صندوق النقد يخفض توقعات نمو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

09 ابريل 2019
انطلاق اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين (فرانس برس)
+ الخط -

خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع ازدياد حدة الركود في اقتصاد إيران بسبب العقوبات الأميركية وضعف أسعار النفط العالمية.

وفي تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي إبريل/ نيسان 2019"، الذي أطلقه، اليوم الثلاثاء، من العاصمة الأميركية، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، توقع الصندوق انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة كبيرة بلغت 6% لعام 2019، في أسوأ أداء له منذ تقلصه 7.7% عام 2012 بسبب الحظر الأميركي على النفط الإيراني وانخفاض عائدات النفط.

وخفض الصندوق بشدة تقديراته السابقة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حول انكماش الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشدة على النفط، علماً أن الاقتصاد الإيراني سجل عام 2018 انكماشا بنسبة 3.9%، وهو أعلى من نسبة 1.5% التي كانت متوقعة.

وبحسب الصندوق، فإن اقتصاد المنطقة سينمو بنسبة 1.3%، أي أقل بـ0.9% من التوقعات السابقة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بسبب العقوبات على إيران وانخفاض نمو النفط والأزمات.

ومن المتوقع أن يتعافى اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2020 لينمو بنسبة 3.2%.
وأكد الصندوق أن "توقعات المنطقة تتأثر بعوامل عدة، بما في ذلك تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للنفط في السعودية (...) والعقوبات الأميركية على إيران والتوترات والنزاعات الأهلية في اقتصادات أخرى، بما في ذلك العراق وسورية واليمن".

كما توقع الصندوق أن يصل معدل سعر برميل النفط إلى 59 دولاراً هذا العام والعام القادم، وهو أقل من التوقعات السابقة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بأكثر من 65 دولاراً.

وفي تفاصيل تقريره، أورد الصندوق أنه 
بعدما حقق النشاط الاقتصادي العالمي نموا قويا في 2017 ومطلع 2018، شهد تباطؤا ملحوظا في النصف الثاني من العام الماضي، انعكاسا لطائفة من العوامل التي أثرت على الاقتصادات الكبرى.



وانخفض النمو في الصين عقب إجراءات التشديد التنظيمي التي كانت لازمة لكبح نشاط صيرفة الظل والتي تزامنت مع زيادة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

وفقد اقتصاد منطقة اليورو زخما أكبر من المتوقع مع ضعف ثقة المستهلكين والأعمال واضطراب إنتاج السيارات في ألمانيا نتيجة لتطبيق معايير الانبعاثات الجديدة. كما هبط الاستثمار في إيطاليا مع اتساع فروق العائد على السندات السيادية.

وقلّ الطلب الخارجي، لا سيما من آسيا الصاعدة. وفي مناطق أخرى من العالم، تضرر النشاط في اليابان بفعل الكوارث الطبيعية. وأثرت التوترات التجارية بصورة متزايدة على ثقة الأعمال، وبالتالي تدهور المزاج السائد في الأسواق المالية، مع زيادة ضيق الأوضاع المالية بالنسبة للأسواق الصاعدة المعرضة للمخاطر في ربيع 2018 ثم الاقتصادات المتقدمة في أواخر العام، ما أثر سلبا على الطلب العالمي.
وخفت حدة الأوضاع في 2019 عندما أشار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى زيادة تيسير موقف السياسة النقدية وازداد تفاؤل الأسواق حيال الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لكن الأوضاع لا تزال أكثر تقييداً بقليل مقارنةً بما كانت عليه في الخريف.

النمو العالمي مهيأ للتراجع على المدى القصير

ونتيجة لهذه التطورات، يتوقع الصندوق حاليا أن يتباطأ النمو العالمي من 3.6% في 2018 إلى 3.3% في 2019، قبل أن يعود إلى 3.6% في 2020.

