ضغوط عربية للتخلي عن القدس بقيادة السعودية ومصر

08 يناير 2018
وزيرا الخارجية الأردني والفلسطيني في عمان يوم السبت(شادي نسور/الأناضول)
+ الخط -
لم تعد الضغوط التي يتعرض لها الفلسطينيون للرضوخ لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والقبول به كأمر واقع لا قدرة لأحد على تغييره، تقتصر على الجانب الأميركي، الذي لا يكفّ عن تهديد ووعيد الفلسطينيين منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ إن ما جرى خلال اجتماع الوفد العربي الوزاري المصغّر المكلف متابعة تداعيات القرار الأميركي بشأن القدس، الذي عُقد في الأردن أول من أمس السبت، يكشف عن فصل جديد من ضغوط دول عربية، تحديداً مصر والسعودية، لمحاصرة الرغبة الفلسطينية في تصعيد إجراءات مواجهة قرار ترامب. وبينما كان الوزراء المشاركون في اجتماع يوم السبت يتولّون إصدار تصريحات صحافية تؤكد التمسك بالقدس ورفض الاعتراف بالقرار الأميركي، كان الوزراء أنفسهم يجهضون داخل غرفة الاجتماع العربي جميع المقترحات التي قدمها وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، لمواجهة قرار ترامب، بما في ذلك تطبيق ما ورد في قمة عمّان 1980 لجهة مقاطعة الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس، فضلاً عن رفض التمسك بالولايات المتحدة كوسيط لعملية السلام ووضع شروط صارمة لجهة قبول أي مبادرة جديدة منها، وهو ما دفع المالكي إلى الامتناع عن  المشاركة في المؤتمر الصحافي لعرض نتائج الاجتماع، بعدما وجد أن الموقف الفلسطيني محاصر من قبل أعضاء الوفد الوزاري العربي، الذين طغى عليهم ممثلو أبرز الدول التي تكشف تسريبات صحافية متتالية عن انخراطها في تسويق القرار الأميركي، أو توافقها مع الإدارة الأميركية على تمرير "صفقة القرن"، التي يمثل الاعتراف بالقدس إحدى مقدماتها، ومن بين هذه الدول مصر التي كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أول من أمس، تسريبات تظهر ليس فقط موافقة نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على قرار ترامب بشأن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل بل توجيه الإعلاميين لإقناع المشاهدين بقبول القرار.

إجهاض مقترحات المالكي

قبل ثوانٍ من انعقاد مؤتمر ثلاثي في العاصمة عمّان، السبت الماضي، لعرض نتائج اجتماع الوفد العربي الوزاري المصغر المكلف متابعة تداعيات القرار الأميركي بشأن القدس، أزيلت منصة وزير الخارجية الفلسطيني، بعد أن فشلت جهود الوفد الوزاري في إقناع المالكي بالظهور أمام وسائل الإعلام إلى جانب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط للمشاركة في عرض نتائج الاجتماع الذي امتد لساعات وتخلله لقاء بملك الأردن عبد الله الثاني، حسب ما أكدت مصادر مطلعة.

موقف المالكي، الذي أكدت مصادر الخارجية الأردنية قبل يومين من الاجتماع مشاركته في المؤتمر الصحافي، جاء تعبيراً احتجاجياً عن عدم موافقة المجتمعين على المقترحات الفلسطينية لمواجهة القرار الأميركي عربياً. وبحسب المصادر ذاتها، فإن مطالبة المالكي وزراء الخارجية بتطبيق قرار قمة عمّان 1980 بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس لم تكن محل قبول من المجتمعين. كذلك فإن الموقف الفلسطيني الداعي للبحث عن وسيط جديد للسلام، بديلاً عن الوسيط الأميركي، لم يكن محل إجماع الوفد، أو كما قال أبو الغيط خلال المؤتمر الصحافي "بحث إيجاد بديل عن الولايات المتحدة الأميركية كوسيط للسلام، لكن لم يتم التوصل إلى خلاصات محددة".

