طرابلس اللبنانيّة: تقاوم الحرمان بالمهرجانات

21 ابريل 2015
29894533-FE14-441A-88A3-48C43CE36A95
+ الخط -
تحاول مدينة طرابلس، شمالي لبنان، تجاوز وصمها بقندهار لبنان وبأنها مدينة الحرب والقتال، التي عممّت نتيجة الأحداث الأمنية التي طالت المدينة طوال الأعوام الثمانية الماضية. ملّ الطرابلسيون من تكرار رفضهم للازمة "اختصار المدينة بمعارك منطقتي باب التبانة وجبل محسن"، وعملوا على إقامة المهرجانات والفعاليات، في محاولة لاستقطاب اللبنانيين والسياح إلى المدينة مجدداً.

وفي هذه الأيام، تزدحم مواعيد الفعاليات في رزنامة المدينة على اختلاف أنواعها، من مهرجان الأفلام بنسخته الثانية، إلى معرض الكتاب السنوي بنسخته الـ41، إلى "ماراثون" دعم الجيش اللبناني، وسباق دراجات هوائية، إلى جانب مهرجان تقيمه إحدى الجامعات الخاصة في المدينة، ومسرحية كوميدية للشيخ السلفي بلال مواس.

وقد ساهم انحسار الحركة الأمنية في الشوارع بإعادة بعض ملامح الحياة إليها. أفسحت مدرعات الجيش الطريق للمتعهدين لـ"فرش" الطرقات بالزفت الذي افتقدته طويلاً. كما غاب الحديث السياسي عن ألسنة الطرابلسيين، وأصبحوا يتحدثون عن الإنماء بصوت أعلى. ينتقدون استثناء التزفيت لعدد من الشوارع، ويرفضون إقامة مشروع تجاري بدل ساحة التل الأثرية.

كما برزت إلى العلن فئة "المجتمع المدني الطرابلسي"، بعد أن خذل سياسيو المدينة أهلها، كما يردد سكان المدينة. أعادت حركة المهرجانات، وخصوصاً معرض الكتاب أخيراً، بعضاً من زوار المدينة السابقين إليها، كما عاد إليها زوار قدامى أبعدتهم الأحداث الأمنية عنها.

في أحد المطاعم المشرفة على المدينة، يستعيد النادل العجوز فنون إعداد المائدة الطرابلسية العامرة بالأصناف للضيوف الذين عادوا إلى المطعم بعد فترة من الانقطاع. في المطعم نفسه يستقبل عدد من فعاليات المدينة زوارهم من سياسيين وإعلاميين في محاولة لتسليط الضوء على المدينة التي تذوي في عتمة غياب الإنماء. يجمع النادل أطراف الحديث من الطاولات المتعاقبة ويقدم للضيوف موجزاً سريعاً عن أخبار المدينة. وعلى مائدة الحلويات المجاورة، يرفض النادل توديع الضيوف "يجب أن نراكم قريباً، فطرابلس تحتاجكم".

زار المدينة المحتاجة، على مر الأيام القليلة الماضية، عدد من الإعلاميين بدعوة من فعالياتها لتكريمهم في معرض الكتاب السنوي، في محاولة لتسليط الضوء على المدينة. تجاوز عدد الإعلاميين العشرة من مختلف المحطات التلفزيونية اللبنانية، على أمل أن يتجاوز عدد التقارير الحياتية عن المدينة هذا العدد. تلوم مذيعة الأخبار اللبنانية، ديانا فاخوري، وسائل الإعلام "على التقصير في تسليط الضوء على طرابلس، وحصره بالأعمال الحربية خلال الاشتباكات".

زارت فاخوري المدينة وجالت في عدد من مرافقها ومعالمها. دخلت إلى قلعة المدينة الأثرية التي يتخذها الجيش اللبناني ثكنةً لقواته في المدينة، ويمنع دخولها خلال فترات الليل، كما زارت واحداً من أكبر معامل الصابون في لبنان الذي صممه مالكوه ليكون قرية بيئية متكاملة.