وقد خُفِّضت توقعات النمو لعام 2018 بمقدار 0.1 نقطة مئوية مقارنةً بتوقعات عدد أكتوبر 2018 من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، تعبيرا عن ضعف النمو في النصف الثاني من العام، كما يتم الآن تخفيض التنبؤات لعامي 2019 و2020 بمقدار 0.4 نقطة مئوية و0.1 نقطة مئوية على الترتيب.

وتشير التنبؤات الحالية إلى استقرار النمو العالمي في النصف الأول من 2019 ثم اكتسابه قوة أكبر بعد ذلك. ويرتكز التحسن المتوقع في النصف الثاني من 2019 على التراكم المستمر للإجراءات التنشيطية التي تتخذها السياسات في الصين، ومظاهر التحسن في مزاج الأسواق المالية العالمية أخيرا، وانحسار بعض المعوقات المؤقتة أمام النمو في منطقة اليورو، والاستقرار التدريجي للأوضاع في اقتصادات الأسواق الصاعدة الواقعة تحت ضغوط، ومنها الأرجنتين وتركيا.
ويُتوقع استمرار تحسن الزخم في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عام 2020، وهو ما يرجع في الأساس إلى التطورات في الاقتصادات التي تعاني حاليا من حالة عُسر على مستوى الاقتصاد الكلي – وهو تنبؤ يخضع لقدر كبير من عدم اليقين. وعلى النقيض من ذلك، يُتوقع استمرار تباطؤ النشاط في الاقتصادات المتقدمة بالتدريج مع انحسار أثر التنشيط المالي في الولايات المتحدة وميل النمو نحو مستواه الممكن المحدود للمجموعة.


weo

وبعد عام 2020، يتوقع التقرير استقرار النمو العالمي عند حوالي 3.6% على المدى المتوسط، تدعمه زيادة الحجم النسبي للاقتصادات، على غرار اقتصادي الصين والهند، اللتين يُتوقع لهما تحقيق نمو قوي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة التي تنمو بوتيرة أبطأ (وإن كان نمو الصين إلى مستوى أكثر اعتدالا في نهاية المطاف).

وكما اُشارت أعداد سابقة من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، فسيتجه نمو الاقتصادات المتقدمة إلى الانخفاض على امتداد فترة التوقع متأثرا بضعف نمو إنتاجية العمالة وتباطؤ توسع القوى العاملة في سياق شيخوخة السكان.

ويُتوقع أيضاً استقرار النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند مستوى أقل قليلا من 5%، وإن كان سيختلف من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.

ولا تزال الآفاق المتوقعة لآسيا الصاعدة مواتية في السيناريو الأساسي، مع توقع حدوث تباطؤ تدريجي في نمو الصين يقترب به من المستويات القابلة للاستمرار ومع تقارُب الاقتصادات الواعدة نحو مستويات دخل أعلى.

وفي المناطق الأخرى، أصبحت الآفاق معقدة بسبب مزيج من الاختناقات الهيكلية، وتباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة، وكذلك ارتفاع الديون وضيق الأوضاع المالية في بعض الحالات.
وهذه العوامل، إلى جانب تراجع أسعار السلع الأولية والصراعات الأهلية أو النزاعات في بعض الحالات، تساهم في ضعف الآفاق متوسطة الأجل لكل من أميركا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، وأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء.

وعلى وجه التحديد، تبدو آفاق التقارب قاتمة بالنسبة لحوالي 41 اقتصادا من اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، التي تساهم بنحو 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي المقاس على أساس تعادل القوى الشرائية ويقترب عدد سكانها الكلي من مليار نسمة، مع توقُّع زيادة هبوط نصيب الفرد من الدخل إلى مستويات أقل من الاقتصادات المتقدمة على مدار السنوات الخمس المقبلة.

ميزان المخاطر يرجح كفة التطورات السلبية

وفي حين يمكن أن يحقق النمو العالمي مفاجأة سارة إذا تمت تسوية الخلافات التجارية بسرعة لاسترداد ثقة الأعمال وتحسين مزاج المستثمرين، فإن ميزان المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد لا يزال يرجح كفة التطورات السلبية.

