعون، وثلاث وحدات في منطقة عائلة السعو، و12 وحدة في البناية المقابلة لعائلة السعو، إضافة إلى مدرسة دينية في أرض "كبانية أم هارون"، ومركز تجاري خلف فندق ليجاسي، وبالتحديد في أرض مقام عليها حالياً معرض للسيارات، علاوة على مشروع مستقبلي مكوّن من "350" وحدة في أرض المفتي ولا يوجد له أي مخطط هيكلي حتى الآن.
في حين أن الأرض المعروفة بـ "كبانية أم هارون"، كانت مؤجّرة ليهودي من مالك فلسطيني، والذي بدوره قسمها إلى 68 قطعة، وأجرها ليهود آخرين، لتصبح اليوم هذه البيوت ومنها بيت شماسنة حدثاً متجدداً يحمل في طياته مخاطر تشريد العائلة، وعائلات أخرى، والسيطرة على منطقة تعد حداً فاصلاً بين القدس الشرقية والغربية، في مقدمة لتهويد المكان كله.