طريق الحرير في كوبنهاغن: المرأة العربية وجدت من يساعدها

23 اغسطس 2015
10 سنوات لكسر نمطية صورة المرأة المهاجرة (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ عام 2005 انطلقت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، جمعية نسوية وبدعم من الاتحاد الأوروبي يتعلق عملها بتمكين النسوة المهاجرات من التغلب على صعوبات كثيرة تواجههن في الغربة. وبالرغم من أن مشروع "طريق الحرير" توقف دعم الاتحاد الأوروبي له في عام 2008، فإن النساء أبقين عليه وقمن بتسجيله رسميا ليستمر العمل بشكل أوسع مما كان سابقا.

وبحسب ما تذكر المهندسة العراقية هدى قزويني، مديرة "طريق الحرير"، لـ"العربي الجديد"، فإن "النساء لم يقبلن أن تظل الصورة النمطية عن المرأة العربية في الدنمارك والغرب عموما هي صورة المرأة المقموعة والمسكينة العاجزة عن فعل شيء لأنه لا يمكنها المبادرة إلا إذا أُخذ بيدها".

وبالفعل باتت جمعية "طريق الحرير" تضم في صفوفها نسوة عربيات، وغير عربيات، واحدة من الجمعيات النشطة على مستويات مختلفة، لعل أهمها أنها جمعية تشمل النساء من مختلف الإثنيات والعرقيات، فهي ليست جمعية أو مؤسسة حكر على إثنية أو جنسية محددة، ففيها نساء من مختلف بقاع الأرض والثقافات، فإلى جانب العراقية والسورية واللبنانية والمغربية تجد الصومالية واللاتينية والدنماركية والبوسنية والتركية.

اقرأ أيضاً: آرتس كانتين: تحدّيات المرأة العربية وفنونها

وبحسب ما يقول القائمون عليها لـ"العربي الجديد"، فهي "منفتحة على النساء من أين ما جئن"، والمهم بحسب مديرتها القزويني أن "يصبح للنساء المهاجرات، وخصوصا العربيات حضورهن المميز بعيدا عن جدلية العنصرية والتمييز والاستسلام للعزلة".

وتتوجه الجمعية إلى مساعدة النساء القادمات حديثا من سورية لمساعدتهن على البدء بحياة "كريمة من خلال مشاريع صغيرة ولإثبات ذاتهن دون أن تحد وتخفي مهارتهن ومؤهلاتهن بعض الأوهام المزروعة مسبقا".

فجمعية "طريق الحرير" عملت منذ تأسيسها على مبادرات صغيرة في ما يتعلق بمهاجرات يعانين صعوبات لغوية وقانونية في البدء بمشاريع إنتاجية أو التوظيف. وتعتقد نساء "طريق الحرير" بأن اللغة الدنماركية صعبة على كثيرات قادمات من المنطقة العربية "تقف أحيانا عائقا بوجههن لتحقيق مشاركة فعالة"، وبناءً على ذلك تؤمن القائمات على المشروع بأن للنساء "لغات ومهارات أخرى بغير اللغة الدنماركية، وأهمها لغة المهارة والثقافة وما تصنعه أناملهن من إبداعات تحجبها حالة التردد". ولذلك تقدم الجمعية دورات وورش عمل لتطوير القدرات والمواهب عند النسوة في طريق بناء الذات".

اقرأ أيضاً: كليب "ما تيجي هنا"... فهم خاطئ ومهين للأنوثة

وفي سبيل تسهيل مهمة الانخراط في سوق العمل، تقيم الجمعية عدداً من الورش التي تهم المرأة المهاجرة بالنسبة لسوق العمل وقوانين الأجانب، إذ يقول القائمون على الجمعية: "نحن ندعو متخصصين من مصلحة الضريبة ليشرحوا عبر مترجمين كل ما يتعلق بالبدء بالمشاريع الصغيرة دون خوف من طريقة دفع الضرائب كأحد معوقات البداية في المشاريع. لدينا شخصيات نسائية ناجحة في الأعمال وندعوهن للالتقاء بنساء أخريات لتقديم نماذج على كيفية الاعتماد على الذات وبدء العمل بتحضير نفسي ومعنوي يشجعهن على الانطلاق".

لا يتوقف الأمر في "طريق الحرير" ونشاطها على تقديم إرشادات ودورات، بل هي جمعية تعمل كـ"جسر بين النساء وسوق العمل" من خلال إقامة معارض لإبراز ما تنتجه النسوة وتسويقه ورفع مهاراتهن وإظهار مؤهلاتهن والتواصل مع سوق العمل لإيجاد أماكن عمل لهن بعد أن تكون أعمالهن قد عرضت، وهي عملية "دعاية وإشهار لمنتجات نسوية" وربطهن بمؤسسات تسوّق مهاراتهن وإبداعاتهن.

