تظاهرات العاصمة اليمنية صنعاء أشهر من أن تُعرَّف، فمنذ ستينيات القرن الماضي، تقطع هذه المدينة بطلابها الثانويين والجامعيين، الشكّ باليقين حول الطاقات الحيوية الكامنة في المجتمع اليمني، بالرغم مما يقال فيه وعنه من قبلية وعشائرية.
تعود الجذور القديمة للحراك الطالبي إلى تشكيل ما سمّي في حينه بالحرس الوطني لحماية ثورة سبتمبر (1962)، وهو الحرس الذي كان في أساس قيام الجيش الجمهوري، وكانت جموعه تنتمي إلى بيوت الناس العاديين في شطري اليمن. بالطبع، تغير بعدها اليمن كثيراً وأنشئت المدارس وانتشر التعليم بين فئات المجتمع في الأرياف والمدن، بعدما كان حكراً على عائلات بعينها، عدا عن نوعيته المتخلفة التي كانت تتماشى مع النظام السائد السابق.
لكن، من دون خوض في التاريخ، نتوقف عند الحراك الذي شهده العام 2011 والذي نادى للمرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث بتغيير النظام وسقوط حكم علي عبد الله صالح. انطلقت الاحتجاجات والتظاهرات كما هو معروف من جامعة "صنعاء"، عندما تنادى طلابها ضمن مناخات أحداث الربيع العربي العاصف في حينه مع مجموعات من الحقوقيين للخروج بتظاهرات تؤكد على ضرورة إسقاط نظام صالح بمعادلاته المعروفة والمجهولة في الوقت نفسه، والتي وضعت البلاد في دائرة مقفلة لا تستطيع الخروج منها. ردت السلطة على هذا الحراك بحملات اعتقال طاولت عدداً من الناشطين. ومن جامعة العاصمة انتشرت التظاهرات كالنار في الهشيم، ونجحت في إرغام صالح على توقيع وثيقة سياسية سرعان ما تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي، ودعت إلى إقامة انتخابات رئاسية مبكرة بمرشح وحيد، ولعامين فقط خلاف ما كان ينويه صالح من البقاء وتوريث سلطته أسوة بغيره من الحكام العرب.
إذاً، نجح الحراك في تحديد فترة محددة للسلطة، لكنّ ما حدث بعد ذلك على صعيد التشبيك بين النظام والحوثيين أدى إلى مسارات مختلفة، دفعت بالبلاد نحو هاوية الحرب الأهلية، بعدما سبقتها سيطرة الحوثيين على معظم أنحاء البلاد. المرحلة التمهيدية التي سيطر فيها الحوثي كانت حافلة بمنوعات من قمع حركات الاحتجاج سواء صدرت من الطلاب أو غيرهم. وكانت الحصيلة سوق المئات إلى السجون مفضلين الزنازين على الخضوع للنموذج الطائفي الجهوي المطروح عليهم.
اقــرأ أيضاً
ضمن مناخات من الحروب المفتوحة يصعب الحديث عن الحراك الطالبي، ويصعب أصلاً ممارسة كلّ أشكال الحياة الديمقراطية، إذ معها تصبح الكلمة للسلاح وليس لغيره. وفي مثل هذا المناخ تتعذر مواصلة الحراك الطالبي بالرغم من انتهاء الجمهورية الأولى بنهاية حقبة صالح، وكلّ التراكيب السياسية والإدارية التي فرضت على البلاد سواء من جانب الحوثيين، أو الحكومة الشرعية. مثل هذه المناخات قادت إلى فشل الاندفاعة الطالبية والشبابية التي عرفتها اليمن في مراحل سابقة. ويمكن القول إنّ إهمال القوى الشرعية لهذه الشريحة ربما كان من الأسباب الأساسية التي قادت إلى الفشل الراهن، لكنّ ذلك ليس نهاية التاريخ بالطبع.
*باحث وأكاديمي
تعود الجذور القديمة للحراك الطالبي إلى تشكيل ما سمّي في حينه بالحرس الوطني لحماية ثورة سبتمبر (1962)، وهو الحرس الذي كان في أساس قيام الجيش الجمهوري، وكانت جموعه تنتمي إلى بيوت الناس العاديين في شطري اليمن. بالطبع، تغير بعدها اليمن كثيراً وأنشئت المدارس وانتشر التعليم بين فئات المجتمع في الأرياف والمدن، بعدما كان حكراً على عائلات بعينها، عدا عن نوعيته المتخلفة التي كانت تتماشى مع النظام السائد السابق.
لكن، من دون خوض في التاريخ، نتوقف عند الحراك الذي شهده العام 2011 والذي نادى للمرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث بتغيير النظام وسقوط حكم علي عبد الله صالح. انطلقت الاحتجاجات والتظاهرات كما هو معروف من جامعة "صنعاء"، عندما تنادى طلابها ضمن مناخات أحداث الربيع العربي العاصف في حينه مع مجموعات من الحقوقيين للخروج بتظاهرات تؤكد على ضرورة إسقاط نظام صالح بمعادلاته المعروفة والمجهولة في الوقت نفسه، والتي وضعت البلاد في دائرة مقفلة لا تستطيع الخروج منها. ردت السلطة على هذا الحراك بحملات اعتقال طاولت عدداً من الناشطين. ومن جامعة العاصمة انتشرت التظاهرات كالنار في الهشيم، ونجحت في إرغام صالح على توقيع وثيقة سياسية سرعان ما تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي، ودعت إلى إقامة انتخابات رئاسية مبكرة بمرشح وحيد، ولعامين فقط خلاف ما كان ينويه صالح من البقاء وتوريث سلطته أسوة بغيره من الحكام العرب.
إذاً، نجح الحراك في تحديد فترة محددة للسلطة، لكنّ ما حدث بعد ذلك على صعيد التشبيك بين النظام والحوثيين أدى إلى مسارات مختلفة، دفعت بالبلاد نحو هاوية الحرب الأهلية، بعدما سبقتها سيطرة الحوثيين على معظم أنحاء البلاد. المرحلة التمهيدية التي سيطر فيها الحوثي كانت حافلة بمنوعات من قمع حركات الاحتجاج سواء صدرت من الطلاب أو غيرهم. وكانت الحصيلة سوق المئات إلى السجون مفضلين الزنازين على الخضوع للنموذج الطائفي الجهوي المطروح عليهم.
ضمن مناخات من الحروب المفتوحة يصعب الحديث عن الحراك الطالبي، ويصعب أصلاً ممارسة كلّ أشكال الحياة الديمقراطية، إذ معها تصبح الكلمة للسلاح وليس لغيره. وفي مثل هذا المناخ تتعذر مواصلة الحراك الطالبي بالرغم من انتهاء الجمهورية الأولى بنهاية حقبة صالح، وكلّ التراكيب السياسية والإدارية التي فرضت على البلاد سواء من جانب الحوثيين، أو الحكومة الشرعية. مثل هذه المناخات قادت إلى فشل الاندفاعة الطالبية والشبابية التي عرفتها اليمن في مراحل سابقة. ويمكن القول إنّ إهمال القوى الشرعية لهذه الشريحة ربما كان من الأسباب الأساسية التي قادت إلى الفشل الراهن، لكنّ ذلك ليس نهاية التاريخ بالطبع.
*باحث وأكاديمي