لم يسمح له عوز عائلته بالخضوع إلى عمليّة جراحيّة، كان من شأنها إنقاذ بصره. لكنه لم يحقد في يوم على والدَيه، بل هو يذكرهما بالخير دائماً.
لم يكن طارق حسين البالغ من العمر 50 عاماً، كفيفاً عند ولادته، غير أنه أصيب في طفولته بمرض في عينَيه. ولأنه من أسرة فقيرة، لم يتمكن من تلقي العلاج اللازم وخسر بصره. وفي حين لم تتكمن الأسرة المعوزة من أن تنجّي ابنها من العمى، لم تقدّم لها أي من المؤسسات المحلية ولا تلك الدولية أي مساعدة، لتبقى مشغولة بالدعايات.
في بيت من الطين في ضواحي مدينة راولبندي في إقليم البنجاب (شمال شرقي باكستان)، يعيش طارق حسين مع زوجته ثمرين وابنهما محمد (22 عاماً) وابنتيهما زينب (18 عاماً). يُذكر أن محمد كان يقصد مدرسة دينية تخرّج منها في بداية العام الماضي، وهو اليوم عاطل من العمل، على الرغم من بحثه المتواصل عن وظيفة تمكّنه من إعالة أسرته الفقيرة.
وكان حسين قد أبصر النور، قبل أن يعود ليفقده، في قرية صغيرة في كجرات في إقليم البنجاب في إبريل/ نيسان من عام 1965. والده كان نواب حسين، أحد مزارعي المدينة. وعندما كان حسين في الخامسة من عمره، تبيّن أنه يعاني مرضاً في عينَيه يستوجب العلاج. لكن الأسرة لم تهتمّ بذلك، إذ لم يُتِح لها الفقر فرصة لعلاج ولدها.
على الرغم من ذلك، راح حسين يقصد المدرسة الحكومية القريبة من منزله، مذ كان في الخامسة. لم يكن يشعر بأي نوع من التعب في عينَيه، "ربما لأنني لم أكن أعي ذلك، ومن ثم لم أعر الأمر اهتماماً". لكنه بعدما تخرّج من الثانوية وبدأ يعمل مع والده في حقول يملكها أحد شيوخ القبائل، بدأ يشعر بألم شديد فيهما. حينها فقط، حاول والده بحسب قدرته المالية، معالجته في القرية نفسها.
يتذكّر حسين كم كان "مرض عينَي يشغل بال أمي، وكم كانت تفكّر في حالي من دون أن يكون أمامها أي خيار إلا اصطحابي إلى أطباء المنطقة". أما هؤلاء، فكانوا يصفون له أدوية عامة لتخفيف الألم وتنظيف العين، "أدوية لا جدوى منها". من جهته، كان والده مشغولاً بشؤون المنزل وبكسب الرزق لإعالة الأولاد. "كان يعمل منذ الصباح وحتى المساء في حقول الآخرين، لتأمين لقمة العيش. بالتالي، لم يمكّنه العوز من تأمين علاجي".
في عام 1985، انتقلت أسرة حسين إلى مدينة راولبندي، حيث عاينه أطباء رأوا ضرورة خضوعه لجراحة عاجلة من أجل الحفاظ على عينَيه. لكن ذلك لم يكن ممكناً، لأن العملية الجراحية كانت تستلزم مبلغاً كبيراً، لم يكن بوسع الأسرة الفقيرة تأمينه. وفي حين أصرّ الأطباء على موقفهم، لجأت الوالدة إلى العلاج بالأدوية. "هذا كلّ ما كان في وسعها تقديمه". ويبكي حسين وهو يتذكّر تضحياتها. هي كانت قد حاولت جمع المبلغ المطلوب للعملية واقترضت مالاً من بعض الناس، لكنها لم تنجح في تأمينه كله.
