ضغط ضريبي في الجزائر وتهرّب يرهق الخزينة

14 اغسطس 2019
مخاوف من تأثير الضرائب على الاستثمارات(فاروق بطيش/ فرانس برس)
+ الخط -
عززت الحكومة الجزائرية حصيلة الضرائب بهدف تعويض ما خسرته من عائدات النفط والغاز طيلة السنوات الأربع الماضية، مع هبوط أسعار النفط إلى مستويات قياسية. وأقرت الحكومة لتحقيق هذا المسعى حزمة إجراءات من أجل إصلاح النظام الضريبي وكبح ضعف التحصيل.

نجحت السلطات في زيادة الإيرادات، إلا أن ذلك كان على حساب الإنتاجية. إذ ترافقت زيادة الضرائب مع ارتفاع الأصوات المعترضة من القطاعات الاقتصادية بسبب تزايد الأعباء، في حين أحجمت الاستثمارات عن التوسع وسط ارتفاع تكاليف التشغيل.

في المقابل، يتساءل الخبراء عن سبب عدم ملاحقة المتهربين من الدفع بدلاً من زيادة الجباية من الفاعلين الاقتصاديين، مع وصول حجم الضرائب غير المحصّلة إلى 115 مليار دولار.
وفي التفاصيل، استفادت خزينة الدولة الجزائرية من تحسن عائدات الضرائب، حيث ارتفعت العائدات العادية (دون احتساب الجباية النفطية) العام الماضي لتصل إلى 3.510 تريليونات دينار (حوالي 30 مليار دولار) مع احتساب الضرائب المتأخرة، محققة زيادة بنسبة 10 في المائة مقارنة بسنة 2017.

في حين تتوقع الحكومة أن ترتفع عائدات الضرائب بحدود 10 في المائة هذه السنة، نتيجة رفع قيمة الضرائب الرئيسية كالضريبة على الأرباح بـ 10 في المائة وعلى القيمة المضافة من 17 في المائة إلى 19 في المائة ومن 7 في المائة إلى 9 في المائة على المواد الأولية والمواد الزراعية وأعلاف المواشي.

ودفعت الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر الحكومة في السنوات الأخيرة، إلى التعويل على البند الضريبي لزيادة حجم العائدات العامة، حيث شكل إدخال نظام التسجيل المعلوماتي لكل البيانات المتعلقة بالرسوم الضريبية نقطة تحول في الأداء الجبائي. إلا أن هذه السياسة الضريبية التوسعية بدأت تقلق المستثمرين والخبراء على السواء، الذين يتخوفون من ضغط إضافي على المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين. هؤلاء بدأت أصواتهم تعلو تذمراً وسخطاً من ارتفاع فاتورة الضرائب، وتأثيرها السلبي على أنشطتهم.

ويقول رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل أحمد نايت عبد العزيز إن "الضغط الضريبي الممارس اليوم في الجزائر أصبح رهيباً ولا يشجع على الاستثمار، حيث بات الاقتطاع الضريبي يقارب 27 في المائة وهو رقم أعلى من المسجل في دول الجوار مثل تونس أو المغرب، ما يؤثر على تنافسية السوق الجزائرية".

وأضاف عبد العزيز في تصريح لـ "العربي الجديد" أنه "دائماً وفي سياق المقارنة، تقدر الضريبة على الأرباح في الجزائر بنحو 30 في المائة، في حين تبلغ في موريتانيا 25 في المائة و20 في المائة في المغرب، أما الضريبة على القيمة المضافة فارتفعت من 17 إلى 19 في المائة، والرسوم الجمركية ارتفعت إلى 25 في المائة".

ويرى رئيس كونفدرالية أرباب العمل أن "هذا الضغط الضريبي أصبح ينفر الاستثمار في البلاد، ودفع بالكثير من رجال الأعمال وأصحاب المهن إلى التوجه نحو تونس أو المغرب لإقامة مشاريع استثمارية، بعدما زاد التوسع الضريبي الذي تمارسه الحكومة من حدة الركود الاقتصادي".

من جانبه يعلق الخبير الاقتصادي فارس مسدور بالقول إنه "هناك قاعدة اقتصادية فرنسية تقول: كثير من الضرائب تقتل الضرائب، أي أن فرض الكثير من الضرائب سيقلص من التحصيل بسبب عزوف المستثمرين والقطاعات الإنتاجية عن العمل".

ويضيف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "ارتفاع قيمة الضرائب لم ينعكس كما يجب على حصيلة إيراداتها، وزاد من العزوف عن دفعها، فالكثير من المستثمرين أصبح يتهرب من دفع الضرائب لأنها تكلفه بين 30 إلى 45 في المائة من أرباحه السنوية، أي أن المستثمر أصبح يرى نفسه أنه يعمل 8 أشهر لصالحه و4 أشهر لخزينة الدولة".

