صنّاع اللعب الجدد.. ظاهرة تكتيكية جديرة بالاهتمام

07 اغسطس 2014
مودريتش وإنييستا وأوزيل وماتّا من أبرز صناع اللعب
+ الخط -

مع تغير خطط اللعب، أصبحنا نرى معظم الفرق تلعب بمهاجم وحيد، وخماسي في خط الوسط، تعددت الطرق والنهاية واحدة (4-3-3) أو (4-5-1) أو (4-2-3-1)، وعودة مرة أخرى خلال الفترة الأخيرة إلى (3-5-2)، وهي الخطط التي تلعب وفقها معظم الفرق الأوروبية والعالمية خلال السنوات الأخيرة، ففي نهائي دوري أبطال أوروبا العام قبل الماضي بين دورتموند وبايرن الألمانيين، لعب الفريقان بطريقة لعب (4-2-3-1) خلال مباراة ويمبلي الشهيرة، وفي نهائي لشبونة، لعب قطبا مدريد بطريقة لعب مزجت بين (4-3-3) و(4-4-2).

ومن زيدان وروي كوستا وريكلمي، وصولاً إلى أوزيل وماتا، وميسي، ودي ماريا، ومورديتش والبقية، هم أباطرة الكرة الجدد الذين نقلوا السطوة من جيل الخبرة إلى ريعان الشباب، وتأتي الملاحظة الأهم التي تخص صناع اللعب الجدد، أن معظمهم بدأ مسيرته الكروية كلاعب جناح على الطرف، أو كمساعد هجومي ينطلق كثيراً على خط الملعب وليس في العمق.

لاعب الجناح ينطلق في الملعب باتجاهات أقل من لاعب الوسط المركزي، لأنه يتحرك في الأمام والخلف وعلى طرف واحد، فهو محاصر بالخط الجانبي، عكس لاعب المنتصف الصريح الذي يتحرك في كل اتجاهات الملعب، لذلك يمتاز لاعب الجناح بمهارات كبيرة وقدرة واضحة على التعامل مع الكرة في أضيق المساحات، لذلك حينما تسنح له الفرصة ويلعب بالمنتصف خلف الهجوم، يكون في وضعية مريحة لإحراز الأهداف وصناعتها.

اثنان × واحد
ويتواجد العديد من اللاعبين الذين قاموا بهذا الدور بنجاح، في مقدمتهم الألماني مسعود أوزيل، الذي بدأ مع بريمن كلاعب على الطرف، ولعب في مونديال 2010 كصانع لعب صريح في العمق، وعندما انتقل إلى ريال مدريد، قرر مورينيو توظيفه في العمق، لاعب الطرف الذي يتحول إلى صانع اللعب، مسعود في مدريد يلعب بين دي ماريا ورونالدو، يمرر لهما الكرات، يرمي الكرات البينية إلى الأمام ويسدد على المرمى. ومع أرسنال خلال الموسم الماضي، لعب في معظم الفترات صانع لعب أيضاً، يبدأ في العمق ثم يتحرك على الأطراف تاركاً مساحة للقادمين من الخلف.

فنياً، أوزيل يعتبر من أفضل صناع اللعب الجدد في طريقة (4-2-3-1)، وهو المركز رقم 10 الذي ينطلق بحرية في الثلث الهجومي الأخير، يستلم الكرة ويمررها الى المهاجمين، ويصنع الأهداف ويسجلها إذا سنحت الفرصة، فهو أفضل "أسيست مان" في دوري أبطال أوروبا خلال السنوات الماضية، ويملك قيمة إضافية في قدرته على تبادل المراكز مع الأطراف، وملأ الفراغات داخل تكتيك فريقه، الجناح الأيمن يدخل في العمق ويتحول أوزيل مكانه، ينطلق اليسار على الخط ليتمركز أوزيل في المنطقة الشاغرة بين الجناح والظهير.

ليس هذا فحسب؛ بل يمتاز أوزيل بقدرته على التحول من الوسط إلى الهجوم، كي يقوم بدور رأس الحربة الوهمي والمهاجم الثاني False 10، فهدفه في مرمى نابولي بدوري أبطال أوروبا في النسخة الأخيرة، دليل كبير على ذلك، أوزيل ينطلق في قلب الهجوم ويتحرك جيرو على الطرف ليستلم الألماني الكرة ويضعها مباشرة في الشباك. هو صانع لعب حقيقي وجناح عند الطلب، اثنان في واحد، وليس مجرد لاعب واحد.

