16 نوفمبر 2024
صُنع في الإعلام المصري
كعادته دائما، يُضحكنا الإعلام المصري بما ينشره من قصص خيالية، لا تستقيم مع المنطق أصلا، فقد نشرت الصحف المصرية خبرا موحّدا عن إسقاط طائرة عسكرية قطرية كانت تحمل أسلحةً في طريقها إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا، وحاولت صحيفة الأخبار "التجويد" على الخبر، فنشرت صورة لطائرة هليكوبتر! على الرغم من أن من المستحيل على طائرة هليكوبتر أن تقطع كل تلك المسافة من قطر إلى ليبيا. كما نشرت الصحيفة الخبر على صدر صفحتها الأولى، قبل أن تزيله لاحقا. فضلا عن ذلك، اشتمل الخبر المفبرك على مغالطاتٍ فاضحة، بعد أن اتهم القوات التي تحارب خليفة حفتر بأنها موالية لداعش، للادعاء بأن حفتر يحارب "الإرهاب".
ليس هذا هو المضحك الوحيد في الخبر، فالصحف المصرية أجمعت على أن الطائرة قطرية، كأن طائرة تقوم بعملية بمثل تلك الخطورة والسرية ستحمل العلم القطري لتُعلم القاصي والداني بما تقوم به، وهو ما يذكّرنا بفيلم "لا تراجع ولا استسلام"، عندما سجل الممثل أحمد مكي رقم الضابط الذي يتواصل معه في مهمته السرية باسم "سراج مهمة"! أما الأكثر إثارة للسخرية فهو أن الصحف المصرية أفادت جميعها بأن الطائرات التي أسقطت الطائرة القطرية "مجهولة الهوية"، ما يدعونا إلى التساؤل عن السبب الذي يجعل الصحف المصرية تجزم أن الطائرة التي أسقطت قطرية، في وقتٍ لا تعرف فيه هوية الطائرات التي أسقطتها.
أكّدت على الهوية القطرية صحيفة البوابة نيوز المصرية في أمر آخر، عندما نشرت خبرا عن
سيارات "تويوتا قطرية" وصلت إلى "داعش" في ليبيا، وكأن قطر تقوم بتصنيع سيارات تويوتا، ويبدو أن الصحيفة قد فطنت بعد ذلك إلى الفضيحة، فعدّلت الخبر ليتحدّث عن إمداد قطر "داعش" بسيارات تويوتا حديثة، وأضافت تركيا إلى الخبر لتصبح الصفقة قطرية - تركية بجرة قلم.
وكانت الصحيفة قد جزمت بعد أشهر بضبط أجهزة الأمن "بنادق تركية" في حوزة تجار أسلحة غير مرخصة، من دون أن تذكر أي تفاصيل عن طراز تلك البنادق، أو نوعها، أو الدليل الذي اعتمدت عليه في تأكيد "تركية" البنادق، وهي طريقة معتادة من الإعلام المصري في المناكفات الصبيانية الرخيصة مع خصوم نظام عبد الفتاح السيسي. وهو ما فعله المذيع عمرو أديب، عندما عرض أسلحةً، زعم أنها ضبطت في مزرعة يملكها أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن بينها أسلحة "تركية" وأضاف أن المزرعة "إخوانية مائة بالمائة" مدّعيا أن المزرعة اقتحمتها قوات الأمن، بعد معركة حامية سقط فيها عديدون من رجال الشرطة، لكننا لم نسمع أبدا أن وزارة الداخلية المصرية أعلنت عن تفاصيل تلك المعركة المزعومة، ولا أسماء (وصور) رجال الشرطة الذين سقطوا فيها، فمن الطبيعي أن تعلن الوزارة عن ذلك إن كان قد حدث، أما أن تدعو ذراعا إعلاميا لتصوير حلقة داخل المزرعة المزعومة فهو لا يتعدى كونه عملا دعائيا رخيصا. والمضحك أن المذيع لم يقل إن الأسلحة تركية فقط، بل قال إن من بينها أسلحة روسية أيضا، لكن صحيفة اليوم السابع اكتفت بذكر الأسلحة التركية فقط في عنوان الخبر الذي تناول موضوع المزرعة الإخوانية المزعومة، وطبعا لأن السيسي يحب بوتين ويتمنى رضاه.