بدورها، أكدت مصادر دبلوماسية فلسطينية لـ"العربي الجديد" أن عدم مشاركة المالكي في المؤتمر كان بسبب خلافات حادة، وعدم تبني دول عربية معينة الموقف الفلسطيني ضد الولايات المتحدة الأميركية. وقالت المصادر إنه كان يوجد ثلاث نقاط فلسطينية تم رفض تبنيها وذكرها في المؤتمر الصحافي، وهي أن الفلسطينيين أرادوا من المؤتمر التأكيد على انتهاء الدور الأميركي في رعاية عملية السلام، لكن السعودية ومصر، على وجه التحديد، أصرّتا على الاكتفاء بالتأكيد الذي صدر حول ذلك في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد الشهر الماضي في مصر، وفي مؤتمر التعاون الإسلامي في تركيا، وأنه لا حاجة للتأكيد مرة أخرى من خلال هذا المؤتمر.


وبحسب المصادر نفسها، فإن النقطة الثانية تمثلت في أن "الفلسطينيين أكدوا رفض أي مبادرة أميركية لعملية السلام إلا بعد تراجع الإدارة الأميركية عن قرارها حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن السعودية ومصر أصرّتا أيضاً على رفض هذه النقطة، باعتبار مجلس وزراء الخارجية العرب لديه موقف مغاير عن هذا الموقف". أما الأمر الثالث الذي رفضته السعودية ومصر والأردن فهو المطلب الفلسطيني بتفعيل القرارات ضد أي دولة تقوم بنقل سفارتها إلى القدس، (في إشارة إلى قرار قمة عمّان 1980)، لكن هذه الدول أصرّت على رفض تفعيل مثل هذا القرار رغم الإلحاح الفلسطيني. وقالت المصادر إن "ممثلي السعودية ومصر طلبا بشكل مباشر من وزير الخارجية الفلسطيني عدم مطالبتهما بتبني أي موقف ضد الولايات المتحدة الأميركية".

وشارك في الاجتماع أعضاء الوفد المكوّن من المالكي، ووزراء خارجية الأردن أيمن الصفدي، والسعودية عادل الجبير، ومصر سامح شكري، والمغرب ناصر بوريطة، ووزير الدولة لشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، فيما عقد اجتماع تنسيقي بين وزير الخارجية المصري ونظيره الأردني قبيل الاجتماع. 

وإزاء هذه المواقف بدا المالكي وحيداً أمس في محاولته الضغط لاتخاذ إجراءات تصعيدية. وفيما كان التنسيق السعودي المصري الإماراتي جلياً، وصف متابعون لاجتماع الوزراء موقف الأردن بأنه "مكبل"، وذلك لأسباب عدة، أولها كونه البلد المضيف للاجتماع، فضلاً عن كونه رئيس القمة العربية في دورتها الحالية وبالتالي حاول الالتزام بالتوافق الذي خرج به الاجتماع. كما أن الأردن ليس في وارد اتخاذ موقف معادٍ للإدارة الأميركية ولا حتى السعودية، وهو ما يفسر مسارعة وزارة الخارجية الأردنية إلى نفي التسريبات التي أوردتها قناة الجزيرة عن اعتراض مصري سعودي على عقد قمة عربية استثنائية.

ويبدو أن الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية، تحديداً في ما يتعلق بالتعويل على تحرك عربي موحد، باتت شبه معدومة، فيما تركز على التحركات على الصعيد الدولي. وفي السياق، نُقل عن وزير الخارجية الفلسطيني قوله أمس لإذاعة صوت فلسطين إن الأيام المقبلة ستشهد تحركات فلسطينية رداً على قرار ترامب بشأن القدس على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية. وأشار إلى أن "كل الأبواب ستقرع من مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها". من جهته، أعلن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، عن إجراء مشاورات مع أعضاء مجلس الأمن الدولي لتأمين التصويت لمصلحة مشروع قرار ستقدمه لنيل فلسطين صفة عضوية كاملة بالأمم المتحدة، على الرغم من إدراكها المسبق لإمكانية سقوط المشروع عبر استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو، على غرار ما جرى في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أسقطت واشنطن مشروع القرار الذي يبطل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

احتفاء إسرائيلي بمواقف السعودية ومصر

في غضون ذلك، يسود ارتياح في إسرائيل لتسريبات نيويورك تايمز في ما يتعلق بموقف النظام المصري لجهة القبول بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والضغط للترويج له على الصعيد الإعلامي، فضلاً عن التسريبات السابقة للصحيفة التي أشارت إلى مطالبة السعودية رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بقبول اقتراح يقضي بإعلان بلدة "أبو ديس" عاصمة فلسطينية. وفي السياق، حرصت جميع وسائل الصحف والمواقع العبرية، أمس الأحد، على نشر ترجمة تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بشأن موقف النظام المصري.

وسخرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" من تناقض مواقف نظامي الحكم في كل من مصر والسعودية المعلنة والسرية من القضية الفلسطينية، إذ أشار مراسل الشؤون العربية، ليعاد أوسمو، في تقرير نشره موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أمس الأحد، إلى أنه في الوقت الذي يدعي المسؤولون في مصر والسعودية دعمهم الموقف الفلسطيني المتشبث بالقدس عاصمة لفلسطين، فإنهم يعبرون عن مواقف مغايرة في الغرف المغلقة. واعتبر مراسل الشؤون العربية أنّ ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن مطالبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عباس بقبول "أبو ديس" عاصمة لفلسطين، بالإضافة إلى إصدار الأجهزة الأمنية التابعة لنظام السيسي تعليمات لقنوات تلفزة محلية لمحاولة إقناع الجمهور المصري بأنه يتوجب الضغط على الفلسطينيين لقبول رام الله عاصمة لدولتهم؛ يدلل على أن هذه هي المواقف "الحقيقية" التي تتبناها الدولتان من قضية القدس.

وكان تسريب نيويورك تايمز، أول من أمس، قد كشف الدور الذي أداه ضابط الاستخبارات المصري، ويدعى أشرف الخولي، خلال مكالمات مع عدد من مقدّمي البرامج الحواريّة المعروفة في مصر، لتوجهيهم إلى إقناع المصريين بقبول القرار. وأبلغ الضابط المذيعين ومقدّمي البرامج، حرفياً، أنّ مصر "شأنها في ذلك شأن جميع إخوتها العرب، ستستنكر هذا القرار علناً"، قبل أن يستدرك "إن الصراع مع إسرائيل ليس من مصلحة مصر القومية". وتكشف الصحيفة أن الخولي توجه للإعلاميين بالقول إنه "بدلاً من إدانة القرار، يتعيّن عليهم إقناع المشاهدين بقبوله"، مشيراً إلى أنه يتعيّن على الفلسطينيين القبول برام الله بدلاً من القدس، وأن "يحتووا أنفسهم في هذه المدينة الكئيبة التي تضمّ اليوم السلطة الفلسطينية"، وفق ما نقلت "نيويورك تايمز". وتساءل الخولي في أربع محادثات هاتفية حصلت عليها الصحيفة: "ما الفرق بين رام الله والقدس؟"، فأيّده بذلك الإعلامي المصري، عزمي مجاهد، الذي قالت الصحيفة إنّه أكّد صحّة التسجيلات، مشيرة إلى أنها حصلت عليها من "وسيط داعم للقضية الفلسطينية، ومعارض للرئيس عبد الفتاح السيسي".

وفي إحدى المكالمات الأربع، التي أجريت مع سعيد حساسين، عضو البرلمان المصري وأحد مقدمي البرامج الحوارية أيضًا في مصر، قال الخولي "نحن مثل كلّ أشقائنا العرب سنستنكر هذه المسألة"، قبل أن يستدرك: "بعد ذلك، سيصبح هذا الأمر واقعاً، ولا يمكن للفلسطينيين أن يقاوموا، ونحن لا نريد الذهاب إلى حرب. لدينا ما يكفي على ساحتنا كما تعلم". وتابع شارحًا الموقف الرسمي المصري: "النقطة الخطيرة بالنسبة لنا هي قضية الانتفاضة... الانتفاضة لن تخدم مصالح الأمن القومي (المصري)، لأن أي انتفاضة سوف تنعش الإسلاميين و"حماس". "حماس" سوف تولد من جديد مرة أخرى". ثم يضيف: "في نهاية المطاف، لن تكون القدس مختلفة كثيرًا عن رام الله. ما يهمّ هو إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني... التنازلات لا بدّ منها، وإذا وصلنا إلى تنازل تكون فيه.. رام الله عاصمة لفلسطين لإنهاء الحرب، ولكي لا يموت أحد؛ فإننا سنمضي نحوه".