صناعة السعف تندثر في ريف مصر وتنتظر السياح

16 اغسطس 2015
سيدة مصرية تعمل في صناعة السعف بمنزلها (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

حرفة الخوص (السعف)، أو "مهنة الغلابة"، كما يسميها بعض الناس، ظلت لعقود طويلة ملمحاً بارزاً في نشاط الكثير من القرى، لا سيما في محافظات الصعيد جنوب مصر، اعتمادا على حركة السياحة، التي وصلت ذروتها قبل عام واحد من اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

لكن هذه الحرفة بدأت تواجه الاندثار في ظل انحسار حركة السياحة، خاصة إلى المناطق الجنوبية في الأقصر وأسوان، فضلا عن تغير أنماط المصريين أنفسهم في المعيشة، وكادت الأدوات المنزلية المصنوعة من الخوص تتلاشى في ريف البلاد قبل حضره.

ويعمل"الخواصون" بشكل فردي في منازلهم، التي يوجد أغلبها في القرى الصغيرة والنائية، بينما يبيعون منتجاتهم لتجار الجملة والبازارات السياحية.

ويمثل قطاع السياحة 11.3% من اقتصاد مصر، ويدر 19.3% من إيراداتها بالعملة الصعبة، وبحسب وزارة السياحة المصرية تراجعت الإيرادات بنسبة 43% في الربع الأول من العام الحالي، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية.

يقول لطفي عبدالصمد، 49 عاما، إنه ورث هذه المهنة عن أبيه، الذي كان من أشهر "الخواصين" بمحافظة الوادي الجديد، موضحا أن المنتجات قديماً كانت تباع معظهما للفلاحين قبل استغناء الفلاح عنها واستبدالها بأدوات أغلبها مصنوع من البلاستك، الذي حل محل أدوات كانت تنتج من الخوص مثل الحصير (سجاد مصنوع من السعف) والأسبتة (أقفاص) والباقوطة (شنطة كبيرة من السعف تستخدم في التسوق).

ويشير عبدالصمد إلى أن مهنة الخواص في السنوات الـ 15 الأخيرة أصبحت مبيعاتها تتركز على السياحة، وذلك بعد هجر الفلاحين والقرويين المنتجات المصنوعة من السعف.

ويضيف أن مهنة الخواص مرهقة جداً، حيث تعتمد عىي العمل اليدوي ولا تدخل فيها الميكنة الحديثة نهائياً، وأصبحت في الآونة الأخيرة تكاد لا تدر دخلاً، نظرا لاعتمادها على بيع المنتجات للسياح الأجانب، الذين قل عددهم بشكل كبير منذ ثورة يناير.

وكان عدد السائحين الوافدين إلى مصر قد بلغ ذروته عام 2010، مسجلاً 14.7 مليوناً، بينما تراجع بنهاية العام الماضي 2014 إلى 9.9 ملايين سائح.

اقرأ أيضاً: "دليفري".. مهنة كثيرة الأرباح والمخاطر في مصر

ويشير عبدالصمد إلى أن عملية صناعة أحد المنتجات قد تستغرق نحو 4 أيام كاملة، في حين أن ثمنه لا يتجاوز 40 جنيهاً (5.1 دولارات)، مؤكدا أن هذه الحرفة تواجه خطر الاندثار، نظراً لإحجام الأجيال الجديدة عن امتهانها، بسبب دخلها الشحيح وحاجتها إلى جهد ووقت.

ويقول إن معظم العاملين بهذه المهنة الآن من كبار السن والسيدات، موضحا أن هذه المهنة في السابق كان يتقنها معظم الفلاحين، وقت أن كانوا يحتاجونها في الزراعة، حيث كانوا يستخدمون الحصر، بدلا من السجاد في فرش المنازل، وكذلك الأوعية الكبيرة المستخدمة في نقل القمح والتمر وغيره من المحاصيل الزراعية، خاصة أن المواد الخام لهذه الصناعة موجودة في الطبيعة من حولهم بدون أية تكلفة، وكانت تجارة رابحة.

ويؤكد أن منتجات الخوص ازدهرت في فترة رواج القطاع السياحي، واستهدف الخواصون البيع للأجانب والمواطنين، ما حقق أرباحا جيدة لهم، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة، بسبب الوضع الأمني في البلاد، وتراجُع معدلات السياحة.

وكانت شركات إنجليزية قد أوقفت رحلاتها إلى مدينة الاقصر حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، في ظل تصاعد سلسلة من التفجيرات في العاصمة المصرية.

ويوضح عبدالصمد أنه كان يبيع بضاعته للتجار الوافدين من محافظات الصعيد وأصحاب البازارات والقرى السياحية، ويتم تصنيع البضاعة حسب الطلب، وكان أغلبها قبعات وأشكالاً فرعونية، تحظى بإعجاب السياح الذين يقومون بشرائها مهما كان سعرها.

ويشير إلى أنه وقت ازدهار هذه الصناعة كان يقوم بتشغيل أكثر من 6 فتيات معه، حتى يستطيع تصنيع جميع المنتجات المطلوبة منه في الأوقات المطلوبة.

ويتابع أن صناعة الخوص تمر بعدة مراحل، حيث تبدأ من الحصول عليه حتى المنتج النهائي، وهذه المراحل هي بداية تقطيع الخوص اليابس من شجرة النخيل، ثم وضعه في الشمس حتى يجف، وبعدها يتم جمعه في شكل مجموعة من الحزم، ليتم بعد ذلك تقسيم كل سعفة أو تشريحها إلى شرائط حسب نوعية المنتج والتصميم، ثم يوضع الخوص في الماء حتى يكون ليّناً، وبعد أن يتشبع بالماء وتصير أنسجته لينة يكون جاهزاً للتشكيل حسب المنتج المراد تصميمه.

ويقول إن أدوات العمل الرئيسية التي تستخدم في صناعة الخوص هي اليدان والأسنان بالدرجة الأولى، ثم قطع خشبية وحجارة مدببة ومخارز (إبر كبيرة)، بالإضافة إلى المقص والوعاء، الذي يغمر السعف بالماء فيه.

ويشير إلى أنه في بعض المنتجات كان يتم صبغ السعف بألوان معينة لجذب المشترين، خاصة المنتجات التي تكون في شكل حقائب يدوية أو قبعات.


اقرأ أيضاً: بائع الأعلام في مصر تجارة بلا انتماء

دلالات
المساهمون