ضغط المحتجين العراقيين يهدد "صفقة سليماني": خيار الانتخابات المبكرة يتقدم
وبحلول فجر اليوم الاثنين، تكون التظاهرات العراقية قد اتمّت يومها الـ23، منذ استئنافها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد ما اعتبر هدنة دامت قرابة أسبوعين. كما تبلغ هذه التظاهرات يومها الـ47 منذ انطلاقتها في الأول من أكتوبر الماضي، مسجلةً "أطول فعالية وطنية شعبية في البلاد منذ ما قبل حكم حزب البعث للعراق"، بحسب السياسي والناشط العراقي حسام علي. وأعرب علي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عن أمله "في استمرار الحراك الشعبي، لما أظهره من قدرة على توحيد العراقيين، وشدّ لُحمتهم"، وهو ما يشكل برأيه إنجازاً "أهم من إسقاط الحكومة".
وعلى الرغم من تقديم الرئاسات العراقية الثلاث، الجمهورية والبرلمان والحكومة، خمس حزمٍ إصلاحية منذ الشهر الماضي، بواقع ثلاث للحكومة وواحدة للبرلمان وأخرى لرئاسة الجمهورية، إلا أن المتظاهرين لا يزالون مصرين على إسقاط الحكومة والبرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية تحت إشراف أممي، وأيضاً إنشاء محكمة علنية للنظر في جميع جرائم الفساد والانتهاكات التي وقعت منذ عام 2003، وهو ما بات شرطاً إضافياً رئيسياً. من جهتها، ترتكز حزم السلطة على سنّ قانونٍ جديد للانتخابات، وإنشاء مفوضية جديدة لها، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور ومحكمةٍ لقضايا الفساد، وإلغاء امتيازات المسؤولين في الرئاسات الثلاثة والنواب.
ويؤكد سياسيون ونواب عراقيون، في أحاديث متفرقة مع "العربي الجديد"، أن الانطباع العام السائد في الوسط السياسي في البلاد، هو أن ما يحدث "لا يقف فقط عند حدود التظاهرات، بل هو انفجار لجسمٍ محتقن منذ سنوات". وبحسب عضو الحزب الشيوعي العراقي علي فاضل، فإن الحديث عن عدم تمكن الطبقة السياسية العراقية عموماً، والرئاسات الثلاث خصوصاً، من فهم أو ترجمة التظاهرات وأهدافها، هو "غير صحيح بالمطلق، لكن الجميع يستخدم سلاح المناورة".
ورأى فاضل، في السياق، أنه "ستلي المناورات مرحلة تبادل التهم وإلقاء اللوم حول الإخفاقات كلٌّ على الآخر، وبين الكتل السياسية المختلفة، فكل واحدة منها سترفض أن تتحمل وحدها وزر الفشل"، معتبراً أن هذه المرحلة ستكون تلك التي تسبق مباشرةً "انتصار الشارع".
ولفت عضو الحزب الشيوعي العراقي إلى أن "حزم الإصلاحات لم تقنع خمسة في المائة من المتظاهرين"، فيما "فشلت الحكومة والقوى السياسية كافة، وحتى إيران التي قدمت نفسها كراعٍ سياسي في العراق، في تقدير الأمور، فالعراقيون كانوا على ما يبدو لا يحتاجون سوى إلى شرارة للخروج إلى الشارع".
من جهته، اعتبر مسؤول رفيع في بغداد أن "نجاح الإضراب بهذا الشكل الواسع، يعني وجود إمكانية لأن يطبق لأيام عدة، وقد يضرب قطاعات أخرى غير التعليم والتربية والدوائر الخدمية، ليصل إلى قطاع النفط". وأكد المسؤول، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود "مخاوف من إقدام المتظاهرين على محاولة اقتحام المنطقة الخضراء كخطوة تصعيدية، ما دفع السلطات إلى تعزيز الأمن وقطع الطرق المؤدية إليها من اتجاهات عدة". ورجح في المقابل أن يشكل استمرار التظاهرات بهذه الوتيرة المتصاعدة، "سبباً كافياً لإعادة النظر بالخيارات والاتفاقات الأخيرة التي حاكتها السلطة، والتي أفضت إلى إعلان حزمة الإصلاحات، مع الإبقاء على الحكومة".
وكشف المصدر أن استمرار التظاهرات الشعبية بهذه الوتيرة، قد يعجّل من إنضاج مقترح حلٍّ يجري بحثه منذ يوم السبت الماضي على نحو ضيق بين قيادات الكتل السياسية العراقية، ويلغي الاتفاق السابق الذي تمّ برعاية قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، والذي لجم حراك إقالة أو استقالة الحكومة. ويقوم المقترح الجديد على الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة في البلاد خلال مدة لا تتجاوز عاماً واحداً بعد التصويت على قانون انتخابي جديد، وتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات. وقد يكون هذا المقترح، بحسب المصدر، مناسباً إلى حدّ كبير للشارع وللمرجعية الدينية في النجف (الممثلة بالسيد علي السيستاني) التي تصطف مع المتظاهرين".
يأتي ذلك بالتزامن مع صدور تقارير صحافية محلية، نقلت عن مصادر مقربة من الحكومة، وصول تحذير جديد من مرجعية النجف، من مغبة استمرار عمليات القمع وقتل المتظاهرين. وحذرت المرجعية من أنها ستلجأ لاتخاذ موقف تصعيدي ضد الحكومة، في حال استمرت الأخيرة بممارسة عمليات القمع.
من جهته، كشف رئيس "كتلة الرافدين" النيابية، يونادم كنّا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عن اجتماع عقد ليل أول من أمس السبت في المنطقة الخضراء في بغداد، وضمّ قادة الصف الأول، جرت فيه مناقشة التظاهرات، حيث كان حصل إجماع على شرعيتها، وعلى أحقية المواطن العراقي في التظاهر، مع ضرورة تلبية مطالبه بالتغيير والمعالجات السريعة. وبيّن كنّا أنه "تمّ الاتفاق خلال اللقاء على خريطة طريق لتلبية مطالب المتظاهرين الخاصة بالإصلاح السياسي، من خلال إجراء انتخابات مبكرة بعد إقرار قانون انتخابي جديد وإنشاء مفوضية جديدة للانتخابات، وكذلك إقرار قانون للأحزاب". وبحسب المصدر، فإنه سيجري بالتوازي مع هذه الخطوات "تنفيذ بعض المطالب الملحة، من محاربة الفساد وملاحقة مرتكبيه، وهو أمر يقع على عاتق السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكذلك القضائية، والتي تنسق جميعها في ما بينها".
وفي السياق، لفت رئيس كتلة الرافدين النيابية إلى أنه "لم يجر التوصل حتى الآن إلى الاتفاق على موعد محدد لإجراء الانتخابات المبكرة، فتحديده يتعلق بإنجاز بعض الإجراءات التشريعية والتنفيذية، وعلى رأسها إقرار قانون الانتخابات وشكل المفوضية الجديدة". لكن النائب العراقي جزم بأن "هناك شبه إجماع على إجراء الانتخابات المبكرة سريعاً، من أجل الخروج العاجل من الأزمة".