ويرى الخبير الجزائري أن "غياب العدالة الضريبية أصبح عاملاً آخر يعيق المستثمرين حيث يضطر الكثير إلى دفع الضرائب في وقتها، في حين يوجد رجال أعمال بلغت الديون الضريبية المتراكمة عليهم المليارات من الدنانير، بل ويتحصلون على قروض مصرفية".

ويبقى الحل في نظر مسدور في إحداث توازن بين ما تريد الحكومة الوصول إليه من رفع في التحصيل الضريبي، وهو أمر مشروع بالنظر للظروف التي تعيشها الجزائر، وبين دعم الاستثمار.

من بين النقاط السوداء التي عجزت الحكومة الجزائرية عن إزالتها هي ضعف الجباية الضريبية. إذ خسرت منظومة الضرائب معركتها أمام "التهرب" الذي بات سمة العمل الاقتصادي والتجاري والمهني في الجزائر.

وبقيت أرقام الضرائب غير المحصلة ورقة ضغط في يد المعارضة السياسية التي تستعملها في وجه الحكومة عند كل زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، حيث تطالبها بتحصيل الديون الضريبية لدعم الخزينة العمومية عوض التوجه لرفع الأسعار.

آخر الأرقام المتعلقة بالديون الضريبية غير المحصلة هي التي كشف عنها مجلس المحاسبة في تقريره حول تسيير ميزانية سنة 2018، هو 12 تريليون دينار (115 مليار دولار) بعنوان "بواقي التحصيل" منها أكثر من 8 تريليونات دينار كـ "بواقي تحصيل الغرامات القضائية" وأكثر من 4 تريليونات دينار كـ "بواقي تحصيل الحقوق من الضرائب والرسوم".

وتضاف إلى هذه الضرائب غير المحصلة، مبالغ أخرى ناتجة عما أسماه المجلس بـ "ضعف الجهد الضريبي" حيث لم تتمكن إدارة الضرائب سنة 2018 من معاينة ما قيمته تريليون دينار (قرابة مليار دولار) من الحقوق الضريبية، 70 في المائة منها تتعلق بسنة 2018 و30 في المائة المتبقية تتعلق بالسنوات الماضية.

ويقسم مجلس المحاسبة هذه المبالغ التي لم يتم تحصيلها بعد إلى قسمين، الأول يمثل "الضرائب صعبة التحصيل" وتتمثل في ديون الشركات المحلية والأشخاص المتوفين والغائبين دون أن يتركوا أملاكا قابلة للحجز والتسويات. أما القسم الثاني من هذه المبالغ فهو "قابل للتحصيل" ويتهم مجلس المحاسبة إدارة الضرائب بـ "التقصير في تحصيل الضرائب عن طريق الجداول" مقارنة بتلك الضرائب المقتطعة من المصدر. وقال تقرير المجلس إن الضرائب المحصلة عن طريق الجداول لم تتعد 2.92 في المائة من مجموعة إيرادات الميزانية سنة 2015 و4.69 في المائة من مجموع الموارد العادية.

ورغم حجم الضرائب غير المحصلة، إلا أن عائدات الضرائب شكلت سنة 2018، 60 في المائة من مجموع إيرادات الميزانية، حسب تقرير مجلس المحاسبة الجزائري.

ويرى النائب عن حزب العمال (يسار) رمضان تاعزيبت، أن "الحكومة تثبت مرة أخرى فشلها في مجال تحصيل الضرائب ومعاقبة المتهربين من رجال الأعمال. إذ لا يعقل أن تفشل الحكومة في أي دولة بالعالم في تحصيل مبلغ يفوق 100 مليار دولار هي قيمة التهرب الضريبي، في عز الأزمة المالية، في حين تذهب لفرض مزيد من الضرائب على العمال والمواطنين البسطاء التي تقتطع مباشرة من رواتبهم أو عبر فواتير الكهرباء والغاز".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "قضايا الفساد المفتوحة اليوم، وما ترتب عنها من سجن لرجال أعمال ووزراء، كشفت لماذا ارتفعت الضرائب غير المحصلة، بفضل الامتيازات الممنوحة لشركات رجال الأعمال وعائلات الوزراء. كان بإمكان الحكومة تحصيل 50 في المائة من الضرائب غير المحصلة، عوض التوجه نحو التمويل غير التقليدي للخزينة العمومية من البنك المركزي ما أدى إلى ارتفاع التضخم".

وفي المقابل، يعتبر الخبير المصرفي والإطار السابق في وزارة المالية، رياض بوراس، أن "هذه الديون يستحيل تحصيلها وهي تملأ حسابات وتقارير الإدارة المالية منذ أكثر من 13 سنة".

ويلفت بوراس لـ "العربي الجديد" إلى أن "أغلب الديون الضريبية هي ديون لدى المصارف، منها المفلسة كما هو حال "الخليفة بنك" و"بي سي يا"، يضاف إلى كل هذا ضعف المنظومة الضريبية والآليات القانونية التي تسمح لها بتحصيل الديون كما هو الحال في الدول المتقدمة".
المساهمون