فمن الممكن أن يزداد ضعف النمو إذا زاد تصاعُد التوترات التجارية وما يصاحبه من زيادة في عدم اليقين بشأن السياسات.

ولا تزال الاحتمالات تميل إلى جانب التدهور الحاد في مزاج الأسواق، ما قد يعني حدوث عمليات إعادة توزيع بعيدا عن الأصول الخطرة، واتساع فروق العائد مقارنة بسندات الملاذ الآمن، ووجود أوضاع مالية أضيق بشكل عام، وخاصة بالنسبة للاقتصادات المعرضة للخطر.
وتتضمن الدوافع المحتملة لهذه الحالة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، واستمرار ضعف البيانات الاقتصادية التي تشير إلى فترة مطولة من التباطؤ في النمو العالمي، وامتداد فترة عدم اليقين بشأن المالية العامة وارتفاع العائدات في إيطاليا – وخاصة إذا صاحبها ركود أعمق – مع احتمال انتقال التداعيات السلبية إلى اقتصادات أخرى في منطقة اليورو.

ويمكن أيضا أن يزداد ضيق الأوضاع المالية العالمية إذا ما أجرت الأسواق إعادة تقييم سريعة لموقف السياسة النقدية في الولايات المتحدة. وعلى المدى المتوسط، يشكل تغير المناخ والخلاف السياسي القائم في سياق تزايد عدم المساواة مخاطر بارزة يمكن أن تخفض الناتج العالمي الممكن، وهو ما يُحْدِث انعكاسات حادة على بعض البلدان المعرضة للمخاطر بوجه خاص.

أولويات السياسات

ووسط تراجُع زخم النمو العالمي ومحدودية الحيز المُتاح على مستوى السياسات لمكافحة حالات الهبوط الاقتصادي، ينبغي أن يكون تجنب الخطوات الخاطئة التي يمكن أن تضر بالنشاط الاقتصادي على رأس أولويات السياسات.



وبحسب التقرير، ينبغي أن تهدف السياسة الاقتصادية الكلية والسياسة المالية إلى منع المزيد من التباطؤ حيثما كان من الممكن هبوط الناتج إلى أقل من المستوى المحتمل، وأن تهدف أيضا إلى تسهيل الهبوط الهادئ في النشاط الاقتصادي عند الحاجة إلى سحب الدعم الذي تقدمه السياسات.

وعلى المستوى الوطني، يقتضي هذا وجود سياسة نقدية تضمن بقاء التضخم على المسار الصحيح الذي يحقق هدف البنك المركزي (أو إذا كان قريبا من الهدف، تضمن استقراره عند هذا المستوى) وتكفل استمرار ثبات التوقعات التضخمية.
ويتطلب هذا أيضا حسن إدارة سياسة المالية العامة للمفاضلات بين دعم الطلب والتأكد من استمرار الدين العام على مسار يمكن الاستمرار في تحمله.

وإذا كان الأمر يتطلب ضبطا ماليا في وجود سياسة نقدية مقيدة، ينبغي معايرة وتيرة الضبط لضمان الاستقرار مع تجنب الإضرار بالنمو على المدى القصير واستنزاف البرامج التي تحمي محدودي الدخل. وإذا تبين أن تباطؤ النشاط في الوقت الراهن أشد حدة وأطول أمدا مما يتوقعه السيناريو الأساسي، فينبغي أن تصبح السياسات الاقتصادية الكلية أكثر تيسيرا، ولا سيما إذا ظل الناتج أقل من مستواه الممكن ولم يكن الاستقرار المالي معرضا للخطر.

وفي جميع الاقتصادات، لا بد، بحسب صندوق النقد، من اتخاذ إجراءات تدفع نمو الناتج الممكن، وتعزز طابعه الاحتوائي، وتدعم الصلابة في مواجهة الصدمات. على المستوى متعدد الأطراف، تتمثل الأولوية القصوى للبلدان في تسوية الخلافات التجارية على أساس تعاوني، دون زيادة الحواجز التشويهية التي من شأنها أن تزيد من زعزعة الاقتصاد العالمي المتباطئ.
المساهمون