صيد الطيور وسط واقع اقتصادي مترد في لبنان

06 سبتمبر 2020
يستمر النشاط بالرغم من الحملات (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يعتقد البعض أن الوضع الاقتصادي المتردي أو المتهالك يؤدي إلى فلتان أمني جراء الفقر والجوع والمرض الذي يصيب غالبية الناس، فلا يعود هنالك من قوى أمنية لتطبيق القوانين، خاصة قانون الصيد، لأن هذا الأخير، أي الصيد، يعتبر نوعا من الترف. وبناء عليه، هو ليس ذا أولوية بالنسبة للقوى الأمنية التي كما الشعب ترزح تحت الضغوطات اليومية الناتجة عن الوضع الاقتصادي المتفلت بين الأسواق السوداء وتلك البيضاء، وبين البنوك واللصوص، وبين المتاجر والزبائن، والمرضى والمستشفيات وشركات التأمين والتجار، وبين التصدير والاستيراد، إلى ما هنالك من أزمات ومصائب وكوارث وويلات.
نعم يظن هذا البعض أنه في ظل الارتباكات الاقتصادية وانخفاض مستوى الحفاظ على الأمن سيكون سهلاً على زمرة من الصيادين المعروفة بالقواصين التفلت من سطوة القوانين والتفرغ للصيد أينما ومتى كان، وإطلاق النار على ما هو مسموح أو غير مسموح صيده، على النادر منها والوفير وعلى المهدد وغير المهدد منها بالانقراض.
وحيث إن الأسعار في ظل الأزمات الاقتصادية ترتفع بينما ينخفض سعر العملة الوطنية ويتضاعف سعر اللحوم فيها خمس مرات، فإن البعض يظن أن هجمة القواصين على الطيور هي المنفذ الوحيد الذي يعوض الناس عن عدم قدرتهم على شراء لحوم الأغنام والأبقار والدجاج والأسماك، تماماً كما يفعل صيادو الأسماك بالقصبة في هذه الأيام، الذين في معظمهم ممن لم يحمل قصبة صيد طيلة حياته.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة أو في هذا الإطار، كما يظن البعض. ففي الواقع، أن أموال أغلب الناس محجوزة في البنوك، لعدم توفر السيولة المطلوبة بالدولار لتمويل عمليات الشراء من الخارج للبضائع المطلوبة من قبل التجار، بما في ذلك تجار أسلحة الصيد والخرطوش. وبناء على ذلك، ارتفع سعر علبة الخرطوش على الأقل خمسة أضعاف سعرها الأساسي، الأمر الذي لا يسمح سوى لقلة من الصيادين المحترفين وهواة الصيد بالقيام برحلات الصيد.
أمام هذا الواقع يتبين لنا أنه ليست هناك هجمة على الطيور بغية الاستفادة من لحومها، لأن سعر الخرطوش يكاد يوازي سعر كيلو اللحم. ولكن علينا، نحن معشر محبي الطيور والمحافظة عليها، أن لا نفرح كثيرا من واقع ارتفاع أسعار علب الخرطوش، لأن صيادي الطيور بالشبك والأفخاخ والدخان في الآبار الصخرية الجافة والدبق وبالمواد المنومة، وكلها مواد وأدوات ممنوعة بموجب القانون، هم كثر ويرتكبون المجازر بدم بارد، إذ ليست لهم مصلحة سوى تحقيق الأرباح من بيع الطيور. صحيح أنهم كانوا يبيعونها إلى السوبرماركت والمطاعم، إلا أن هذه الأخيرة أصبحت بمعظمها شبه مقفلة تحت وطأة الإجراءات المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا بين الناس. أما محلات السوبرماركت فلن تبيع العصافير المنتوفة إلى عامة الناس بالسعر القديم، فهي كغيرها قد ارتفع سعرها ارتفاعاً جنونياً كبقية السلع. إذن كل شيء يدور في حلقة الاقتصاد المتهالك والمتدني، إلى درجة بات معها الصياد، كما السواد الأعظم من الناس، خبيراً بالاقتصاد ويتصرف على ضوء تقييمه للأوضاع الاقتصادية التي تفرض نفسها عليه.

وبقي بعض القواصين الذين يجهلون أصلاً ضرر ما يفعلونه من مجازر بحق الطيور، والذين يتصرفون على أساس اصرف ما في الجيب - لتشتري الخرطوش - يأتيك ما في الغيب، يسرحون هنا وهناك يهددون القوى المولجة مراقبة الصيد البري من الاقتراب منهم ويعيثون بالمخلوقات فساداً، فإن لم يشاهدوا طائراً يقتلونه لا يتورعون عن قتل دجاجة في بستان أو كلب يسير على طرف الطريق أو ابن آوى ضل طريقه أو ثعلب يبحث عن شيء يأكله أو حتى فراشة تتأرجح في طيرانها أمامهم فيتنافسون على من يصيبها منهم. هؤلاء هم سبب انقراض الطيور بسبب انقراض إحساسهم الإنساني وانقراض الرأفة لديهم.
(متخصص في علم الطيور البرية)

المساهمون