يعود المعمل لآل حسون الطرابلسيين الذين انطلقوا في أعمالهم من سوق العطارين في الأحياء القديمة قبل أن تقودهم "النكايات السياسية" إلى خارج المدينة في منطقة رأس مسقى، حيث يقيمون قريتهم البيئية. يقدم المالكون مشروعهم كنقطة إضافية تسجل للمدينة "التي اعتمدت وزارة الخارجية اللبنانية صابونها هدية رسمية تقدم لضيوف لبنان، إلى جانب وصول المنتجات اللبنانية إلى أسواق عالمية"، كما يقول أحد المالكين خلال الجولة.

اقرأ أيضا:مهرجان السينما في بيروت.. تكريم من دون مهرجان!

لم يعد الطرابلسيون يعولون على تمويل سياسييهم الأغنياء لمشاريع الإنماء، كما تلاشت الوعود المليارية التي قدمها رئيسا الحكومة السابقان سعد الحريري ونجيب ميقاتي للمدينة.

في معرض الكتاب، يسأل محمد، وهو رسام "غرافيتي"، عن جهة ما لتمويله وزملاء له في إنشاء فرقة لفنون رقص "الراب" و"الغرافيتي"، قبل أن يسجل اعتراضه على السياسيين الذين "سلبوا عقول الطرابلسيين بالسياسة وحولوا بعضهم لميلشيات أتعبت المدينة".

تنوع زوار المعرض الطرابلسي، الممتد على مساحة تتجاوز خمسة آلاف متر مربع، في معرض رشيد كرامي الدولي في المدينة. وقد انزعج الزوار من ارتفاع درجات الحرارة ككل عام نتيجة تعطل أجهزة التكييف وعدم صيانتها.

تستنكر فاطمة، وهي طالبة جامعية من باب التبانة، "الجو الإسلامي في المعرض"، حيث تنتشر الأجنحة المخصصة للحركات والهيئات الإسلامية في المدينة. في حين يعترض عدد من الشباب الطرابلسيين الملتزمين دينياً على "الانحلال الأخلاقي الملازم للمعرض". وقد نجح المنظمون في جذب الطرفين النقيضين إلى مساحة مشتركة واحدة رغم غياب الكتب عن أجزاء واسعة من "معرض الكتاب".

اقرأ أيضا:"القبقاب النابلسي" إرث فلسطيني مهدد بالاندثار

وقد احتلت التجمعات التابعة لسياسيي المدينة أجنحة كثيرة من أجنحة المعرض البالغ عددها 120 جناحاً، وقد شهدت الأجنحة "السياسية" زحمة دائمة نتيجة توافد "أصحاب المصالح والطلاب الطامحين للحصول على منح دراسية من السياسيين" في الأجنحة، كما ردد أبناء المدينة الذين زاروا المعرض. مؤسسات قليلة فقط حجزت أجنحة في المعرض لتحقيق الربح التجاري فزيّنت أجنحتها بالعروض، لكنّ رفضَ عدد من الأهالي شراء ألعاب وكتب لأطفالهم "لأن الحالة المادية ضيقة"، لم يُساعد في رفع نسبة المبيعات.

وتجاورت في المعرض أجنحة دولة فلسطين مع جناح الأسير في السجون الإسرائيلية يحيى سكاف، وهو ابن الشمال اللبناني. واحتلت بلدية المدينة جناحاً في وسط القاعة، وقد سجل عدد من الزوار اعتراضهم على أداء المجلس البلدي في ملف "ساحة التل"، فهجر عدد كبير من الزوار الجناح البلدي.

كما وجدت الكعكة الطرابلسية التقليدية طريقها إلى المعرض في المقهى المجاور لقاعة الاحتفالات. وقد شهدت القاعة سلسلة محاضرات وندوات قدمتها شخصيات طرابلسية وأخرى زارت المدينة أخيراً، كالداعية السوري محمد راتب النابلسي، حيث غصت القاعة بالزوار.
ينتظر الطرابلسيون باقي الفعاليات اللاحقة لتكون وسيلة تواصل مع الزوار القادمين من خارج المدينة، ليرددوا اللازمة نفسها: طرابلس المشهورة بحلوياتها أكبر من التبانة وجبل محسن وقد استقر الوضع الأمني فيها.

"الفيديو إعداد حسين بيضون"

المساهمون