ضغوط للالتزام بهدنة يمنية لـ72 ساعة

19 أكتوبر 2016
الأزمة الاقتصادية وصلت إلى مستوى غير مسبوق (سيباستيانو نومادا/Getty)
+ الخط -

من المقرر أن تدخل هدنة جديدة في اليمن فجر الخميس، أعلن عن موعدها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، على أن تستمر لمدة 72 ساعة مبدئياً قابلة للتجديد، وسط غموض حول تفاصيل الموافقة المعلن عنها من قبل كل الأطراف، وفي ظل ظروف ميدانية وسياسية تقلل من فرص صمودها، مقارنة بآخر الهدن التي سبقتها في إبريل/نيسان الماضي. ومع ذلك فإن الوضع الاقتصادي والإنساني الذي وصلت فيه البلاد إلى حافة المجاعة، بالإضافة إلى الضغط الدولي لتثبيت وقف إطلاق النار، باتا دافعين مهمين لفرص استمرارها.

وخلال الـ24 ساعة الماضية، تواصل التصعيد العسكري في اليمن، على الرغم من إعلان المبعوث الأممي عن اقتراب الهدنة، إذ نفذ التحالف ضربات جوية مكثفة في محافظة صعدة، معقل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والمناطق الحدودية مع السعودية بالذات، بالتزامن مع استمرار المواجهات المسلحة بين قوات يمنية موالية للشرعية، ومدعومة من القوات السعودية، تحاول التقدم من جانب الحدود باتجاه صعدة، وبين الانقلابيين. وشهدت العاصمة صنعاء غارات جوية لمقاتلات التحالف، قصفت أهدافاً يسيطر عليها الحوثيون والموالون للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. واستمرت المواجهات الميدانية والقصف المتبادل بين الحوثيين وقوات الشرعية في مديرية صرواح غرب مأرب، آخر أهم المناطق التي يسيطر الحوثيون على أجزاء منها.

وجاء التصعيد على الرغم من إعلان ولد الشيخ أحمد، فجر أمس الثلاثاء، عن موافقة الأطراف اليمنية على الالتزام بأحكام وشروط وقف الأعمال القتالية المؤرخ في العاشر من أبريل/نيسان 2016، والذي سيسري مرة أخرى اعتباراً من الساعة 23:59 مساء 19 أكتوبر/تشرين الأول بتوقيت اليمن، لمدة 72 ساعة قابلة للتجديد. وأكد أن "أحكام وشروط وقف الأعمال القتالية تشمل التزام الأطراف بالسماح بحركة المساعدات الإنسانية والموظفين الإنسانيين بحرية ودون أية عوائق إلى كافة أنحاء اليمن، بالإضافة إلى التوقف الكامل والشامل لكل العمليات العسكرية أياً كان نوعها".

وفي الوقت الذي تحدث فيه المبعوث الأممي عن أن الأطراف وافقت على الهدنة بالمدة والشروط المحددة، بدت التفاصيل غامضة، إذ أعلنت الحكومة اليمنية موافقة مشروطة على الهدنة، تتضمن أن يلتزم "الطرف الآخر بوقف إطلاق النار، وتفعيل لجنة التهدئة وإنهاء الحصار عن مدينة تعز، وإيصال المواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية دون قيود"، وفقاً لما جاء في تصريح لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، عبد الملك المخلافي.
وفي المقابل، لم يعلن الحوثيون على الفور، أي موقف رسمي، يرحب بالهدنة. وكشفت لـ"العربي الجديد" مصادر يمنية مطلعة طلبت التحفظ عن هويتها، عن وجود معارضة داخلية من أطر قيادية لدى جماعة الحوثي وحزب صالح، للترحيب بالهدنة. وترى قيادات أن القبول بالهدنة وفقاً للتفاصيل المعلنة من قبل المبعوث الأممي أمر لا يحقق الحد الأدنى من متطلبات وقف إطلاق النار، الذي يطالب به الانقلابيون ويشمل الوقف الكامل والشامل للعمليات الجوية والبرية والبحرية للتحالف، وإنهاء الحصار. ووفقاً للمصادر، فإن تأخر إعلان موقف من الهدنة يعود إلى التحفظات والتباينات الداخلية دخل الجماعة والحزب المتحالف معها، إزاء الهدنة.