الاندماج في اتجاهين

وبحسب نساء انضممن إلى "طريق الحرير" وخصوصا ما تقوله مديرتها القزويني، فإن النصيحة المقدمة للنساء المحجبات: "ألا تجعلن الحجاب يضعكن في موقف المترددات والابتعاد عن ترسيخ الصورة النمطية عنكن. لهذا نقدم كل الخدمات الممكنة للمرأة الأجنبية المهاجرة".
 
نشاط جمعية "طريق الحرير" يذهب باتجاهين أيضا، فمثلما تحاول عبر السنوات تسهيل الصعاب التي تواجهها النساء في مجتمع جديد بثقافة عمل مختلفة، فهي تقدم أيضا للمجتمع الدنماركي فرصة للتعرف على قدرات نساء عربيات يملكن من المهارات ما تحجبه الأحكام المسبقة وغياب التفاعل.

اقرأ أيضاً: معرض "الفضاء العربي" في عمّان لدعم قضايا المرأة العربية

ليس غريبا أن تشارك "طريق الحرير" في نشاطات متعددة وتقيم احتفالات بالأعياد تدعو إليها المجتمع المحيط وسط العاصمة كوبنهاغن.

وفي النشاطات والمهرجانات الثقافية تدعى "طريق الحرير" لتحتل حيّزا بين المشاركين من الجنسيات المختلفة لتعرض ما تنتجه مشاريع نسوية وتشارك في الحوارات المجتمعية والثقافية لتقارب وتمازج أكبر بينها.

وفي المؤتمرات التي تقام في أماكن مختلفة حول قضايا الاندماج، فإن لتلك الجمعية النسوية حضورها أيضا. وتقول قزويني: "منذ سنوات ونحن نعمل على تشجيع ثقافة المشاركة بدءا من إشراك الأم في تحديد مستقبل طفلها في المدارس من خلال مجالس أولياء الأمور كخطوة أولى في طريق مشاركة أوسع في المجتمع، أنتجت مؤخرا مشاركة سياسية في الانتخابات البرلمانية، وأهمية الحوار مع المرشحات من أصول أجنبية ليطرحن أمام الناخبات برامجهن ويتفاعلن معهن بحوار بنّاء لإظهار أهمية المشاركة دون التفات للأحكام المسبقة النمطية عن المرأة المحجبة".

وبالفعل كان لافتا مشاركة هذه الجمعية في ما يشبه عمل "اللوبي" مع مرشحات تركيات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فتلك المرشحات عرفن قدرة المرأة المهاجرة على تنظيم صفوفها والتصويت بكثافة لهن إن جرى الاتفاق على أخذ مصالحهن بعين الاعتبار في القوانين والتشريعات.

تمازج ثقافي
لدى جمعية "طريق الحرير" ومديرتها هدى القزويني رؤية يعملان عليها تحت عنوان "تمازج ثقافي" في مجتمع تعددي حيث تقول: "النساء في الدنمارك، وحتى السويد، يأتين من ثقافات وخلفيات مختلفة، ولهذا فنحن نتعاون مع جمعيات نسوية من الصومال إلى أميركا اللاتينية إلى يوغسلافيا والجمعيات النسوية الدنماركية، وتقوم النساء بإنتاج أعمالهن بناءً على خلفياتهن الثقافية وبمواد دنماركية محلية. فنحن ندرك أن بعض النساء حضرن من بلدان تغيب فيها المشاركة الديمقراطية، ولهذا نتعاون مع جمعية المرأة العالمية في كوبنهاغن لتعزيز قضية المشاركة العابرة للثقافات والجنسيات".

اقرأ أيضاً: مهرجان سينما المرأة: أفلام مُتَرجَمَة ومجَّانية من 30 دولة

وتضيف: "نحن أيضا نهتم بالأطفال من خلال نشاطات تسهل على الأهل قضية متابعة الانسجام مع واقع جديد في المهجر. والأطفال يهتمون بالتأكيد بمسابقات نجريها لهم حتى في الإجازات، ومنها الخط العربي والرحلات الخارجية، ونشارك في يوم الطفل العالمي رسميا عبر مجموعة منهم يمثلون الأطفال من خلفيات ثقافية متعددة".

التعاون مع المؤسسات المتعددة الثقافات الذي تركز عليه جمعية "طريق الحرير" أثمر، كما تقول القزويني، خلق "ثقافة نسوية فعالة" بين المهاجرات بعيدا عن "الركود والعزلة" وبما يخدم المرأة ومن خلالها المجتمع المهاجر وخصوصا الأبناء "ليكون أمامهم مثل أعلى ونشط يتمثل بالأهل المنفتحين حضاريا وثقافيا بدون أوهام".

فهي انتقلت من العراق مع أهلها إلى العاصمة الأردنية عمان حيث عملت أيضاً في تدريس الأعمال الفنية للنساء. ووصلت مع عائلتها إلى العاصمة الفنلندية هيلسنكي كمهاجرة مضطرة، ثم قبل 14 سنة استقرت في كوبنهاغن بعد أن تزوجت فيها.

اقرأ أيضاً: "الزفّة" يهين المرأة العربية... ومن الأكثر مشاهدة
المساهمون