من أبرز قصص خطاب المؤامرة في الإعلام المصري اتهام الولايات المتحدة بدعم "داعش"، إلى درجة أننا إذا جمعنا القصص التي تتهم دولا أجنبية بدعم "داعش" في الإعلام المصري
سنجدها تتناول عشرات الدول المتناقضة والمعادية بعضها لبعض، وكانت أبرز تلك الادعاءات فضيحة إعلامية من العيار الثقيل، تورّطت بها صحف وبرامج تلفزيونية مصرية، نشرت في فبراير/ شباط 2015، مقطع فيديو لكميات من الذخائر والأسلحة في الصحراء الليبية، وادّعت أنها أسلحة ألقتها طائرات أميركية لتنظيم داعش في ليبيا، ليحارب بها الجيش المصري، ويهرّبها إلى مصر لتنفيذ عمليات إرهابية، ليتضح بعد ذلك أن الفيديو قديم ويعود إلى 2012.
أما عن حركة حماس فكان نصيبها كبيرا من الادّعاءات الإعلامية المصرية التي تتهمها بصناعة أشياء لا تخطر على البال، ومن ذلك فضيحة "شهادات التخابر مع حماس"، عندما نشرت وسائل الإعلام المصرية أخبارا عن ضبط أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وفي جوزتهم "شهادات تخابر" مع حركة حماس، ونشرت الصحف المصرية صورا للشهادة المزعومة مفتخرة بالانفراد الصحفي الكبير الذي حققته! ونصت الشهادة المزعومة على أن حملة "متخابرون مع حماس" تشهد بأن المتخابر الفلاني اجتاز الدورة التدريبية للتخابر، ولذلك نجح في الحصول على صفة "متخابر حمساوي"، وتحمل توقيع الرئيس المعزول محمد مرسي. كما ادّعى المتحدث العسكري قبل ذلك ضبط الجيش المصري كميات كبيرة من القنابل في سيناء، مختومة بختم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة. كما ادّعى ضبط كمية من الملابس تستخدمها الحركة. وكأن الملابس كتب عليها مثلا "صنع في حماس" أو "صنع في غزة"، وكأن "حماس" و"القسام" سيفضحان نفسيهما بالإشارة إلى اسميهما في القنابل والملابس التي زعم المتحدّث العسكري أنه يتم تهريبها إلى جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء.
ما يجمع بين هذه الأكاذيب والفضائح الإعلامية أنها من صناعة الإعلام المصري، أو من صناعة الشخص الذي يُحرّك هذه الأذرع الإعلامية، وهو معروف، فلا التويوتا والطائرة قطريتان ولا البنادق تركية ولا الأسلحة أميركية ولا شهادات التخابر والقنابل حمساوية ولا المزرعة إخوانية، لكنه الكذب الفاجر المصنوع حصرا في الإعلام المصري.
ليس هذا هو المضحك الوحيد في الخبر، فالصحف المصرية أجمعت على أن الطائرة قطرية، كأن طائرة تقوم بعملية بمثل تلك الخطورة والسرية ستحمل العلم القطري لتُعلم القاصي والداني بما تقوم به، وهو ما يذكّرنا بفيلم "لا تراجع ولا استسلام"، عندما سجل الممثل أحمد مكي رقم الضابط الذي يتواصل معه في مهمته السرية باسم "سراج مهمة"! أما الأكثر إثارة للسخرية فهو أن الصحف المصرية أفادت جميعها بأن الطائرات التي أسقطت الطائرة القطرية "مجهولة الهوية"، ما يدعونا إلى التساؤل عن السبب الذي يجعل الصحف المصرية تجزم أن الطائرة التي أسقطت قطرية، في وقتٍ لا تعرف فيه هوية الطائرات التي أسقطتها.