من زاوية أخرى، تأتي الهدنة الجديدة، عقب التطورات الأخيرة، وكان أبرزها قصف مجلس عزاء في صنعاء في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وفي ظل استمرار المعارك الميدانية بين قوات الشرعية والإنقلابيين في جبهات تعز وأطراف صنعاء ومأرب، وعلى الحدود اليمنية السعودية، التي توسعت ودخلت فيها قوات يمنية من جهة السعودية لأول مرة، وهي تسعى لتحقيق تقدم بمحافظة صعدة الحدودية معقل الحوثيين.
وتبدو الهدنة الجديدة أقل حظاً من آخر الهدن التي سبقتها، في إبريل الماضي، والتي جاءت قبل أسبوع من انطلاق مشاورات الكويت، وسبقها الاتفاق على تشكيل لجنة تهدئة وتنسيق مؤلفة من ممثلين عن الطرفين ومشرفين أمميين. كما سبقها هدنة حدودية جرى إبرامها في مارس/آذار الماضي، بتفاهم مباشر بين الحوثيين والسعودية، ولم تكن محدودة بـ72 ساعة، بل جرى تحديد سقفها بانتهاء مشاورات الكويت، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى اتفاق يمدد وقف إطلاق النار، لكنها انتهت بالفشل مطلع أغسطس/آب الماضي. وعلى العكس من ذلك، بدت الهدنة الجديدة أضعف، إذ لم تشمل اتفاقاً واضحاً حول لجان التهدئة، وتم تحديد 72 ساعة سقفاً زمنياً. ويقول منتقدون إن ثلاثة أيام غير كافية لإحداث أي تغيير على صعيد تهدئة وتيرة الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية، وما لم يتم تمديدها فإنها معرضة للفشل، كما أظهرت الهدن السابقة، وكان أبرزها هدنة لمدة خمسة أيام في مايو/أيار، وأخرى في ديسمبر/كانون الأول 2015، وانهارت منذ الساعات الأولى لدخولها حيز التنفيذ.

سياسياً، تأتي الهدنة في ظل عدم وجود أي مؤشرات تشي برغبة الأطراف المعنية اليمنية بالوصول إلى اتفاق، فالحوثيون وحلفاؤهم يقولون إنهم يواصلون التحضير لإعلان حكومة يشكلها "المجلس السياسي"، الواجهة الجديدة لسلطة الانقلابيين، وفي المقابل تواصل الحكومة خطواتها الخاصة بترتيب أوضاع المحافظات التي تصفها بـ"المحررة" من الانقلابيين، وآخر ذلك، الإعلان عن توجه بتدشين التقسيم الفيدرالي الخاص بالأقاليم. وسبق ذلك خطوات، كان أبرزها إقرار نقل مقر المصرف المركزي من صنعاء إلى عدن. وعلى الرغم من الهوة الواسعة بين الأطراف اليمنية، تأتي الضغوط الدولية كعامل قوي وحاسم في الإجراءات السياسية الحاصلة، إذ أن الهدنة جاءت، في الأساس، بمقترح قُدم لأول مرة من قبل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خلال لقاء مع ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، محمد بن سلمان، الشهر الماضي، وأعقب ذلك ضغوط دولية مكثفة على الجانب الحكومي والتحالف الذي تقوده السعودية، وصل إلى حد إعلان بريطانيا عن مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يلزم الأطراف بوقف إطلاق النار. وتأتي الهدنة في وقت أصبحت فيه "المجاعة" حديث الشارع اليمني، بسبب الأوضاع الاقتصادية والإنسانية التي وصلت حداً غير مسبوق من التدهور، مع عجز الجهات الحكومية عن دفع رواتب موظفي الدولة لشهر سبتمبر/أيلول الماضي، فضلاً عن تأخر دفع رواتب الموظفين في بعض القطاعات منذ أكثر من شهرين. كل ذلك رفع حدة الأزمة الاقتصادية إلى مستوى غير مسبوق، من غير المستبعد أن يساهم بدفع الأطراف نحو تثبيت وقف إطلاق النار، والاتفاق على حد أدنى من الترتيبات التي تخفف من وطأة الأزمة.