لاعب وسط صريح
لعب لويس فان جال بطريقة (3-5-2) مع هولندا في كأس العالم، ومانشستر يونايتد في جولة أميركا الودية، صانع اللعب في هذه الخطة يهاجم ويدافع ويلعب في كل مكان، وشنايدر في البرازيل قام بدور صانع لعب في الاستحواذ، ولاعب وسط هجومي صريح أثناء المرتدات، ولاعب ارتكاز مساند في المنتصف، حينما يفقد فريقه الكرة ويتحول إلى نظام الرقابة الفردية، كذلك خوان ماتا الذي بدأ المباراة مع مانشستر خلف رأسي الحربة، ثم تحول إلى المنتصف، من أجل الحصول على الكرة ويعود أمام مرماه في حالة الدفاع، إنه اللاعب الشامل في فكر المدرب الهولندي.

وراهن لوف في الجولات الأخيرة من المونديال، على توني كروس في مركز صانع اللعب ووضع أوزيل على الجناح، ويعتبر نجم ريال مدريد الجديد لاعب وسط صريحاً في الغالب، ينطلق من العمق إلى الهجوم، وفي المونديال، لعب بين أجنحة "الماكينات" وخلف المهاجم الصريح للاستفادة من تسديداته القوية ومفاجأة الخصم بضغط عال متقدم من صانع اللعب كروس، والمهاجم الصريح رفقة ثنائي الأطراف، وهذا ما حدث تماماً في "السباعية التاريخية" التي مزقت شباك البرازيل.

الكل في الكل
ويتواجد لاعبون آخرون هم في الأساس، يتمركزون في الأجنحة أو في أطراف الملعب، لعبوا كصناع لعب أو لاعبي وسط هجوم، كشنايدر أو أوزيل أو ماريو جوتزه، لكن الجناح المركزي هو لاعب الجناح الذي يتواجد على الورق خلف المهاجم الصريح كصانع لعب من العمق، لكن عند بداية الهجوم لا يلعب في الوسط، تجده يميل إلى الأطراف من أجل استلام الكرة وبناء الهجمة.

ومن أشهر اللاعبين في هذا المركز، ماثيو فالبوينا الذي أجاد صنع الفرص والأهداف من الأطراف مباشرة إلى منطقة الجزاء، كما أن هناك أنخل دي ماريا مع ريال مدريد خلال الموسم الماضي، لاعب الجناح الذي يلعب كوسط صريح ثم يصبح جناحا أيسر، كما حدث في الكلاسيكو الأخير ببطولة الليجا في سانتياجو برنابيو.

كما أن مودريتش يتمركز في منتصف الطريق، بين صانع اللعب العميق، وصانع اللعب الحديث رقم 10، لاعب الوسط الذي ينقل الهجمة من الدفاع إلى الهجوم عبر منتصف الملعب، يستلم الكرة ويجيد المراوغة والتمرير مع الحركة، لذلك شكّل قوة عظمى داخل تشكيلة بطل أوروبا خلال السنة الأخيرة خصوصاً في مباراتي بايرن ميونخ في نصف نهائي دوري الأبطال الأوروبي.

كما أن أندريس إنييستا يعتبر نموذجاً، فاللاعب الذي يشبه مايكل لاودروب في مهارته وتحركاته، يعد لاعب وسط صريحا وجناحا، لكنه من أفضل صناع اللعب في أوروبا، لأنه يجيد اللعب في مراكز الوسط والأطراف ويملك مهارة فائقة ورؤية فعّالة داخل الملعب، لذلك هو من أفضل لاعبي الوسط في طريقة (4-3-3) التي تمتاز بوجود أكثر من صانع لعب، بينهم إنييستا بكل تأكيد سواء مع برشلونة أو إسبانيا.

كرة القدم لها نص أو سكريبت، الممثل العظيم هو من يتفاعل مع النص الدرامي بشكل سليم ويحاول فهمه وإيصاله وفقاً لقدراته الإبداعية، ولكن مع الحفاظ على الإطار الرئيسي، وفي اللعبة فإن المدرب هو من يضع النص، والنظام الرئيسي الذي يسير عليه جميع اللاعبين، ومع تطور الخطط والطرق التكتيكية، انتهى تماماً دور صانع اللعب الكلاسيكي، وظهرت مفردات كروية مختلفة تناسب قواعد المستديرة الجديدة، وتجعل التكيّف مع الاستراتيجيات الفنيّة الحديثة أمراً سهلاً ويسيراً.

دلالات
المساهمون