على الرغم من تدهور حالته الصحية، إلا أن حسين لم يستسلم وظلّ يعمل لمساندة والده في الحقول بداية. أما في راولبندي، فاشتغل في سوق الخضار، وكان يخرج في الصباح ليعود في المساء مع كمية من الخضار وبعض النقود. في هذه الفترة، كان يفقد بصره شيئاً فشيئاً، ليصبح كفيفاً بالكامل في عام 1998، ويتحوّل بالتالي عبئاً ثقيلاً على كاهل والدَيه.
أتى زواج حسين بثمرين إحدى قريباته، ليبدّل حال الأسرة ويمكّنه من مواجهة الظروف كلها. يُذكر أن المرأة الحاصلة على شهادة الثانوية، تزوجت برجل كفيف نظراً لحال أسرتها هي الأخرى. ولأنها إنسانة ذات عزيمة كبيرة، لم تستسلم ثمرين للظروف وراحت تساعد زوجها في كل خطوة. "لما تزوجنا، كانت أسرتي في حالة يرثى لها. لكنني ساعدت زوجي واقترضت مالاً من أقارب لي، كي يتمكّن من العمل على الرغم من حاله. وهو ما حصل بالفعل".
قبل عشرة أعوام تقريباً، فتح حسين محلاً بالقرب من منزله يبيع فيه ألعاب الأطفال. في البداية، كان يكسب نحو خمسين روبية باكستانية، أي ما يعادل نصف دولار أميركي تقريباً. أما اليوم، فهو قادر على توفير ما تحتاجه أسرته من خلال دكانه هذا. وعلى الرغم من أن عمل حسين الحالي كفيل بتأمين قوت أسرتها ومتطلباتها، إلا أن ما يشغل باله وبال زوجته ثمرين هو عمل ابنه وزواج ابنته. محمد يبحث عن فرصة عمل منذ فترة، من دون أن يوفَّق. أما زينب، فهي شابة ويأمل والداها بتزويجها، لكن عدم قدرتهما على تجهيزها يحول دون ذلك. تجدر الإشارة إلى أن الشابات الفقيرات في المجتمع الباكستاني لا يتزوجن عادة. فأسرهنّ المعوزة غير قادرة على تجهيزهنّ للزفاف، بحسب ما تقتضي عادات التجهيز التقليدية.
صحيح أن محمد يساعد والده في شؤون المنزل والدكان، إلا أن الأخير لا يريد أن يشتغل ابنه في مجاله هذا بعدما أكمل دراسته الدينية. "أطمح أن يتمكّن ولدي في يوم من التدريس، على أقلّ تقدير".
إقرأ أيضاً: كُلى للبيع في باكستان
في بيت من الطين في ضواحي مدينة راولبندي في إقليم البنجاب (شمال شرقي باكستان)، يعيش طارق حسين مع زوجته ثمرين وابنهما محمد (22 عاماً) وابنتيهما زينب (18 عاماً). يُذكر أن محمد كان يقصد مدرسة دينية تخرّج منها في بداية العام الماضي، وهو اليوم عاطل من العمل، على الرغم من بحثه المتواصل عن وظيفة تمكّنه من إعالة أسرته الفقيرة.
وكان حسين قد أبصر النور، قبل أن يعود ليفقده، في قرية صغيرة في كجرات في إقليم البنجاب في إبريل/ نيسان من عام 1965. والده كان نواب حسين، أحد مزارعي المدينة. وعندما كان حسين في الخامسة من عمره، تبيّن أنه يعاني مرضاً في عينَيه يستوجب العلاج. لكن الأسرة لم تهتمّ بذلك، إذ لم يُتِح لها الفقر فرصة لعلاج ولدها.
على الرغم من ذلك، راح حسين يقصد المدرسة الحكومية القريبة من منزله، مذ كان في الخامسة. لم يكن يشعر بأي نوع من التعب في عينَيه، "ربما لأنني لم أكن أعي ذلك، ومن ثم لم أعر الأمر اهتماماً". لكنه بعدما تخرّج من الثانوية وبدأ يعمل مع والده في حقول يملكها أحد شيوخ القبائل، بدأ يشعر بألم شديد فيهما. حينها فقط، حاول والده بحسب قدرته المالية، معالجته في القرية نفسها.
