أين تصبّ معظم موجات الهجرة منذ سبعة عقود؟ إنها تتّجه صوب "المركز". حدثت هجرة عمّالية في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية نحو أوروبا الغربية التي افتقرت لليد العاملة، ثم ظهرت في تسعينيات القرن الماضي هجرة الهروب من التنمية المفقودة عبر وسائل الهجرة السرية، وأخيراً نعيش اليوم موجة الهجرة لأسباب إنسانية، حين تهز الحروب والفوضى مناطق من "الأطراف"، ما يدفع مرّة أخرى إلى التوجّه إلى المركز.
هكذا تختلف الأسباب والاتجاه واحد. فلا يزال المركز أيضاً جغرافياً، واقعاً أرضياً، كما هو واقع لغوي واقتصادي، رغم ما فعلته التكنولوجيا بالجغرافيا.
الحديث عن حركة بشرية من الهامش إلى المركز يقودنا إلى استحضار أفكار تتضافر من أجل "تفكيك المركزية الغربية"، وهو رهان اشتغلت عليه أسماء كثيرة مثل فرانز فانون وألبير ممّي وإدوارد سعيد وغياتري سبيفاك.
جميعهم أتى من الأطراف إلى المركز وطوّر معظم أدواته فيه، متّكئاً على منهجيات مدرسة فرنكفورت مثلاً أو فرويد وفوكو ودريدا. هكذا، وكأن الأصوات تبدو غير مسموعة (كي لا نقول غير قادرة على تطوير نقدٍ) حين تكون خارج المركز.
هل من علاقة بين حركة الهجرة نحو المركز، وحركة التفكير ضدّه؟ يبدو الانفصال واضحاً، لكنه ليس مطلقاً، إنه فقط إشارة إلى أن البنى الفكرية منعزلة تماماً عن الكتلة البشرية، هنا في "الهامش".