في رحلة آلة العود الطويلة منذ آلاف السنين، ما بين الشرق والغرب، تواصل صناعة الآلة رحالها لتنتقل من مدينة حلب السورية، إلى إسطنبول التركية.
الحرب الدائرة في سورية، دفعت الشاب عبد العزيز محمد جميل حداد، وشقيقه عز الدين، للانتقال إلى تركيا، لمزاولة المهنة التي ورثاها عن والدهما، وفتح أسواق جديدة، بعدما ضاقت الأمور في حلب.
تعتبر آلة العود من الآلات الشرقية المهمة، هي أساسية في الموسيقى التركية التقليدية والشعبية، وكان لها انتشار واسع زمن العثمانيين. وتكاد لا تخلو فرق الموسيقى الشرقية منها، إذ تم الحفاظ على الآلة في المنطقة، ونقلها للشعوب الأخرى.
صناعة العود السوري وميزاته:
وفّر السوق التركي الكبير لعبد العزيز وأخيه، فرصة كبيرة من أجل الوصول إلى الموادّ الأولية اللازمة، لتحول أناملهما بطريقة فنية مبدعة، تلك الأخشاب الصماء إلى آلات تعزف عبر أوتارها نغمات الشوق والحنين والحب. وفي ورشة بأحد أحياء إسطنبول، يتم تصنيع الأعواد إلى جانب آلة القانون، فعبد العزيز مختص بالأعواد، وعز الدين في القانون، يعملان معًا على تلبية الطلبات من السوق التركي، والأسواق العربية.
بعد شراء الأخشاب المناسبة، تخضع لعملية التقطيع والتشريح، ومن ثم الإحناء حراريًا، ثم جمعها وترتيبها وصقلها، وشدّ أوتارها بحسب الطلب، ليتم وضع اللمسات الأخيرة، عبر ضبط الأوتار، والعزف على المقامات التي تؤكد جاهزية الآلات.
يقول عبد العزيز عن رحلته إلى تركيا، وبدء العمل في تصنيع الآلات الموسيقية يدويًا في إسطنبول: "والدي يصنع آلتي القانون والعود، وعندما كنت صغيرًا اكتسبت الخبرة منه وتعلمت المهنة". ويضيف: "عندما كبرت ووجدت التطورات في سورية، جئت إلى تركيا، وباشرنا في العمل بإسطنبول، والحمد لله هناك تصدير للدول العربية وهناك متاجر تركية تشتري منا الآلات".
ويوضح: "العرب يرغبون بالعود الشرقي (السوري)، وخاصة مع رغبتهم عزف أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز، فيجدون الشرقي مناسبًا لهم". ولفت إلى أن "العود التركي يركز على التكنيك، فهناك طلب للعود الشرقي، ويزورنا الزبائن العرب، نعزف معًا وندردش معهم ويشترون، وهناك طلب، دفعني ذلك كله للبدء بهذا العمل".
وحول ما يميز العود السوري أوضح: "يتميز بصوته الشرقي المتميز، وحنية العود، والزند أيضا عياري، أي إذا خرب الدوزان (الضبط) يعود لوضعه، والقياسات صحيحة دقيقة". وتطرق إلى مراحل صناعة العود بالقول: "هي صناعة يدوية، يصل الخشب ويتم تشريحه، ثم ثنيه، ليجمع عبر القوالب، ويفك منها، ويتم صقله وتطعيمه، وإضافة الزند وبخّه، ووضع الفوجه والفرس والطبشة والمناوي والأوتار، ليتم الدوزان أخيرًا".
وبشأن توافر الموادّ والأخشاب بتركيا، قال عبد العزيز: "هناك توافر كبير لكافة أنواع الأخشاب، أكثر من سورية، مثل السيسم، والورد، في سورية موجودة ولكن بشكل نادر جدًا، والموادّ هنا مختلفة وأفضل. وبيّن أن "هناك موادّ في تركيا تساعد العود ليكون أفضل مثل الأوتار الأميركية، والألمانية، مثل مفاتيح الأبانوس، فهذه غير موجودة في سورية".
وعن الطلب العربي للأعواد قال: "العود السوري له صوت شرقي مختلف، وكلما كان العود حنونًا يكون أكثر طربًا، لذا يتم التصدير إلى دول عربية مثل فلسطين، والمغرب، والأردن، والجزائر، والسعودية، وداخل تركيا توزع في بورصا، وأنقرة، وغازي عنتاب، ومرسين". وأكد أن عملية التصدير من تركيا أفضل بكثير، وهناك سهولة في التعامل، لكن في سورية هناك حرب لا يوجد تصدير بل هناك صعوبة.
وختم بالقول: "هناك إقبال من الأتراك على العود العربي، لأنه مختلف عن التركي، العود التركي تكنيك وفيه رخامة، فبعض الأتراك من العازفين والأساتذة جاؤوا لزيارتنا، واستمتعنا بالعزف، ووجدوا الصناعة السورية رائعة".
صناعة القانون السوري وميزاته
أما عز الدين، فقال عن صناعة آلة القانون: "جاءت فكرة صنع الآلات في تركيا لأن العمل ووسائل الشحن غير متوافرة في سورية، ولا توجد إمكانية التصدير للدول العربية وأوروبا". وأردف: "لكن هنا البلاد منفتحة على أوروبا والعالم العربي، ووسائل الشحن متوفرة، وبدأنا العمل هنا بالعود حيث نواصل عملنا".
وعن آلة القانون ومميزاتها قال: "هناك اختلاف بين آلة القانون العربية والتركية، من ناحية الحجم والماكينة، وفي الدوزان، وحتى الصوت مختلف بينهما، القانون العربي طربي، والقانون التركي فيه قوة أكثر".
وأشار إلى أن المحالّ التركية والمعاهد فيها طلب، وهي تستهدف السيّاح والزائرين عامة، الطلاب يحبون العزف على القانون السوري، والعمل هو على التصدير بشكل كبير للدول العربية".
وختم بالقول: "عرض عليّ صناعة القانون التركي، ولكن حاليًا مشغول بالقانون السوري، في المستقبل سأعمل على الأمر".
(الأناضول)