يتذكّر حسين كم كان "مرض عينَي يشغل بال أمي، وكم كانت تفكّر في حالي من دون أن يكون أمامها أي خيار إلا اصطحابي إلى أطباء المنطقة". أما هؤلاء، فكانوا يصفون له أدوية عامة لتخفيف الألم وتنظيف العين، "أدوية لا جدوى منها". من جهته، كان والده مشغولاً بشؤون المنزل وبكسب الرزق لإعالة الأولاد. "كان يعمل منذ الصباح وحتى المساء في حقول الآخرين، لتأمين لقمة العيش. بالتالي، لم يمكّنه العوز من تأمين علاجي".
في عام 1985، انتقلت أسرة حسين إلى مدينة راولبندي، حيث عاينه أطباء رأوا ضرورة خضوعه لجراحة عاجلة من أجل الحفاظ على عينَيه. لكن ذلك لم يكن ممكناً، لأن العملية الجراحية كانت تستلزم مبلغاً كبيراً، لم يكن بوسع الأسرة الفقيرة تأمينه. وفي حين أصرّ الأطباء على موقفهم، لجأت الوالدة إلى العلاج بالأدوية. "هذا كلّ ما كان في وسعها تقديمه". ويبكي حسين وهو يتذكّر تضحياتها. هي كانت قد حاولت جمع المبلغ المطلوب للعملية واقترضت مالاً من بعض الناس، لكنها لم تنجح في تأمينه كله.
على الرغم من تدهور حالته الصحية، إلا أن حسين لم يستسلم وظلّ يعمل لمساندة والده في الحقول بداية. أما في راولبندي، فاشتغل في سوق الخضار، وكان يخرج في الصباح ليعود في المساء مع كمية من الخضار وبعض النقود. في هذه الفترة، كان يفقد بصره شيئاً فشيئاً، ليصبح كفيفاً بالكامل في عام 1998، ويتحوّل بالتالي عبئاً ثقيلاً على كاهل والدَيه.
أتى زواج حسين بثمرين إحدى قريباته، ليبدّل حال الأسرة ويمكّنه من مواجهة الظروف كلها. يُذكر أن المرأة الحاصلة على شهادة الثانوية، تزوجت برجل كفيف نظراً لحال أسرتها هي الأخرى. ولأنها إنسانة ذات عزيمة كبيرة، لم تستسلم ثمرين للظروف وراحت تساعد زوجها في كل خطوة. "لما تزوجنا، كانت أسرتي في حالة يرثى لها. لكنني ساعدت زوجي واقترضت مالاً من أقارب لي، كي يتمكّن من العمل على الرغم من حاله. وهو ما حصل بالفعل".
قبل عشرة أعوام تقريباً، فتح حسين محلاً بالقرب من منزله يبيع فيه ألعاب الأطفال. في البداية، كان يكسب نحو خمسين روبية باكستانية، أي ما يعادل نصف دولار أميركي تقريباً. أما اليوم، فهو قادر على توفير ما تحتاجه أسرته من خلال دكانه هذا. وعلى الرغم من أن عمل حسين الحالي كفيل بتأمين قوت أسرتها ومتطلباتها، إلا أن ما يشغل باله وبال زوجته ثمرين هو عمل ابنه وزواج ابنته. محمد يبحث عن فرصة عمل منذ فترة، من دون أن يوفَّق. أما زينب، فهي شابة ويأمل والداها بتزويجها، لكن عدم قدرتهما على تجهيزها يحول دون ذلك. تجدر الإشارة إلى أن الشابات الفقيرات في المجتمع الباكستاني لا يتزوجن عادة. فأسرهنّ المعوزة غير قادرة على تجهيزهنّ للزفاف، بحسب ما تقتضي عادات التجهيز التقليدية.
صحيح أن محمد يساعد والده في شؤون المنزل والدكان، إلا أن الأخير لا يريد أن يشتغل ابنه في مجاله هذا بعدما أكمل دراسته الدينية. "أطمح أن يتمكّن ولدي في يوم من التدريس، على أقلّ تقدير".
إقرأ أيضاً: كُلى للبيع في باكستان