أكّدت على الهوية القطرية صحيفة البوابة نيوز المصرية في أمر آخر، عندما نشرت خبرا عن
وكانت الصحيفة قد جزمت بعد أشهر بضبط أجهزة الأمن "بنادق تركية" في حوزة تجار أسلحة غير مرخصة، من دون أن تذكر أي تفاصيل عن طراز تلك البنادق، أو نوعها، أو الدليل الذي اعتمدت عليه في تأكيد "تركية" البنادق، وهي طريقة معتادة من الإعلام المصري في المناكفات الصبيانية الرخيصة مع خصوم نظام عبد الفتاح السيسي. وهو ما فعله المذيع عمرو أديب، عندما عرض أسلحةً، زعم أنها ضبطت في مزرعة يملكها أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن بينها أسلحة "تركية" وأضاف أن المزرعة "إخوانية مائة بالمائة" مدّعيا أن المزرعة اقتحمتها قوات الأمن، بعد معركة حامية سقط فيها عديدون من رجال الشرطة، لكننا لم نسمع أبدا أن وزارة الداخلية المصرية أعلنت عن تفاصيل تلك المعركة المزعومة، ولا أسماء (وصور) رجال الشرطة الذين سقطوا فيها، فمن الطبيعي أن تعلن الوزارة عن ذلك إن كان قد حدث، أما أن تدعو ذراعا إعلاميا لتصوير حلقة داخل المزرعة المزعومة فهو لا يتعدى كونه عملا دعائيا رخيصا. والمضحك أن المذيع لم يقل إن الأسلحة تركية فقط، بل قال إن من بينها أسلحة روسية أيضا، لكن صحيفة اليوم السابع اكتفت بذكر الأسلحة التركية فقط في عنوان الخبر الذي تناول موضوع المزرعة الإخوانية المزعومة، وطبعا لأن السيسي يحب بوتين ويتمنى رضاه.
من أبرز قصص خطاب المؤامرة في الإعلام المصري اتهام الولايات المتحدة بدعم "داعش"، إلى درجة أننا إذا جمعنا القصص التي تتهم دولا أجنبية بدعم "داعش" في الإعلام المصري
أما عن حركة حماس فكان نصيبها كبيرا من الادّعاءات الإعلامية المصرية التي تتهمها بصناعة أشياء لا تخطر على البال، ومن ذلك فضيحة "شهادات التخابر مع حماس"، عندما نشرت وسائل الإعلام المصرية أخبارا عن ضبط أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وفي جوزتهم "شهادات تخابر" مع حركة حماس، ونشرت الصحف المصرية صورا للشهادة المزعومة مفتخرة بالانفراد الصحفي الكبير الذي حققته! ونصت الشهادة المزعومة على أن حملة "متخابرون مع حماس" تشهد بأن المتخابر الفلاني اجتاز الدورة التدريبية للتخابر، ولذلك نجح في الحصول على صفة "متخابر حمساوي"، وتحمل توقيع الرئيس المعزول محمد مرسي. كما ادّعى المتحدث العسكري قبل ذلك ضبط الجيش المصري كميات كبيرة من القنابل في سيناء، مختومة بختم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة. كما ادّعى ضبط كمية من الملابس تستخدمها الحركة. وكأن الملابس كتب عليها مثلا "صنع في حماس" أو "صنع في غزة"، وكأن "حماس" و"القسام" سيفضحان نفسيهما بالإشارة إلى اسميهما في القنابل والملابس التي زعم المتحدّث العسكري أنه يتم تهريبها إلى جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء.
ما يجمع بين هذه الأكاذيب والفضائح الإعلامية أنها من صناعة الإعلام المصري، أو من صناعة الشخص الذي يُحرّك هذه الأذرع الإعلامية، وهو معروف، فلا التويوتا والطائرة قطريتان ولا البنادق تركية ولا الأسلحة أميركية ولا شهادات التخابر والقنابل حمساوية ولا المزرعة إخوانية، لكنه الكذب الفاجر المصنوع حصرا في الإعلام المصري.